|
كانت أول مرة شاهدت فيها دبي عام 1975. بعد جولة على
شاطئ الخور الرملي يومها توقفت لأخذ فنجان قهوة في فندق
إنتر كونتيننتال المفتتح حديثاً وكان وقتها أول فندق فاخر
يفتتح في الإمارة. اليوم يوجد أكثر من 300 فندق في دبي.
وحين ذكرت دبي لأصدقائي بعد أن عدت لبريطانيا، كان واحد
منهم فقط قد سبق له أن سمع باسم دبي. أما اليوم وبعد 32
عاماً فقط على تلك الزيارة يكاد يكون كل إنسان على ظهر
البسيطة إما يتحدث عن دبي أو يكتب عنها أو يرحل ليزور
شواطئها. معظم هؤلاء يأتون للتمتع بزيارتها وبعضهم يأملون
بالاستفادة من معجزتها الاقتصادية فيما قلة منهم لا يخفون
نبرة الحسد في حديثهم عنها. فما الذي يقولونه يا ترى.
يبدو الأمر وكأن قواميس اللغة ما
عادت تسعف الكتاب بمزيد من الكلمات الوافية لوصف هذه
الظاهرة التي تمثلها دبي وتجدهم مجبرين على ابتكار مصطلحات
جديدة لإيصال مشاهداتهم عنها لأوطانهم.
يقول غراهام نوروود في صحيفة ديلي تيليغراف: "لا يمكن
لإنسان البقاء غير مكترث إزاء دبي" التي يسميها "مانهاتن
التي تتحرك بالسرعة القصوى".
أما مايكل كانيلوس من سي إن إي تي نيوز فيقول عن دبي إنها
"سنغافورة بالهرمونات."
وعنها يقول الكاتب مايك ديفيس: "أهلاً بكم في الفردوس. لكن
أين نحن؟ هل هي رواية خيال علمي جديدة لمارغريت أتوود أم
أنها نسخة جديدة من فيلم ’بلايد رانر‘ أم هي يا ترى ما
يمكن لدونالد ترومب وهو يعدو على صفيح ساخن؟"
غير أن دبي في الحقيقة هي بالطبع مخلوق عربي هجين، مزيج من
أفضل المكونات في العالم اختلطت بالثقافة التقليدية
المحلية. وليس بمقدور خيال أتوود أو ترومب أن يأتي بشيء
مثل دبي ولا في أقصى شطحات خيالهما.
ويصف بوب غوغيل، الرئيس التنفيذي لإحدى مؤسسات الخدمات
المالية، دبي ببلاغة مقتضبة قائلاً:
"دبي جوهرة غير مصقولة لكنها تصقل نفسها بسرعة كبيرة. يمكن
أن تصفها بأنها ألبوم شخصي- أفضل الأغاني التي تحبها من
لندن وسيدني وميامي ولاس فيغاس."
غير أن غوغيل نسي مكوناً مهماً ألا وهو إسهام حكام دبي
ومواطنيها والمقيمين فيها الذين حلموا بهذا الحلم وعملوا
بجد لتحقيق هذا القدر من الإنجازات في هذا الوقت القصير.
في صحيفة تايمز البريطانية المحافظة يقول الكاتب تيم هايمز:
"دبي مكان يعتبر الحجم الشيء الأكثر أهمية من أي شيء آخر"
ويشير في سياق ذلك لأشياء تشابه "ديزني في الصحراء، ولكن
على شاطئ البحر."
ويضيف: "لدى دبي بالفعل أكبر مطار في العالم. وأعلى مبنى
في العالم يكاد يصبح جاهزاً كما أن أكبر مركز تسوق في
العالم قيد الإنشاء حالياً. ولدي دبي الفندق الوحيد في
العالم فئة سبع نجوم" كما تعمل في دبي "ربع الرافعات
البرجية الموجودة في العالم أجمع."
مدينة الازدهار
في مقالة بعنوان "مدينة الازدهار" في صحيفة غارديان يقول
الكاتب آدم نكلسون: "إن هذه ’المدينة المشرومية‘ هي
المدينة الأسرع نمواً في العالم أجمع" ويتساءل عما إذا
كانت ستصبح "المكان الأكثر أهمية على الأرض؟"
ويقدر نكلسون أن هناك "مشاريع بقيمة 100 مليار دولار
أمريكي يخطط لإنجازها في المستقبل القريب" وهو ما يعادل
حسب قوله "كل الدولارات التي دخلت للاستثمار للولايات
المتحدة من الخارج العام الماضي وضعف الاستثمارات الخارجية
في الصين."
ويسأل نكلسون تاجر قماش من دبي عن الذي يجعل دبي قادرة على
إنجاز "هذا الصعود الذي يتحدى العالم؟" فما كان من الرجل
إلا أن رد بنكتة قديمة يعرفها أهالي دبي ترمز إلى كون
التجارة تسري في عروقهم.
يقول التاجر: "سأل رجل ابنه الصغير: كم يساوي اثنان زائد
اثنان؟ فرد الصبي بسؤال: حين أشتري أم حين أبيع؟"
ويختتم مقالته بهذه الأسئلة: "هل تكون دبي فعلاً محفز
التجارة والنظام المالي العالميين في المستقبل؟ هل هي
الجنين الذي سيجسد مستقبلاً ما جسدته لندن في القرن التاسع
عشر ومنهاتن في القرن العشرين؟ وهل يتجاوز دورها المركز
العصري للوطن العربي لتكون المركز العربي للعالم الحديث؟"
يبدو الصحفيون الأجانب مأخوذين دوماً بالمشهد المعماري
الطموح في الإمارة.
يقول أليكس فرانغوس في صحيفة وول ستريت جورنال: "تضفي دبي
شكلاً جديداً على ناطحات السحاب."
ويقول: "في دبي المهووسة بناطحات السحاب، الارتفاع وحده لا
يكفي" ويتابع واصفاً المبنى المزمع بناؤه بارتفاع 68
طابقاً "ليكون مزيجاً من فندق وشقق سكنية ومكاتب حيث سيدور
كل طابق 360 درجة كاملة" وبشكل مستقل عن الطابق الأخرى
ليعطي المبنى شكلاً معمارياً متغيراً باستمرار.
ويصف كل طابق في البرج بأنه "مثل كعكة الدونات" التي ستدور
ولكن ليس بالسرعة التي "تصيب قاطنيه بالدوار."
"ملهاة المعماريين"
يقول فرانغوس: "أصبحت دبي ملهاة المعماريين حيث توفر
الأموال الوفيرة لدى المطورين العقاريين الفرصة لظهور أكثر
مشاريع المباني غرابة في العالم قاطبة."
وينقل عن يوجين كون من شركة كون بيدرسين فوكس المعمارية في
نيويورك قوله: "بعض هذه المشاريع تصل في غرابتها حدود
العبث." لعله الحسد التي تثيره الخصومة التجارية بين
الشركات!
أما مايك ديفيس فيتحدث بنبرة منتقدة قائلاً: "دبي هي موقع
البناء الأكبر في العالم بعد شنغهاي، حلم عالمي ناشئ
للاستهلاك الطاغي الذي يسميه أهلها ’أسلوب الحياة
الفائق‘." وكأن الاستمتاع بأسلوب حياة فائق هو شيء أقل
شأناً منه.
ويتحدث سيث شيروود عن الروح المبادرة التي يتحلى بها صاحب
السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في صحيفة نيويورك تايمز.
ويبدأ مقالته بكلمات لحاكم دبي يقول فيها: "المال مثل
الماء. إذا حبسته يصبح راكداً وآسناً لكن إن تركته ينساب
فسيبقى عذباً."
ويشير إلى أن "الشيخ محمد صادق في تبني روح إبداعية جموحة
في دبي" وينقل عن جاك كلود بومغارتن، رئيس المجلس العالمي
للسياحة والسفر في لندن، قوله:
"حين أنظر حولي في هذا العالم لا أجد مكاناً يتمتع بهذا
القدر من التأثير على الدول المجاورة له. قطر والبحرين
وعمان تسعى كلها لبناء نموذج يشبه ما بنته دبي."
ويرسم أفشين مولافي لقراء مجلة نيوزويك صورة عن صاحب السمو
الشيخ محمد في مقالة بعنوان "الشيخ الرئيس التنفيذي" يصف
فيها حاكم دبي بأنه "أمير عصري بكل ما تعنيه الكلمة."
ويقول: "من مكاتبه في الطابق 44 في ناطحة سحاب فولاذية
وزجاجية رفيعة، يرد سموه على سيل لا ينقطع من المكالمات
على هاتفه المحمول ويرسل سيلاً من الرسائل النصية بأصابعه
السريعة." وينقل عن سموه قوله بابتسامة خفيفة "عفواً.
الوقت مزدحم بالمشاغل."
ويقال إن الشيخ محمد قال للسفير البريطاني ذات مرة "في أي
وقت يريد طوني بلير أو غوردون براون رؤيتي، يسعدني أن
أستقبلهما، لكن أرجوا ألا تأتي لي بسيل من الوزراء. ليس
لدي الوقت الكافي. لكن يمكنك أن تأتي بأي رئيس تنفيذي
بريطاني. لدي الوقت لأراهم."
"السرعة القصوى"
يقول مولافي إن الشيخ محمد تدرب في كلية حربيةعلى
قيادة الطائرات المقاتلة وله مقولة مشهورة يصف فيها خططه:
"أنا لا أعرف سوى سرعة واحدة. إنها السرعة القصوى." ويشير
إلى النمو الاقتصادي الضخم الذي تحققه دبي بمعدل 11 في
المئة وهو ما سيضاعف ناتجها المحلي الإجمالي ثلاثة أضعاف
بحلول 2015 والخطط الموضوعة لطيران الإمارات لتكون أكبر
شركة خطوط جوية في العالم.
وينقل مولافي قول الشيخ محمد له "ماتراه الآن لا يمثل سوى
10 في المئة فقط من رؤيتي."
وجاء في مقالة نيوزويك: "تتمتع دبي بإدارة جيدة ونزيهة
وتتقدم على اليابان وبريطانيا بل وحتى ألمانيا في كفاءة
الحكومة والتنافسية الاقتصادية."
كما تنقل عن رجل أعمال أردني قوله: "قصة دبي هي قصة للحكم
الرشيد. الحكم الرشيد لا يتطلب ديمقراطية أو انتخابات حرة.
ما يتطلبه هو قائد جيد يتحلى بالرؤية ويؤمن بالمحاسبة، وقد
وجدت دبي هذا القائد في شخص الشيخ محمد."
وتبدأ هيستر لايسي مقالة لها في صحيفة إندبندنت عن الصيد
بالصقور بالاعتراف أنها ذهبت إلى دبي وفي نفسها نزعة لئلا
تحب المكان.
وتقول: "كنت أتخيل صحراء لا روح فيها، وهنا لا أقصد
البساطة والكثبان الرملية، بل أقصد مراكز التسوق الفجة
التي لا تنتهي والمكتظة بسخافات مصممي الموضة... والتزلج
على الثلج في دبي، تلك القبة الثلجية التي تهطل ثلجاً
صناعياً في قلب حرارة الشرق الأوسط. يا له من جنون؟" غير
أنها تنهي مقالتها بالتمني لو تستطيع البقاء لفترة أطول في
دبي لتجربة كل تلك الأشياء التي يمكنها القيام بها هناك.
وتقول إميلي فلين فينكات في مجلة نيوزويك: "تألق دبي يتحول
لظاهرة عالمية. في البدء بنت دبي جزراً صناعية على شكل
خريطة العالم وهي من الضخامة بحيث تمكن رؤيتها من الفضاء.
واليوم تعيد دبي رسم العالم الواقعي بالصورة التي تتصورها
هي."
"رواد العقارات"
تعدد فينكات قائمة من المشاريع العملاقة في المغرب وسوريا
وباكستان والأردن ومصر ولبنان وتركيا وليبيا "ومجموعة أخرى
من الدول النامية الأخرى في العالم" التي ينفذها "رواد
العقارات" من دبي. وتقول إن خبراء العقارات أصبحوا يطلقون
على هذه المشاريع "إمارات دبي الجديدة."
ودبي لا تبني مشاريع عقارية حول العالم وحسب بل إنها تشتري
العقارات أيضاً كما يقول ريتشارد ولنر في صحيفة نيويورك
بوست.
ويقول: "دبي تقتنص أفضل الممتلكات حول العالم بما في ذلك
ساحة الطرف الأغر ومنتجع الأطلسي وسفينة الملكة إليزابيث
الثانية أوشين في لندن."
ويضيف: "هنا في الولايات المتحدة، نجحت شركات دبي
الاستثمارية في اقتناص شركة بارني في نيويورك ومبنى هلمسلي
وساحة دبليو هوتيل يونيون و... حصة كبيرة في إم جي إم
ميراج."
"تنمية الكرامة العربية"
يقول توماس فريدمان الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز إن "دبي
هي النموذج الذي يتعين علينا أن نريده للوطن العربي لكي
يتبعه."
وفي مقالة مشحونة سياسياً يكتب قائلاً: "دبي تبني مستقبلاً
يقوم على الرزق وليس السلاح، على الملكية الخاصة وليس
الغطرسة، على الخدمات أكثر من النفط، على الشركات المنافسة
عالمياً وليس شبكات الإرهاب. دبي تجسد تنمية الكرامة
العربية عبر النجاح وليس الانتحار. والنتيجة هي أن أهلها
يريدون مد اليد للمستقبل وليس تفجيره."
لأول مرة اتفق مع فريدمان. لقد قطعت دبي شوطاً كبيراً جداً
منذ تلك الأيام التي كانت فيها الجمال والماعز والدجاج
تتجول في شارع جميرا ويوم كان أي ازدحام مروري يعني أن
هناك حادث اصطدام أمامك ويوم كان المركز التجاري العالمي
هو المبنى الأعلى في المدينة وبرج الساعة أشهر معلم فيها.
يقول المثل إن الماضي ما هو إلا بلد آخر وإن كان الحال
كذلك بالفعل فإن دبي تتحول إلى بلد آخر في كل عقد من
الزمان أو نحوه. والكتاب الأجانب سيواصلون كيل المديح أو
الانتقاد لدبي، غير أننا نحن الذين شاهدناها بحب مع السنين
وهي تنمو وتزدهر لا يمكننا سوى أن نشعر بعاطفة واحدة
تجاهها ألا وهي الفخر.
|