صاحبة السمو
 الشيخة فاطمة بنت مبارك
أم الإمارات
 ونصيرة قضايا المرأة

بقلم: سانغيثا سواروب

قالت الشيخة فاطمة بنت مبارك في لقاء لها مع صحيفة غلف نيوز عشية الاحتفالات بالذكرى السنوية الحادية والثلاثين للعيد الوطني في الإمارات العربية المتحدة في تعليقه على تقدم المرأة الإماراتية نحو الإمساك بناصية القرن الواحد والعشرين مع الاحتفاظ في الوقت عينه بكل ما هو مهم من تقاليد وقيم: "أرى نفسي امرأة تقف وراء رجل عظيم ودوري ينحصر في أن كون زوجة وأماً لأنجال قائد عظيم."



هذه الكلمات التي قالتها سيدة تصدت منفردة لمهمة قيادة المرأة في الإمارات إلى مراتب جديدة من التقدم إنما هي كلمات في غاية الأهمية لكونها تلقي الضوء على الجوهر المكنون في كل قلب امرأة عربية ظلت على الرغم من كل نجاحاتها وإنجازاتها تعتبر التقاليد والقيم شيئاً بالغ الرسوخ في نفسها حيث الأمومة تأتي دوماً في المرتبة الأولى. وهذا ما تعيد الشيخة فاطمة تأكيده حين تضيف: "أحرص في كل يوم على أن أرى أحفادي وأن أتابع أمور أبنائي لأن الأمومة هي القيمة الأسمى بالنسبة لي."

الشيخة فاطمة التي تعتبر بطلة وطنية بين الأوساط النسوية في الإمارات ونصيرة حقوق المرأة على الصعيد الدولي لعبت دوراً بارزاً في دعم وتعزيز حركة حقوق المرأة في الوطن العربي. وكانت الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي، وهي من مواليد مدينة حاير العين والابنة الوحيدة لوالديها، قد تزوجت من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، الرئيس السابق للإمارات، في الستينيات من القرن الماضي حينما كان حاكماً للمنطقة الغربية.

منذ انطلاقة دولة الاتحاد والشروع في أولى الجهود التنموية، حصلت حقوق المرأة على مكانة بارزة في نصوص الدستور الجديد. غير أن هذه الحقيقة لا يمكن أن تقلل أبداً من شأن الدور الذي كان للمغفور له الشيخ زايد والسيدة الأولى حرمه اللذان استطاعا معاً أن يكونا قوة دفع هائلة نحو تطوير المساواة الاجتماعية. فقد كان المغفور له الشيخ زايد يؤمن بأن شيئاً يجب ألا يعيق تقدم المرأة، وخصوصاً أن "النساء هن نصف المجتمع." كما أنه هو الذي قال "أدعوا أخواتي وبناتي من كل أرجاء الدولة ليعرفن أن مسؤولياتهن كبيرة ولا تقل عن مسؤوليات الرجال في هذا المجتمع."


وعملت ،الشيخة فاطمة بتشجيع من الشيخ زايد ولإدراكها بأن دعم قضية المرأة هو الخيار الصحيح نحو التقدم، بتأسيس أو منظمة نسائية في الدولة عام 1973 وهي جمعية أبوظبي ليقظة المرأة. كما أطلقت حملة وطنية على مستوى الدولة كلها لتعليم البنات لأنها اعتبرت الأمية أولى العقبات على الطريق نحو التقدم. وبالفعل، فقد أدت الحملة إلى تحقيق المرجو منها والذي مثل إنجازاً كبيراً حيث يكاد يكون قد تم القضاء على الأمية تماماً بعد ن كانت نسبة الأمية 75 في المئة سابقاً.


وفي 1975 تأسس الاتحاد النسائي في الإمارات بفضل الشيخة فاطمة أيضاً وهدف الاتحاد للمساهمة في تطوير صورة المرأة وتقديها لذاتها وتشجيع تعليمها والقضاء على الأمية بين النساء البالغات وضمان حصول النساء المحتاجات وعوائلهن على الخدمات والرعاية الاجتماعية وتخطيط النشاطات الهادفة لرفع الوعي الثقافي وتعزي أواصر العلاقات مع المنظمات النسائية الدولية.

وقت قيام الاتحاد بالكاد كانت هناك بضع نسوة متعلمات في الإمارات. أما اليوم فتمثل النسوة عنصراً بالغ الأهمية في العملية التنموية في الدولة. ووفر التعليم للمرأة الوسائل والقدرات التي احتاجتها لتفكر وتعمل باستقلالية كما أن الدعم الحكومي الذي أعطى الأولية لقضايا المرأة مكن النسوة في الدولة من تحقيق أعلى معدلات التطور في الوطن العربي قاطبة. وتشير الأرقام التي نشرتها الأمم المتحدة إلى أن الإمارات هي من بين أكثر الدول تقدماً على صعيد تعليم الإناث.


ومع توفير التعليم الأساسي والثانوي للمرأة أصبحت الخيارات المهنية للمرأة في الإمارات وفيرة جداً، حيث دخلن كل ميدان للعمل وأرسين لأنفسهن مساحة لا غنى عنها للتقدم والتنمية في الدولة. وهذه الطاقات التي حصلت عليها المرأة ما كان بالإمكان أن تتحقق لولا الجهود الرائدة التي بذلتها الشيخة فاطمة التي لم تركن إلى الاسترخاء والراحة بعد أن تم إنجاز المتطلبات الأساسية للتعليم والقضاء على الأمية.


فالشيخة فاطمة، التي تتحلى بروح الإنجاز وبعد الرؤية والإصرار على تمكين بنات بلدها من استغلال أقصى ما لديهن من طاقات، انطلقت بعد ذلك لتدعم بقوة قضية دخول المرأة حقل العمل الإعلامي وحصولها على عضوية المجلس الوطني الاتحادي، وهذا الحلم الأخير رأى النور في ديسمبر 2006 حينما فازت السيدة أمل القيسي بانتخابات المجلس الوطني الاتحادي لتصبح أول امرأة في الإمارات تصبح عضوة منتخبة في المجلس، كما قام حكام الإمارات بتعيين ثمانية نساء أخريات في المجلس من بين 20 عضواً ينص الدستور على تعيينهم من قبل الحكام. وحقيقة أن تشكيلة المجلس الوطني الاتحادي الحالية تضم تسع نساء هو خير شهادة على الجهود الجبارة التي بذلتها الشيخة فاطمة لدعم قضايا المرأة.

غير أن الجهود الإنسانية التي بذلتها الشيخة فاطمة لم تقتصر على الإمارات العربية المتحدة فحسب بل إن دعمها لقضايا المرأة تجاوز الحدود الوطنية إلى لمستويين الإقليمي والمحلي أيضاً. وعلى سبيل المثال، لم تنس الشيخة فاطمة أبداً معاناة الشعب الفلسطيني مثلما لم تتوقف أبداً عن تقديم الدعم لهم. كما أن نشاطها الإنساني وصل إلى المحتاجين في كوسوفو مثلما تقدم حالياً الدعم للعراقيين. وبلغ حجم المشاريع الخيرية والإنسانية التي نفذتها جمعية الهلال الأحمر في الإمارات برعاية من الشيخة فاطمة 71.5 مليون درهم وفقاً لما ذكره أحد مسؤولي الجمعية.


وتغطي هذه المشاريع قضايا متعددة مثل الصحة والتعليم وإعادة توطين المهجرين إلى جانب المساعدات لذوي الاحتياجات الخاصة وذلك في العراق وفلسطين وكوسوفو والمغرب والأردن وسريلانكا ولبنان واليمن. والشيخة فاطمة، وهي الرئيسة الفخرية لجمعية الهلال الأحمر في الإمارات، دائماً ما أعطت فسحة الأمل للكثير من المعوزين والمحرومين حول العالم.

وفيما وصل إجمالي المشاريع الخيرية التي رعتها الشيخة فاطمة في الإمارات على 16 مليون درهم، تواصل المشاريع المشابهة المنفذة خارج البلاد نموها وتوسعها. في فلسطين على سبيل المثال تضم هذه المشاريع الخيرية إقامة مدارس ومراكز صحية ومراكز تأهيل تجاوزت قيمتها 16 مليون درهم. كما حصل العراق وأفغانستان على دعم مالي كبير للمشاريع التي تبث الأمل في حياة الآلاف من العوائل الفقيرة.

تشغل الشيخة فاطمة حالياً منصبي رئيسة مجلس إدارة مؤسسة تنمية المرأة في الإمارات العربية المتحدة ورئيسة مجلس إدارة منظمة المرأة العربية ومقرها القاهرة. وبطبيعة الحال ما كان لهذه الجهود الجبارة أن تمر مرور الكرام دون أن يلحظها أحد لمدة طويلة، ولم يمض كثير من الوقت قبل أن تبدأ الأوسمة والجوائز التكريمية تنهمر على الشيخة فاطمة من الدول العربية والعالم.

اعترافاً بجهودها المتواصلة في مجال تنمية المرأة في الإمارات، قامت خمس منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة بتكريم الشيخة فاطمة بوقت واحد في 14 ديسمبر 1997. وهذه المنظمات هي صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأمم المتحدة للعمل التطوعي وصندوق الأمم المتحدة التنموي للمرأة. وأتت هذه الجوائز لتكون اعترافاً وتقديراً دولياً بدور الشيخة فاطمة القيادي في الحركة النسائية في الإمارات لأكثر من ربع قرن من الزمان.



وقال صندوق الأمم المتحدة التنموي للمرأة في رسالة التقدير المطولة واصفاً الشيخة فاطمة بأنها "نصيرة حقوق المرأة" وأثنى على "عملها الدؤوب لتحقيق العدالة الاجتماعية" مثلما أثنى على "جهودها الجبارة الهادفة إلى وضع المرأة على طريق حصولها على دورها والمشاركة في المؤسسات السياسية والاقتصادية."

وكانت الشيخة فاطمة أيضاً ثالث شخصية على المستوى العالم والأولى على المستوى العربي التي تحصل على ميدالية ماري كوري التي تمنحها المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) تقديراً لجهودها على صعيد التعليم والانعتاق من الأمية وتشجيع النساء على المشاركة في مختلف الفعاليات الوطنية.


وفي 1997 حصلت على درع برنامج الأمم المتحدة للعمل التطوعي تقديراً لدور سموها الريادي ودعمها المتواصل في مجال الأعمال التطوعية. كما تلقت أيضاً تقديراً خاصاً من مفوض الأمم المتحدة في كوسوفو للدعم الذي قدمته لبلدية كوسوفو.



كما تقلدت في 2006 وسام فارس سعفة النخيل الأكاديمي من الدرجة الأولى الفرنسي، وهو الوسام الذي بدأه نابليون عام 1808 ويخصص لتكريم أصحاب الجهود المتميزة في التعليم والثقافة والبحوث التربوية. وأعطيت الشيخة فاطمة هذا الوسام تقديراً لجهودها المبذولة دعماً لقضايا المرأة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.


واختارت صحيفة الصحراء المغربية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك للقب أكثر الشخصيات تميزاً في مجال العمل الإنساني تقديراً لجهودها التي بذلتها عام 2005. وقالت الصحراء المغربية: "لقد بدرت عن سمو الشيخة فاطمة بوادر إنسانية كريمة جداً في كل مسعى مشت فيه." وأشارت إلى دور سموها المحوري في دعم الخدمات الاجتماعية والحفاظ على التقاليد العائلية.


لا ريب في أن قيادة الشيخة فاطمة والتزامها الذي لا يلين تجاه قضية تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين والرعاية الاجتماعية عموماً كانت متميزة على كل الأصعدة. فقد استطاعت أن توظف الاتحاد النسائي بنجاح كبير ليكون أداة تسهم في تطوير وضع المرأة ومكانتها في المجتمع وتساعدها في الاستفادة من كل طاقاتها. كما عملت أيضاً على تدعيم الحركة النسوية وتوفير بوصلة التحرك لها كمل قادت لاحقاً الإتحاد النسائي ليأخذ البعد الإقليمي والعالمي بعين الاعتبار. وكانت جهودها الرامية لوضع المرأة على الطريق نحو دخول المؤسسات السياسية والاقتصادية والمشاركة فيها كبيرة وتستحق كل ثناء.



أما في 22 إبريل 2007، فقد حصلت الشيخة فاطمة على أرفع تقدير عالمي حينما قامت الأمم المتحدة بتكريم الشيخة فاطمة بنت مبارك اعترافاً بإسهاماته المتميزة في دعم قضية تمكين المرأة في الإمارات. وأتي هذا التكريم بعد أن دعا مجلس الأمن الدولي في 7 مارس الماضي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والأمين العام للمنظمة الدولية لتعزيز الجهود المبذولة لتمكين المرأة وزيادة نسبة تمثيلها في عملية صناعة القرار والتأكيد على أهمية دور المرأة في منع وتسوية النزاعات وإحلال السلم.


وبالتوازي مع التأكيد على أهمية فرصة المشاركة على قدم المساواة مع الرجل والانخراط الكامل في جهود حفظ ودعم السلام والأمن والحاجة المتزايدة لدور المرأة في صناعة القرار فيما يتعلق بمنع النزاعات وتسويتها، قام أعضاء المجلس أيضاً بإلقاء الضوء على سياسة دولة الإمارات في إشراك المرأة في العملية التنموية وكيف أن عملية صناعة القرار هذه قد شجعت الكثيرات من بنات الإمارات على المشاركة في كل الأصعدة.

والحق يقال أن أحداً لا يستحق هذا التقدير والتكريم الذي تمثله هذه الجائزة مثلما تستحقها الشيخة فاطمة، التي يحلوا لأبناء الدولة أن يلقبوها "أم الإمارات" والتي قدمت عبر جهودها المتواصلة قدوة تحتذي بها آلاف من النشاء في أرجاء الوطن العربي. لقد كانت الشيخة فاطمة لأبناء الإمارات والدول العربية الأخرى وستبقى مصدر إلهام لما أبدته من عمل دائم في مجال تمكين المرأة وتقدم صفوف العاملين في العديد من المجالات الأخرى مثل رعاية الطفولة والأيتام والمسنين وذوي الحاجات الخاصة.




 

أعلى