سكنت القسطنطينية
6000سنة قبل المسيح وهي الآن تعتبر أكبر مدينة في تركيا.
موقعها الاستراتيجي على مضيق البوسفور جعلها تتمتع بخليط
نادر للثقافتين الأوروبية والآسيوية , كما أنها تجتذب
ملايين السواح المتشوقين المتلهفين كل سنة.
يقع مضيق البوسفور غرب تركيا, وهو يصل البحر الأسود
ببحرمرمرة الذي بدوره يصل المساحة المائية بالبحر
المتوسط عبر مضيق الدردنيل.
مناخها المعتدل , حار وجاف صيفا ولطيف وممطر شتاء , يجعل
من المنطقة جاذبة بشكل كبير للسياح.
سكان القسطنطينية الأولين كانوا من البدو الذين اعتاشوا
من تربية الماشية وصيد السمك. وبعدانهيار الامبراطورية
الرومانية , استطاعت هذه المدينةأن تبقى على قيد الحياة
بالرغم من الثورات والحروب ألف سنة حتى لقبت بـ " مدينة
الحظ ". في ذلك الوقت كانت تعد زهاء مليون نسمة , كما
أنها كانت تنعم بعدد من الصناعات منها الكماليات غالية
الثمن, والإمدادات العسكرية ,والآلات المعدنية ,و
الأقمشة والمجوهرات.
كانت عاصمة الإمبراطوية البزنطية وقد سميت كذلك نسبة إلى
قسطنطين سنة 330 ب. م. و قد بقيت تدعى كذلك إلى أن أصبحت
تدعى استانبول تحت الإمبراطورية العثمانية. كما أنها
بقيت على هذا الاسم بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية سنة
1923عندما أسس مصطفى كمال أتاتورك تركيا الحديثة. منذ
ذلك الوقت تركيا شهدت نهضة كبيرة خصوصا في السياسة
الحديثة , فقد انضمت إلى الأمم المتحدة سنة 1945, وإلى
حلف شمال الأطلسي سنة 1952, ثم أصبحت عضوا في الاتحاد
الأوروبي سنة 1984.
إن تأثير تركيا السياسي والاقتصادي على ما حولها ومن
حولها يعود لموقعها الجغرافي المميز, حيث تحدها أرمينيا
وأذربيجان وإيران من الشرق , كما تحدها سوريا والعراق
والبحر المتوسط من الجنوب , ويحدها بحر إيجة واليونان
وبلغاريا من الغرب, أما من الشمال فالبحر الأسود. مساحة
تركيا تناهز ولاية تكساس وتبلغ 780580كم مربع. هضبة
الأناضول المشهورة تقع في وسطها. وفي غرب البلاد يقع جبل
أرارات وأعلى قمة فيه تصل إلى 5166م, وهو بركان هامد
مغطى بالثلوج كل فصول السنة, وقد قيل في التوراة أنه
الجبل الذي ارتاح عليه سيدنا نوح بعد الطوفان الكبير.
تعد تركيا حاليا 70 مليون نسمة حيث يوجد 10 مليون منهم
في منطقة استانبول وحدها وفي المدينة نفسها 8 ملايين
نسمة.
هناك موارد طبيعية متعددة في تركيا نخص منها الفحم
والحديد والنحاس والذهب على سبيل المثال لا الحصر.
اقتصادها المتميز يشتمل على خليط من الإنتاج التقليدي
والحديث. أما القطاع الخاص فهو ينمو بسرعة بالرغم من أن
الدولة ما تزال تلعب دورا هاما في قطاع المصارف
والاتصالات والنقل. الثياب والأقمشة تعد من أكبر
القطاعات الصناعية في تركيا , لكن هناك أيضا العديد من
المنتجات الأخرى التابعة لتزيين البيوت مثل : السجاد
والوسائد والسيراميك والمجوهرات والألعاب والآت الموسيقى
التي تعد منافسة بامتياز لصناعات الدول المجاورة.
تعد استانبول مركز النشاط الاقتصادي في البلاد , فهي
الميناء الرئيس حيث تنشط فيها قطاعات بناء السفن
وإصلاحها كذلك صناعات تجميع السيارات والشاحنات ,
والإسمنت والفخار والزجاج والمواد الغذائية كالفاكهة
وزيت الزيتون والأقمشة كالقطن والحرير والجلود وغيرها.
كما أن استانبول تقدم الخدمات المصرفية والتأمين.
تتمتع منطقة استانبول بمزيج راق من الحضارتين الأوروبية
والآسيوية كما أنها المدينة الوحيدة في العالم المبنية
على تراب قارتين لذلك جاء تنوعها الثقافي والتاريخي
ليضيف السحر والجمال والتفرد على هذه المدينة الرائعة.
وهي تشابه روما في أنها محاطة بتلال سبع لها قمم منبسطة
ومنحدرات قوية.
ستانبول, الجزء من استانبول في القسم الأوروبي, ويعد
قبلة أنظار السائحين لوجود المعالم التاريخية القديمة.
وأهمها يتركز في ساحة السلطان أحمد مثل:
- قصر توب كابي الذي بني في ست سنوات ما بين 1459-1465
حيث تركز النشاط السياسي للدولة العثمانية على مدى أربعة
قرون, وحيث كرس القسم الأكبر منه للدوائر الحكومية ونصفه
الآخر كان للسلطان وحريمه.
- هاغيا صوفيا, وتسمى اليوم (آيا صوفيا) , كانت كنيسة
تحولت إلى مسجد سنة 1453 ثم تحولت إلى متحف سنة 1932.
بنيت هذه الكنيسة خلال عشرين سنة في القرن السادس. قطر
قبتها 33 متراً وقد احتاج إلى 5 سنوات لإكماله وقد كانت
من المشاريع الطموحة في ذلك العهد. لكن زلزالا تحدى فنها
المعماري وحطم مركز القبة فيها.
- المسجد الأزرق، بني بعد آيا صوفيا بألف سنة وقد كان
محاولة لتحدي الفن المعماري لتلك الكنسية.
- مضمار سباق الخيل البيزنطي في تلك الأيام الخوالي أصبح
اليوم يدعى ساحة السلطان أحمد وهو حديقة مصممة ومرتبة
وجميلة تضم مسلتين وعموداً ملتفاً ونافورة أهديت
لإستانبول من الإمبراطور الألماني وليم الثاني سنة 1900
بعد زيارته للإمبراطورية العثمانية سنة 1898.
- المتحف التركي للفن الإسلامي موجود في المضمار مقابل
المسجد الأزرق وهو يحوي ثروة من الآثار الفنية العثمانية
والسلجوقية وما قبل تلك الحقبتين أيضا.
- السوق المسقوف (كابلي كارسي) يحوي آلاف الدكاكين حيث
يوجد كل ما تحتاجه مدينة صغيرة, زد على ذلك مراكز للشرطة
ومساجد ومقاه كثيرة.
يقسم القرن الذهبي، وهو الخليج الذي يشكل مصب نهر
البوسفور, مدينة استانبول إلى قسمين هما ستانبول وبيوغلو,
وهو يشكل أفضل ميناء طبيعي في العالم حيث استضاف السفن
التجارية والبوارج الحربية على مر الزمن وما زال. كما
تنتشر على ضفافه البيوت الخشبية والكنائس والمعابد
اليهودية والحدائق والمتنزهات للتمتع بالمناظر الطبيعية
الرائعة وخصوصا غروب الشمس.
وهناك منطقة تجارية نامية تعج بالحياة والحركة والترفيه
بين بيوغلو وتقسيم. ومن الممكن أن نشير هنا إلى أن
الفنادق العالمية مثل إنتركونتيننتال وحياة وهيلتون
موجودة في ساحة تقسيم.
وعلى الرغم من أن بيوغلو وستانبول هما أهم مراكز اجتذاب
الأنظار والسياح, إلا أن المدينة فيها أماكن أخرى جديرة
بالزيارة والاهتمام.
فهناك منتجع أورتاكوي الذي كان مخصصاً للحكام العثمانيين
والذي تحول اليوم إلى ضاحية حديثة تحوي الكثير من
المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي المكتظة في عطلة
نهاية الأسبوع والإجازات.
أما المواطنون الأثرياء فيفضلون كاديكوي التي تقع إلى
الجنوب على بحر مرمرة. وهي تتميز بفيض من الحيوية
والنشاط في سوقها الذي يحتضن الأزياء الراقية والمطاعم
الأجنبية والمقاهي على جانبي شوارعها. كما يستطيع المرء
أن يختار شارع الجنرال عظيم غوندوس للتسوق إذا كانت
قدراته الشرائية محدودة نوعا ما، كما يوجد فيه أيضا معرض
الفنون بنادام.
وإلى الشمال من كاديكوي تقع منطقة حيدرباشا حيث بنيت
المحطة الأولى لقطار بغداد سنة 1908. ونجد هناك أيضا
مقابر الجنود الإنجليز والفرنسيين الذين ماتوا في حرب
القرم 1854-1856. كما أن الجناح الشمالي الغربي من ثكنات
السليمية التي عملت بها الممرضة الأولى فلورنس نايتنغيل
ما زالت شاهدا على ذلك.
ننتقل بعدئذ لمنطقة بولونيزكوي التي تبعد 25 كم عن
المدينة وتضم الأرض التي منحتها الإمبراطورية العثمانية
للأمير البولوني تشارتورسكي الهارب من قمع الصرب حيث أسس
لجماعته منطقة آمنة. وهذه المنطقة تعتبر أيضا حديقة
استانبول الوطنية العامة لكبرها وجمالها وخضرتها.
أما الشاطىء القريب الذي هو بمتناول الناس في استانبول
فهو( كيليوس) على البحر الأسود ويحوي العديد من الفنادق
وأماكن للمخيمات الصيفية ويكتظ عادة بالناس في الصيف
والإجازات.
ويوجد في بحر مرمرة عدد من الجزر التي يمكن الوصول إليها
في زوارق متنوعة. وقد كانت لهذه الجزر شعبية كبيرة أيام
الإمبراطورية البيزنطية لأنها كانت تشكل خلوات صيفية
لموظفي الدولة. ولقد أمضى في أكبرها، وهي جزيرة بويوكادا،
أحد زعماء الثورة البلشفية الروسية، ليون تروتسكي، عددا
من السنوات يكتب أثناءها "تاريخ الثورة الروسية".
أما من يود أن يبتعد عن ضجيج المدن فما عليه إلا أن يقصد
أكبر غابة في المدينة وهي معروفة بـاسم ساريير، حيث يتصل
البوسفور بالبحر الأسود, وهناك يستطيع أن يتمتع بأفضل
الوجبات البحرية.
و بما أننا وصلنا إلى البحر فلا بد من زيارة القصر
الإمبراطوري دولما باتشي وهو لا شك أعظم القصور وأغزرها
زينة وبهاء في الإمبراطورية العثمانية. ويحتوي على 43
صالة واسعة و285 غرفة كما يحتوي على ثريا من الكريستال
البوهيمي يقدر وزنها بـ4000كغ, وله واجهة بحرية طولها
نصف كيلومتر.
على الشاطىء الشرقي من البوسفور منطقة أوسكودار التي
ترقد بعيدا عن أعين السواح, فهذه الضاحية تتميز بخلفية
دينية هادئة، حيث يقع فيها الكثير من المساجد كمسجد
السلطان فاليد الذي بني 1910 وقبره الأخضر.
و أخيرا وطبعا ليس آخراً, سيلي التي تبعد 50 كم عن
أوسكودار وتقع على البحر الأسود حيث ينسج الموسلين
المشهور ويطرز ويباع في كل أنحاء تركيا.
إن السائح هنا لا بد له من أن يكتشف ويتذوق المطبخ
التركي الغني . فهذا المطبخ متأثر جدا بالتراث العثماني
كما أنه يمزج معه الذوق اليوناني والشرق أوسطي والآسيوي
في خليط يدغدغ الحواس. فاللحم والأرز والبرغل تشكل
الأساس في القائمة التركية , كما أن زيت الزيتون له
الوجود الخاص في ( الدولما) وهي ورق العريش والباذنجان
والفلفل المحشو. البقلاوة وراحة الحلقوم من الحلويات
المشهورة , ولا بد للقهوة التركية أن تنتهي بها الوجبة.
وبالرغم من أن تركيا بلد مسلم إلا أنه مشهور بالمشروبات
الروحية أيضا , فهو ينتج أنواعا من النبيذ ولديه مشروب
شهير يسمى ( الراكي) الموازي (للعرق ) اللبناني. وعلينا
القول هنا أن الأتراك يلتزمون برمضان فلا يشربون
المشروبات الروحية أثناءه.
ما زالت تحيا روح جلال الدين الرومي كل أسبوع في
استانبول أثناء دوران الدراويش على الموسيقى الخاصة بهم
وهو تعبير صوفي يبتعد في ماورائياته عن الإسلام.
يبقى الحمام التركي المشهور الذي أخذ طقوسه من إرث تركيا
البزنطي والعثماني , له مكانة خاصة في اليوميات العادية
والتي يحب أن يجربها السائح. فهي طقوس تبدأ بالتعرق في
مكان حار حيث البخار , ثم يدعك الجسم بالماء الدافىء
والصابون ويدلك , بعدها يستعيد الجسم حرارته الطبيعية
حين يغطس المستحم في حوض من الماء البارد.
كل هذه المناظر والتجارب والأصوات بمتناول الزائر في
استانبول حيث يستطيع كل امرء حسب إمكاناته المادية أن
يتمتع بإقامة وسياحة في هذه المدينة الرائعة. وبطبيعة
الحال لمن لديه الفضول وحب الاستطلاع هناك الكثير الكثير
مما تخبئه هذه المدينة من أسرار خفية في ثناياها
المتعددة , عندها يلزم أن يتجول حرا مستكشفا ومستطلعا
وسابرا أغوار مدينة الحظ. . . فإلى هناك!
أعلى
|