هذه المقالة نشرها قسم الإعلام والبحوث في مجموعة الحبتور عام 1997 في
مجلة الشندغة، ويبدو مضمونها متناسباً إلى حد كبير مع الأوضاع الحالية.
شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة في الآونة الأخيرة إصدارات عائدة
إلىقيام بعض الشركات العمة المساهمة التي تتعاطى أعمالاً استثمارية
مختلفة ولا شك أن هذه الظاهرة التي تكررت غير مرة تستدعي التوقف عندها
والتأمل في خلفياتها وأبعادها بغية تعميق هذه الظاهرة ووضعها في الطريق
السليم.
ماذا
تعني الظاهرة ؟
إن
المبادرات التي قامت وتلك المتوقع قيامها باتجاه تأسيس شركات عامة مساهمة
على أرض الدولة، إنما تعكس نقلة نوعية في الحياة الاقتصادية تنطوي على
إدراك عميق لمتطلبات النهوض ومتابعة مسيرة الإنماء والنمو، كما تنطوي على
فهم كامل للاتجاهات الاقتاصادية الكبيرة الحجم ونحو "العوامة" المرتبطة
ارتباطاً عضوياً بتحرير التجارة الدولية وانفتاح الأسواق على بعضها بعضاً
انتاجاً وخدمات متنوعة.
وفي
اعتقادنا أن الانتقال إلى عصر الشركات المساهمة العامة هو الخيار الوحيد
للخروج من أسر النطاق العائلي والفردي للشركات القائمة في مجتمعاتنا
وللتمكن من الدخول في مضمار الاقتصاد العالمي. غير أن هذا الانتقال في
رأينا لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها بل ينبغي أن يتم تدريجياً عاكساً
بذلك حالة التطور العام في المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً.
فالتوجه نحو الشركات المساهمة لم يكن ممكناً أن يظهر قبل 20 عاماً أو
ربما قبل 10 سنوات ولم يكن ممكناً أن يظهر نتيجة لقرارات فوقية. بل كان
من الطبيعي أن يأتي كنتيجة طبيعية لنجاج تجربة الشركات العائلية أو
الفردية ولقيام مؤسسات أثبتت قدراتها الإنتاجية والتسويقية، وتراكمت
لديها خبرات غنية عبر تعاقب الأجيال التي أضطلعت بإدارة شؤونها.
باختصار إن
التوجه نحو الشركات المساهمة يشكل ملمحاً من ملامح التطور التدريجي، وهو
يشكل معلماً لمرحلة جديدة بعد نضوج المراحل التي سبقت لذلك. من هنا أهمية
احتضان هذه الظاهرة وتوفير الأطر الكفيلة بدفعها والبيئة الملائمة لها
لكي تنمو ويتسع نطاقها.
إقبال
المدخرين
ولظاهرة
تأسيس شركة مساهمة وجه آخر ملازم لها ومتكامل معها، يتمثل في الاقبال
القياسي على الاكتتاب التي غالباً ما تجاوزت بكثير من المبالغ المطوبة
وهو أمر أيضاً يستدعي التوقف عنده من خلال الآتي: أولاً– إن هذا الاقبال
إنما يأتي صدى لمستوى قاعدة المدخرين وا لمستثمرين، وللاتجاهات الجديدة
التي تحكم أنماط تفكيرهم وهو بمثابة "استفتاء" على رغبة المدخرين في
الانضواء تحت ألوية شركات مساهمة ذات قاعدة مالية متينة تجعل لها النمو
وإمتلاك المزايا التنافسية وسط سوق محلي يتسم بالانفتاح ومرشح للمزيد من
الانفتاح.
ثانياً- إن
هذا الإقبال على الاكتتاب بالأسهم لهو دليل على القوة الشرائية في
مجتمعنا وعلى حجم الوفورات والمدخرات المحققة والتي تعكس حال الاستقرار
الاقتصادي الذي نعم به ونجاح السياسات الاقتصادية المعتمدة منذ قيام
اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تمكنت مؤسساتنا من النجاح
والتقدم بمعزل عن أية حمايات بل بنتيجة المنافسة في السعر والنوع وفي
مناخ سليم.
ثالثاً-
كما يعني الاقبال على الاسهم وبدرجة أولى، دليل ثقة بالاقتصاد المحلي
واقعاً وآفاقاً مناخاً وفرصاً بما يشجع المواطن على توظيف مدخراته
وتوظيفها في مشاريع محلية.
رابعاً
أخيراً... وليس آخراً إن استجابة المدخرين لمبادرات قيام شركات عامة
يعكس ميلا نحو التخفيف من المخاطر عن طريق تنويع الاستثمار في مجالات
متنوعة والابتعاد عن ظاهرة التمركز الاستثماري الذي ينطوي على مخاطر أعلى
بسبب تأثيرات عوامل السوق التي غالباً ما تحصل لصالح هذا القطاع أو ذلك .
من هنا، واجب احتضان هذا التوجه وتشجيعه بعد توفير الشروط الضرورية
للحيلولة دون وقوع الشطط والانحراف ولقطع الطريق أمام أية نزوات يخشى إذا
ما حصلت أن تطيح بالمكاسب المحققة وتخلف ردود فعل سلبية تعيدنا إلى
الوراء.
قيام
البورصة
وإزاء
مبادرات إقامة شركات مساهمة من جهة، والإقبال على الاكتتاب من جهة أخرى
لا نجد إلاقيام بورصة الاوراق المالية سبيلاً وحيداً لاحتضان هذه الظاهرة
والحيلولة دون الصدمات التي قد تحصل نتيجة تسلل بعض المغامرين أو
المقامرين بأموال ومصائر الناس.
فالبورصة
وبما تحتويه من أجهزة متخصصة في الإدارة والتصنيف والرقابة هي الضمان
الوحيد لتوفير الشفافية وتأمين الإفصاح عن أوضاع الشركات المدرجة في
البورصة من خلال التقارير الفصلية التي يفترض صدورها عن الشركات العامة
بصورة منتظمة.
فالاستثمار
في الاسهم يخلق بطبيعة الحال قاعدة واسعة من المساهمين بحيث يغدو كأنه
ائتمان على الأموال العامة التي ينبغي عدم التفريط بها ولذا فإن
الاستثمار في الأسهم يجب أن يستند إلى أهداف مثبتة في الأنظمة الداخلية
للشركات وأن يستند أيضاً إلى الثقة بالإدارة التي تتولى تسيير أعمال هذه
المؤسسات وفقاً لأصول ومعايير خاضعة لأجهزة رقابية متطورة.
لقد كثر
الحديث عن إنشاء بورصة الأسهم والأوراق المالية في الدولة. وفي اعتقادنا
أن حجم الشركات القائمة في غير قطاع، والتي يتم تداول أسهمها في سوق غير
رسمية، بات يستأهل الإقدام على هذه الخطوة ولا نعتقد أن ثمة مبررات لهذا
التأخير، فالبورصات تتزايد في البلدان العربية وبدأت تنفتح على بعضها
البعض وتسجل زيادة سنوية ملموسة في الأحجام الترسملية لها نتيجة تزايد
عدد الأسهم المدرجة وارتفاع الطلب على الشراء من جانب المدخرين.
فتح
الرساميل
من جهة
أخرى، إن إنشاء بورصة الأسهم والأوراق المالية من شأنه أن يشجع الشركات
والمؤسسات القائمة والكثير منها ناجح وقوي على فتح رساميلها إلى الجمهور
ولو تدريجياً ونحن نعتقد أن هذا التوجه يخدم عرضين:-
أولاً:- أن
الشركات الناجحة ينبغي أن تكون لها أولوية في تأسيس الشركات العامة
والمساهمة نظراً لخبرتها ونظراً للشوط الذي قطعته في مجالات الاستثمار
والادارة والتسويق. وهذه الشركات وإن كانت " عائلية الطابع" إلا أنها
باتت على استعداد للأنتقال إلى الشركات العامة تدريجياً وذلك حرصاً على
الانتقال التدريجي كما سبقت الاشارة وسعياً إلى تطوير الوعي العام وخلق
ذهنية جديدة لدى المدخرين.
ثانياً:-
إن إنشاء البورصة لا بد أن يستتبع معه قيام المؤسسات المالية وبنوك
الاستثمار المتخصصة والتي تلعب دوراً أساسياً كصلة وصل بين المستثمرين من
جهة والمدخرين من جهة أخرى، فضلاً
دورها في إجراء الدرسات التقييمية الموضوعية واعمالاد المعايير المتعارف
عليها دولياً وهذه الخدمات تعرف بالخدمات المالية المصرفية.
إدارة
جذب
وخلاصة
القول، أن اقتصاد دولة الامارات العربية المتحدة قد حقق على مدة العقود
الثلاثة الماضية تطوراكبيرا بل قياسياً على صعيدي الكم والنوع، وخاضت
المؤسسات القائمة تجارب ناجحة في ظل سياسة اقتصادية حكيمة وفرت مناخ
الحرية الاقتصادية من جهة وأمنت بنية تحتية تكاد تكون الاكثير تطورا في
العالم.
ونتيجة
لذلك، تحولت دولة الإمارات عموما ودبي خصوصا بلداً جاذباً للاستثمارات
العربية والأجنبية في ظل مناخ استوفى كل الشروط الأساسية التي ينشدها
المستثمر.
من هنا فإن
قيام البورصة من شأنه أن يكون أداة جذب إضافية للاستثمارات من حيث توفير
فرص جديدة للأموال الباحثة عن فرص الاستثمار في مشاريع قائمة أو جديدة.
خلف أحمد الحبتور
|