وذات
يوم وفدت ليلى على معاوية بن أبي سفيان، فألقت عليه عدة قصائد مدحته
فيها، وبينها قصيدة وصفت فيها ناقتها التي كانت تجوب الأرض لتصل إلى
معاوية فيجود عليها من كرمه. وسألها
معاوية عن توبة وهل هو فعلاً كما كان يصفه الناس.
فقالت " يا أمير المؤمنين سبط البنان، حديد اللسان، شجى
للأقران، كريم المختبر،
عفيف المئزر، جميل المنظر، وهو كما قلت له أمير المؤمنين". فأعجب بوصفها
وأمر لها بجائزة عظيمة
واستنشدها المزيد.
وكانت
ليلى على علاقة وثيقة بالحجاج بن يوسف الثقفي. ويذكر أنها أرادت ذات يوم
الدخول على الحجاج للمرة الأولى، وعندما استؤذن لها، قال الحجاج من ليلى؟
قيل الأخيلية صاحبة توبة . فقال :
ادخلوها ، فدخلت امرأة طويلة دعجاء العينين، حسنة المشية، حسنة الثغر.
وعند دخولها
سلمت فرد عليها الحجاج ورحب بها . وبعد جلوسها سألها عن سبب مجيئها فقالت
السلام
على الأمير والقضاء لحقه
والتعرض
لمعروفه. ثم قال لها وكيف خلفت قومك؟ قالت تركتهم في حال خصب وأمن ودعة،
أما الخصب
ففي الأموال والكلأ، وأما الأمن فقد أمنه الله عز وجل، وأما الدعة فقد
خامرهم من
خوفك ما أصلح بينهم. ثم قالت: ألا أنشدك؟ فقال: إذا شئت ، فقالت :
أحــجاج
لا يفـلل سلاحك إنما المنـايا بكـف الله حيث تراها
إذا هبـط
الحجاج أرضاً مريضة تتبـع أقصـى دائـها فشفـاها
شفاها من
الداء العضال الذي بها غـلام إذا هـز القنـا سقـاها
سقاها
دمــاء المارقين وعلـهاإذا جمحت يوماً وخيـف أذاها
إذا سمـع
الحجـاج صوت كتيبة أعـد لها قبـل النـزول قراها
وبعد
انتهائها قال الحجاج: لله ما أشعرها. وأمر لها بأعطية حسنة. وبعد مسيرها
أقبل الحجاج على مجلسه وقال: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله، لكنا ما
رأينا امرأة أفصح وأبلغ ولا أحسن إنشاداً .قال: هذه ليلى
صاحبة توبة.
وقد أشاد أغلب
القدماء بشاعرية ليلى الأخيلية واعتبروا أنها فاقت أغلب
الفحول من الشعراء، وشهدوا لها
بالفصاحة والإبداع. وكان بعضهم يقدمها على الخنساء ويرون
أن الأخيلية أفصحهما، وأنها أكثر
تصرفاً وأغزر بحراً وأقوى لفظاً، لأن شعر الخنساء كان
أغلبه في
الرثاء.
كما أن
الكثير من الشعراء كانوا يعتبرون شعرها من أفضل ما أنتجته تلك المرحلة
المهمة في التاريخ الأدبية، ومنهم الفرزدق الذي فضل ليلى على نفسه، وأبو
نواس
الذي حفظ العديد من قصائدها، وأبو تمام الذي ضرب بشعرها
المثل، وأبو العلاء المعري
الذي وصف شعرها بأنه حسن.
والناظر
في شعرها وشعر الخنساء يرى أن شعر الخنساء يكاد يخلو من الخيال ومن
الحكمة، فضلاً عن اقتصار أشعارها على موضوع واحد. أما ليلي فقد أجادت في
اختيار مطالع
قصائدها، وجزالة ألفاظها
وتعدد الأغراض الشعرية لديها من مديح وهجاء وفخر وغزل
ورثاء. كما عرف عنها إيراد الحكم والأمثال باستمرار. ومن ذلك قولها:
ولا تقولن لشيء سوف أفعله
قد قدر الله ما كل امرئ لاق
وكذلك:
لعمرك، ما بالموت عار على امرئ
إذا لــم تصبه في الحياة المعاير
وقد كان لمقتل توبة أثناء غزوة قادها ضد بني عوف أثر كبير وواضح
على شعر ليلى. ويظهر ذلك في الأشعار الكثيرة التي رثته فيها. ومن جملة ما
قالته فيه:
فآليت لا أنفك أبكيك ما دعت
على فنن ورقاء أو طار طائر
قتيل بني عوف فيا لهفتا لـه
وما كنت إياهـم عليه أحـاذر
وتتسم العاطفة في شعرها بالهدوء والاستسلام للقدر مع القليل من
فلسفة الأمور والتأمل في الوجود. ويتبين من خلال شعرها تأثير البيئة
الأموية التي عادت فيها العصبيات
القبلية إلى الظهور. وكانت ليلى مبرزة في مفاخرتها بقومها. وتقول في
وصفها لمعارك دارت بين قبيلتها وبني مذحج وهمدان:
نحن الأخايل لا يزال غلامنا
حتى يدب على العصا، مشهوراً
تبـكي الرماح إذا فقدن أكفنا
جزعاً، وتعرفنا الرفاق بحـوراً
وقد اشتهر ليلى بالتأنق اللفظي وجزالة مفرداتها والتكرار اللفظي
المتقن ، بعيداً عن التكلف
والتعقيد، مما يكسب أبياتها جرساً موسيقياً مستحباً، وكانت تكثر من
استخدام الطباق، كما في قولها:
إن يصدروا الأمر تطلعه موارده
أو يوردوا الأمر تحلله بإصدار
أما توبة
بن الحمير فشاعر غزل رقيق فصيح الألفاظ سهل التراكيب وقوي العاطفة. ومن
أبياته المشهورة في التشوق لحبيبته قوله:
أرى
اليوم يمر دون ليلى كأنما
أتت حـججاً من دونها وشهوراً
ويبدو أن القدر شاء للحبيبين الاجتماع، ولكن بعد الموت. فقد
أقبلت
ليلى من سفر، ومرت قافلتها بجانب قبر توبة، فأرادت أن تزور القبر وحاول
زوجها منعها، لكنه عندما رأى إصرارها تركها تفعل ما
تشاء. فوقفت أمام القبر وقالت: "السلام عليك يا توبة"! ثم قالت لقومها ما
عرفت له
كذبة قط قبل هذا. فلما سألوها عن ذلك أجابت: أليس هو القائل،
ولو أن
ليلى الأخيلية سلمـت علـي، ودوني تربـة وصـفائح
لسلمت
تسليم البشاشة أو صاح إليها صدى من جانب القبر صائح
فما باله
لم يسلم علي كما قال؟! وكانت بجانب القبر بومة فلما رأت
الهودج فزعت وطارت في وجه
الجمل، الذي أجفل ورمى ليلى من هودجها، فارتطم رأسها بصخرة وماتت على
الفور، ودفنت بجانب
قبر توبة. وكان ذلك في سنة 85هـ.
|