|
هل يغير قادة
أوروبا الجدد
الأوضاع
في الشرق الأوسط؟
بقلم: ليندا هيرد
كان إعلان طوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا والشريك في
المسؤولية عن مغامرة العراق الفاشلة، عن نيته الاستقالة
رسمياً من منصبه في 27 يونيو حين تعطيه الملكة مباركتها
الرسمية لتنحيه خبراً طيباً للكثيرين في المنطقة. وبعد هذا
القرار أعلن خليفته غوردون براون عزمه على جعل كسب العقول
والقلوب أساساً لسياسته في الشرق الأوسط وتعهد بإعطاء
الشعب البريطاني دوراً أكبر في صناعة القرار.
غير أن الأخبار ليست كلها طيبة، فالرئيس الفرنسي جاك شيراك
الذي طالما كان صديقاً للمنطقة تنحى عن الرئاسة هو أيضاً
ليخلفه في منصبه بوزير داخليته السابق نيكولا ساركوزي
المناصر بقوة لسياسات إدارة بوش الخارجية والذي وصفه
المراقبون بأنه "محافظ جديد أمريكي بجواز سفر فرنسي" والذي
يلقبه العامة بأنه "ساركو الأمريكي."
وفيما ننتظر من براون أن يرسم الخارطة العلنية لاستراتيجية
بلاده في الشرق الأوسط التي ما تزال غير واضحة بعد لكون
مواقفه بخصوص هذا الموضوع ليس واضحاً بعد على الرغم من
مكانته المهمة كوزير للخزانة في عهد بلير، فإن موقف
ساركوزي معروف وموثق جيداً.
في لقاء صحفي لساركوزي مع تيبود كولن وفيليب فاردان في
2004، أبدى تعاطفه بقوة مع حب الشعب اليهودي لدولة إسرائيل.
وقال حينها: "لا داعي لأن أؤكد على الارتباط العضوي لكل
يهودي بإسرائيل باعتبارها وطناً ثانياً له. ليس هناك ما
يضير في هذا الأمر. إن في داخل كل يهودي خوفاً يتوارثه
جيلاً بعد جيل، وهم يعرفون أنهم إن فقدوا الإحساس بالأمان
في يوم من الأيام في البلاد التي يعيشون فيها فإن هناك على
الدوام مكاناً مستعداً لأن يستقبلهم. وهذا المكان هو
إسرائيل."
هذا القدرة على التعاطف مع اليهود التي لساركوزي ربما يزيد
من قوتها حقيقة نسبه اليهودي. فجده لأمه، آرون ملاح، الذي
كان ساركوزي شديد التعلق به في طفولته كان يهودياً يونانياً
من سالونيكا ومنها هاجر إلى فرنسا عام 1917. أما باقي
أفراد العائلة فكانوا ناشطين بارزين في الحركة الصهيونية.
أما زوجته سيسليا الإسبانية فهي ذات أصول يهودية.
لنكون منصفين، لا يجوز أن نحكم على زعيم بناء على صورة
نمطية أو نتخذ منه موقفاً مسبقاً نتيجة لانتماءات أسلافه
أو زوجته، وهو ما قد لا يكون له أي أثر على مواقفه الشخصية
أو سياساته. ولهذا دعونا نلقي نظرة عمق على سجل ساركوزي
لنفهم هذا الرجل.
أولاً، يقال إن ساركوزي صديق مقرب جداً من بنيامين نتنياهو،
السياسي الإسرائيلي اليميني ورئيس الوزراء السابق الذي
يريد خلافة إيهود أولمرت بعد الفضيحة التي تسببت له بها
حرب إسرائيل الأخيرة في لبنان.
ثانياً، شأن معظم الساسة الأمريكيين الراغبين في خلافة
الرؤساء، فقد قدم ساركوزي فروض الطاعة للإيباك، اللوبي
الأمريكي الموالي لإسرائيل، وزار القدس واعتبر أن زيارته
لنصب فاد فاشيم للمحرقة اليهودية مثلت نقطة انعطاف في
حياته. أما وعوده بزيارة الضفة الغربية وقطاع غزة فلم
تتحقق حتى الآن.
وهكذا من غير المحتمل أن يسمى أحد شوارع رام الله باسمه
مثلما حصل مع جاك شيراك.
نهاية مايو الماضي أعلن ساركوزي عن تشكيلة حكومته الجديدة
والتي تضمنت السياسي الاشتراكي بيرنار كوشنير المناصر بقوة
للولايات المتحدة وغزو العراق ليكون وزيراً للخارجية. كما
عين وزيرة الدفاع السابقة ميشيل أليو ماري العازمة على
استعادة العلاقات القوية مع الولايات المتحدة في منصب
وزيرة الداخلية. كما عين ساركوزي صديقه بريس هورتفيو وزيراً
للهجرة والهوية الوطنية.
وكان هورتفيو عقب أحداث الشغب في 2005 قد ألقى باللائمة
عنها على عدم قدرة المهاجرين من دول المغرب العربي على
الانسجام مع المجتمع الفرنسي. وقال حينها إن "السياسة
الحضرية الفرنسية منذ 20 عاماً وهي تعمل على رتق الشقوق
غير أنها لم تتمكن حتى الآن من حل المشكلات الجوهرية التي
تخص استيعاب المهاجرين من شمال إفريقيا وأبنائهم في
المجتمع الفرنسي" كما تعهد "بإيجاد طريقة للخروج من هذه
الحالة بالتصميم والعزم."
إن وزارة الهجرة والهوية الوطنية، وهي وزارة جديدة من بنات
أفكار ساركوزي، مثيرة للجدل بحد ذاتها. وقد عبرت سيمون فيل،
الناجية من الهولوكوست الفرنسية والرئيسة السابقة للبرلمان
الأوروبي عن تفضيلها لتأسيس وزارة للهجرة والاستيعاب بدلاً
منها.
ساركوزي، القومي، معروف بعدائه للهجرة على الرغم من أنه
كان قد خفف من غلواء مواقفه خلال حملته الانتخابية حيث عبر
عن استعداده لإفساح المجال أمام بعض الهجرة لتوفير
المهارات التي تحتاجها فرنسا.
هذا ما يجعل مجتمع المهاجرين من شمال إفريقيا ينظرون
بالريبة إلى ساركوزي الذي وصف الشبان من الفقراء اللذين
تظاهروا في الشوارع ضد وحشية قوات الشرطة بأنهم "زبالة"
يجب "غسلها من الشوارع بخراطيم المياه" والذي قال مؤخراً
إن "فرنسا لن تتخلى عن النساء المجبرات على ارتداء البرقع"
وهو ما فسر عموماً على أنه تعبير عن معارضته القوية
للأصولية الإسلامية.
على قمة أولويات السياسة الخارجية لساركوزي تأتي قضية
تعزيز العلاقات بين باريس وواشنطن التي اعتراها التوتر
نتيجة غزو العراق. وقال في خطابه لأنصاره بعد فوزه
بالانتخابات: "أريد أن اتصل بأصدقائنا الأمريكيين لأقول
لهم إن بمقدورهم الاعتماد على صداقتنا."
ولم ينتظر ساركوزي طويلاً قبل أن تأتيه مكالمات التهنئة من
بوش وبلير، فيما قال السيناتور الديمقراطي تشارلز سكامر
لسي إن إن: "أتمنى أن يكون لفرنسا رئيس لا يتصف بمواقف
مسبقة ضد الولايات المتحدة." أما زعماء دول أوروبية أخرى
مثل إسبانيا وإيطاليا فكانوا أقل حماساً.
وكان ساركوزي قد عبر عن تضامنه مع الرئيس جورج بوش بخصوص
العراق خلال زيارته للرئيس الأمريكي في سبتمبر الماضي.
وهناك في واشنطن انتقد ساركوزي بشدة مواقف بعض وزراء
حكومته لمواقفهم المعارضة للحرب وقال لمضيفيه: "إنه ليحق
لكم أن تشعروا بالقرف منا على هذه المواقف."
واعتبر موقف شيراك الرافض لإشراك فرنسا في هذه الحرب بأنه
"خطأ تاريخي" وتوقع أن يؤدي انسحاب القوات الأمريكية من
العراق "لفوضى عارمة."
غير أنه تعهد مؤخراً بأنه لن يكون ألعوبة بيد أمريكا
وانتقد إدارة بوش لعدم فعلها ما يكفي من أجل مواجهة
الاحتباس الحراري للأرض.
أما موقف ساركوزي إزاء إيران فما يزال أقل وضوحاً. لكن
يعتقد عموماً بأنه سيعارض حرباً ضد إيران من أجل إنهاء
تخصيبها لليورانيوم غير أنه ربما يفضل مزيداً من العقوبات
الدولية عليها بل وربما يفرض عقوبات اقتصادية فرنسية ضد
إيران إلى جانب تلك التي يقرها مجلس الأمن الدولي.
وأصر ساركوزي خلال مقابلة تلفزيونية مع باتريك دارفو على
محطة تي إف 1 بأن إيران هي "المشكلة الأكثر أهمية على
الصعيد الدولي" وأن "دعوات الرئيس محمود أحمدي نجاد لتدمير
إسرائيل هي التهديد الأكثر خطراً على السلام العالمي."
في تقديم التهنئة على النصر الانتخابي قال بنيامين نتنياهو
لصديقه ساركوزي إن عليه باعتباره زعيماً دولياً أن يجعل
إيران أهم أولوياته. وتبعاً لما ذكرته شبكة نيتنيوز دوت
كوم رد ساركوزي بالقول إنه سيثبت صداقته لإسرائيل عملياً.
على الصعيد اللبناني، من المتوقع لساركوزي أن يبتعد عن
سياسة سلفه الذي كان يعتبر صديقاً مهماً للبنان. فخلال حرب
الصيف الماضي رفض ساركوزي أن يضم صوته إلى الأصوات
الأوروبية الأخرى الداعية إلى وقف إطلاق النار فيما أكد
على حق إسرائيل في أن تدافع عن نفسها ضد حزب الله الذي
وصفه بالطرف المعتدي في تلك الحرب.
بالنسبة لسوريا، يعتقد أن ساركوزي سيبدي توازناً أكبر
وربما يشجع إسرائيل على الشروع في محادثات سلام مع دمشق.
وقد قاتلت صحيفة الثورة السورية أن المتوقع من ساركوزي هو
"أن يعيد النظر في العلاقات بين فرنسا وسوريا التي تعرضت
للتوتر على مدى السنتين الماضيتين نتيجة المواقف المنحازة
لسلفه المنتهية ولايته."
|
|
وأضافت: "نتطلع لعلاقات تقوم على الموضوعية وليس على ذلك
النوع من العداوة الشخصية التي ميزت عهد شيراك."
وتبقى تركيا هي المنزعجة أكثر من غيرها من فوز ساركوزي
الذي طويلاً ما عارض انضمامها للاتحاد الأوروبي بدعوى أنها
"دولة آسيوية" لا تمثل القيم الأوروبية.
وعن ذلك قال: "لا أريد أن أرى مشكلات الأكراد وحزب الله
وفلسطين وقد أصبحت مشكلات أوروبية. لا أريد أن أرى أوروبا
وقد أصبحت جارة لإيران أو العراق."
وقد ذكرت صحيفة توركيش ديلي نيوز التركية في مقالة لها يوم
11 مايو بعنوان "أقرب مساعدي ساركوزي يعد بطريق وعرة أمام
تركيا" أن ألان لاماسور العضو في البرلمان الأوروبي وأحد
المقربين جداً من ساركوزي قد قال بأن ساركوزي سينفذ "تعهده
الذي أطلقه قبل الانتخابات وهو قطع مفاوضات العضوية في
الاتحاد الأوروبي الجارية مع تركيا."
وبدلاً من عضوية الاتحاد الأوروبي وعد رئيس فرنسا الجديد
بتشكيل اتحاد اقتصادي متوسطي يضم تركيا ويجمع إسرائيل
وجاراتها العربيات في منظمة واحدة لأول مرة. وتنظر تركيا
إلى هذه الفكرة بأنها مناورة لاستبعادها نهائياً من أوروبا
واعتبار هذه العضوية كأحسن جائزة ترضية ممكنة لها.
وقد قال مستشار رئيس الوزراء التركي لشؤون السياسية
الخارجية لصحيفة إنترناشنال هيرالد تريبيون: "هذه لا يمكن
أن تكون بديلاً لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي."
وعلى صعيد آخر ذكر غاي مكي، وهو مستشار فرنسي لشؤون منطقة
الخليج لصحيفة غلف نيوز إن "سياسة فرنسا الشرق أوسطية من
غير المحتمل أن تتغير."
أما آراء براون بخصوص المنطقة فهذه هي التي يصعب سبر غورها
وهو الذي حافظ على صمت مطبق حتى الآن بخصوص أكثر قضاياها
إثارة للجدل. لكن ربما كان بالإمكان استنتاج بعض معالم
سياسته بناء على ما يتوفر من معلومات حولها.
على صعيد مقاومة الإرهاب، تحدث غوردون براون عن ضرورة
الصراع على كسب العقول والقلوب وقال إن على الغرب أن يشن
حرباً عقائدية على التشدد مثل تلك الحرب التي أدت إلى
انتهاء الحرب الباردة.
وقال بأنه له علاقة قوية مع أمريكا، "تلك الدولة التي تمثل
الحرية والفرص." وغالباً ما يمضي براون إجازاته في نيو
إنغلاند الأمريكية وله صلات وثيقة مع الديمقراطيين في
الولايات المتحدة.
لكن فيما ينتظر من براون أن يثابر على خطى بلير ويحافظ على
علاقات قوية مع الولايات المتحدة فإن من المحتمل أيضاً أن
يكون أقل انصياعاً لإملاءات واشنطن. كما أنه أقل ميلاً على
ما يبدو ليتبع سياسات نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط على
النحو الذي تتبعه الولايات المتحدة. وهناك أقاويل عن أن
بوش متخوف من هذا الأمر.
وأبدى براون اختلافاً جوهرياً عن بلير بخصوص إيران. فهو
يؤمن بضرورة التواصل مع إيران فيما يتعلق بالعراق وغيره من
القضايا من أجل تجنب مواجهات كارثية كما يفضل اعتماد سبيل
الترغيب على الترهيب.
على المستوى الشخصي يختلف ساركوزي عن براون كثيراً. فالأول
احتفل بفوزه الانتخابي بأخذ إجازة لثلاثة أيام على يخت
فاخر يملكه أحد أصدقائه من المليونيرات، وهي إجازة وصفها
البعض بأنها "معتزل".
أما براون فقد اختار مترو الأنفاق ليذهب إلى المكان الذي
اختاره ليتحدث عن طموحاته لرئاسة الوزراء ومن غير المتوقع
له يستخدم القصر الريفي الفاخر المخصص لرئيس الوزراء إلا
لاستقبال كبار الضيوف الأجانب.
ساركوزي ينظر إليه على أنه مغرور ودكتاتوري. أما براون
فيعد بترأس حكومة "متواضعة" تجمع بين الرأفة والشدة. وقال:
"أعد بأن استمع وأن أتعلم وأن أبذل كل جهد لتلبية طموحات
الناس. أريد أن أتزعم حكومة تتصف بما يكفي من التواضع
لتعرف مكانها." وحين يتعلق الأمر بقرارات إقحام البلاد في
حرب، يلتزم براون بإعطاء دور أكبر في القرار للبرلمان.
ساركوزي ضمن الرئاسة وانتقل بالفعل إلى قصر الإليزيه أما
براون فما يزال عليه أن ينتظر حتى 27 يونيو ليحقق حلمه.
ربما يكون براون قد نجح في التغلب على كل منافسيه ونال
موافقة بلير الباردة، غير أنه ما يزال مطالباً بأن يقنع
الشعب البريطاني. ذلك أن الشارع البريطاني أظهر مؤخراً
شعوره بخيبة الأمل من حزب العمال الجديد خلال الانتخابات
المحلية الأخيرة حين لم يتمكن الحزب من كسب سوى 34 مقعداً
بلدياً في مقابل 165 مقعداً فاز بها المحافظون. وقد لا
تطول إقامة براون في مقر رئاسة الوزراء باعتبار أن
الانتخابات العامة أصبحت قريبة في 2009 أو 2010.
وما لم يتمكن هذا الرجل الجدي الذي تربى في كنف أبيه راعي
إحدى الكنائس الاسكتلندية من تخليص نفسه من مشاركته
الشخصية في الكذب الذي كذبته حكومة بلير والخضوع التام
لرغبات العم سام، وذلك بالتوقف عن السياسات المثيرة للجدل
وإخراج القوات البريطانية من العراق فسيواجه مهمة صعبة.
فهل يستطيع صاحب أطول عهد كوزير للمالية في بريطانيا أن
يكون رئيس وزراء ناجح بالقدر نفسه؟ هل يستطيع أن يجذب
الناخبين إلى جانبه ويقنعهم بصدقه؟
هذا ما سنعرفه في الشهور المقبلة.
من غير المحتمل أن يجد العرب في ساركوزي حليفاً حقيقياً
غير أن هناك فرصة لأن يكون براون هو ذلك الصديق الذي
يحتاجه العرب كثيراً.
أما ساركوزي، صبي أمريكا المدلل، فغليه ألا ينسى أن
الانتخابات الرئاسية الأمريكية أصبحت قريبة، في نوفمبر
2008، وأنه إن لم يتمكن من تخليص نفسه من وصمة كونه محافظاً
جديداً فستجد فرنسا نفسها تعيش علاقات باردة مع أمريكا مرة
أخرى.
|