|
|
بقلم هينا حسين
ثقافة التسوق ليست شيئاً جديداً على دبي. فمنذ وقت طويل
وقبل أن يعطي المطورون العقاريون المعاصرون بعداً ومعنى
جديدين للتسوق في المدينة بفضل مراكز التسوق العملاقة،
كانت دبي مشهورة بأسعارها التنافسية لمختلف البضائع مثل
المجوهرات والعطور والإلكترونيات وغيرها. غير أن ظهور
المشاريع العقارية العملاقة قد غير مجمل تجارة التجزئة
في المدينة. فليس المهم هو ما تشتريه فحسب هذه الأيام
وإنما المهم أيضاً هو أين تشتريه.
مراكز التسوق الصغيرة وأسواق المناطق القديمة لم تعد
رائجة كما كانت. فالتسوق اليوم أصبح مرتبطاً بالترفيه
والمشاوير العائلية كما أنه بالنسبة للكثيرين ملاذ من
حرارة الجو في الخارج. وأصبح التسوق ظاهرة شديدة
الانتشار لدرجة أن الآباء ممن لديهم أبناء في سن الدراسة
أخذوا يقلقون من كونهم في حقيقة الأمر ينشئون جيلاً
جديداً من الشباب المهتم بالموضة والعلامات التجارية
أكثر من اهتمامه بقضاء وقته في المكتبات أو المخابر أو
الملاعب الرياضية.
ثورة التسوق هذه في المدينة لم تأخذ شكلها النهائي بعد،
إذ لا تزال في طور النمو والتطور وليست لدينا صورة واضحة
عما نحن مقبلون عليه. ويقترن هذا التغير بتطورات موازية
تشهدها كل أوجه الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية
في دبي. الكثير من هذه التغيرات تتوازى تماماً مع طبيعة
التطور العمراني. فلا يعلن عن مشروع عقاري كبير اليوم
إلا ويقول مطوروه إنه سيتضمن مساحات واسعة مخصصة للتسوق.
وبالطبع تتردد الأسئلة دوماً عن المدى الذي يمكن الذهاب
إليه في استدامة هذه الفورة لصناعة التجزئة.
وهذه التطورات ليست مقصورة على دبي فحسب، فثورة التسوق
تمتد لتطال الإمارات الأخرى. بل إن بعضاً من المشاريع
العقارية المنتظرة في أبوظبي ستجعل دبي تبدو صغيرة. وفي
رأس الخيمة أصبحت السياحة مركز التخطيط للتنمية
الاقتصادية في الإمارة. وهذا كله يتطلب إنشاء مراكز تسوق
على نمط ما هو موجود في دبي.
غير أن دبي هي التي ما تزال تتصدر ثورة التجزئة. ويوجد
فيها اليوم 35 مركز تسوق عضو في مجموعة مراكز التسوق في
دبي، وهي جمعية متخصصة. كما سيرتفع هذا الرقم كثيراً مع
بناء المزيد من مراكز التسوق.
ما يقال عن أوصاف مراكز التسوق المقبلة تحير العقل حقاً
وتجعل الإنسان يتساءل ما إذا كان كل ما يقال حقيقة.
وكأني بدبي تبذل جهوداً كبيرة عبر الإجابة عن بعض هذه
التساؤلات لتسوق نفسها كوجهة سياحية عالمية. فالمخاطر
التي تواجه صناعة التجزئة كبيرة بالفعل. إذ فيما لا
يتجاوز تعداد سكان الإمارات 4.1 مليون نسمة فيما لا يزيد
سكان دبي عن 1.5 مليون، لا يمكن لأحد في كامل عقله تخيل
توفر ما يكفي من المتسوقين لتوفير ما يكفي من الأرباح
لهذا الحجم من تجارة التجزئة حالما تكتمل مشاريع مراكز
التسوق التي يجري بناؤها حالياً.
إن ضخامة الحجم والمستوى والطراز لمركز التسوق المقبلة
لا تترك مجالاً للشك في أن دبي بحاجة لاستقطاب أعداد
هائلة من السياح إذا ما أرادت الاستمرار في عالم التجزئة
الجديد الفريد وشديد التنافسية الذي بنته لنفسها. ويأمل
المسؤولون عن السياحة في دبي باستقبال 15 مليون سائح في
2010، وهو ما لا يبدو سهلة بالنظر إلى أن عدد السياح
القادمين إلى دبي في 2005 كان 6 ملايين. ومع ذلك فإن
السلطات متفائلة بأن جهودهم الترويجية المتواصلة ستثمر
وأن الرقم المستهدف سيتحقق.
ولاستيعاب أعداد متزايدة من السياح فإن عدداً كبيراً من
الفنادق هي قيد الإنشاء الآن. ويتوقع أن تصل الطاقة
الاستيعابية للمدينة في 2010 إلى 90 ألف غرفة أي أكثر من
ضعف عدد الغرف الحالي. كما تشير نوعية مشاريع إنشاء
الفنادق إلى أن دبي على المدى البعيد تريد التركيز على
سياح الترفيه ذوي القدرات المالية الجيدة وليس الفئة
الأقل إمكانيات. ذلك أن معظم الفنادق التي يتم بناؤها في
المدينة هي من فئة خمس نجوم.
الاستراتيجية الأخرى التي تعتمدها دبي هي السياحة
المقيمة. فالشركات العقارية الخاصة والحكومية تسعى
لاستقطاب المشترين من كل أنحاء العالم ممن يريدون شراء
بيوت في مشاريع التطوير الفاخرة للتمليك والإيجار.
الفخامة والضخامة أصبحتا المعايير المعتمدة لأي مشروع.
مول دبي وحده، وهو جزء من مشروع برج دبي الذي سيكون أعلى
برج في العالم، سيضيف 12 مليون قدم مربع مخصصة للتسوق.
تقول شركة إعمار المطورة للمشروع: "يتوقع أن يجذب مول
دبي 35 مليون زائر في العام الأول على افتتاحه. وسيكون
في استقبال هؤلاء الزوار كل أنواع المحلات التجارية التي
يمكن تخيلها، من أشهر محلات العلامات الفاخرة إلى
البوتيكات ومحلات المستلزمات اليومية العادية. وفيما
سيأخذ التسوق فيه أبعاداً غير مسبوقة فإن المطاعم وصالات
السينما متعددة المسارح ستجعل من مول دبي وجهة ترفيهية
تلبي حاجات الجميع."
كذلك قصة مراكز التسوق الأخرى في المدينة لا تختلف أيضاً،
فكلها تقدم لروادها وعوداً مماثلة بضخامة عدد المحلات
وصالات السينما متعددة المسارح والمطاعم والترفيه
للأطفال.
كما نجد الشركة المطورة لمشروع مول اوف أرابيا، وهو جزء
من مشروع سيتي اوف أرابيا التي يبلغ إجمالي مساحتها 20
مليون قدم مربع ضمن دبي لاند، تصفه بأنه "منتجع تسوق
استثنائي." وتقول إنه يوفر "تجربة فريدة في نمط الحياة
تقدم داخل تصاميمه الخارجية الشرق أوسطية القديمة أفضل
العلامات التجارية العالمية في الأزياء وأحدث مسرح من
نوعه للفنون المسرحية والاستعراضية و15 صالة سينما
وملعباً للبولنغ ومنتجع صحي مائي من مستوى عالمي." كما
يعد زواره أيضاً بأن يقدم تجربة تسوق "مختلفة وممتعة."
تمتد المرحلة الأولى من المشروع على مساحة 5.6 مليون قدم
مربع على طابقين تتضمن موقفاً يتسع 10 آلاف سيارة. وإلى
جانب التسوق وأشهر العلامات التجارية يتضمن المركز فندق
خمس نجوم ومنتجع صحي مائي وملعب بولنغ. وتقول الشركة
المطورة غن المشروع سيشتمل على مجموعة من المساحات
المصممة كل منها وفق فكرة معينة لتشكل معاً بيئة ترفيهية
تبهج المتسوقين من مختلف أرجاء العالم.
أما أحد أشهر مراكز التسوق الموجودة حالياً بالفعل فهو
مركز ابن بطوطة الذي استوحى أفكاره وتصاميمه من أسفار
الرحالة العربي الشهير في القرن الرابع عشر ابن بطوطة
حيث نجد مناطق التسوق فيه تمثل أقاليم العالم الست التي
زارها وهي الأندلس وتونس ومصر وفارس والهند والصين.
المركز محطة لا يمكن تفويتها لكل المهتمين بسياحة التسوق
في المدينة، حيث يستقبل الزوار بمشاهد هندسية وتصاميم
مدهشة وعظيمة في الداخل والخارج مستوحاة من كل البلدان
التي زارها ابن بطوطة. لكن ما يجذب الرواد للمركز ليست
فقط مشاهد الماضي فمركز ابن بطوطة يشتمل على 21 صالة
سينما من بينها سينما أيماكس الأولى في الإمارات. وتقول
شركة نخيل المطورة للمشروع إن المركز يوفر للزوار بيئة
تمثل "وطناً بعيداً عن الوطن."
ومن المراكز الأخرى المصممة وفق أفكار خاصة هناك مركز
مركاتو ومركز وافي سيتي. مركاتو، كلمة إيطالية تعني
السوق، والمركز مصمم على طراز العمارتين الإيطالية
والإسبانية في عصر النهضة. أما وافي سيتي المختلف تماماً
عن سابقه فمستوحى من العمارة الفرعونية القديمة.
في سياق تقديمها لهذه الأفكار التصميمية المتمايزة فإن
مراكز التسوق في دبي في معظم الأحوال تستنسخ تصاميمها
الداخلية وتقدم علامات تجارية ومحلات وصالات سينما
ومطاعم وكافتيريات متشابهة.
في قلب مدينة دبي ظهرت دبي فستيفال سيتي لتكون وجهة
رائدة في مجال التسوق والترفيه. وهي تتضمن منطقتي تسوق،
الأولى مركز فستيفال الواجهة البحرية والثانية مركز
فستيفال باور. تشتمل الأولى على 550 محل تجاري بينها 20
سوبرماركت و90 مطعماً ومقهى و12 صالة سينما ومنطقة ترفيه
واحدة. أما فستيفال باور التي تبلغ مساحتها 1.3 مليون
قدم مربع فهي مخصصة للمحلات التجارية الكبرى و أضخم مركز
تسوق مخصص للتسوق المنزلي في الإمارات.
وفي مدينة دبي الرياضية سيبنى أكبر مركز تسوق مختص
بالمستلزمات الرياضية وهو مشروع طموح جداً يتركز على
الألعاب الرياضية، خصوصاً وأن وجود الأكاديميات الرياضية
سيوجد سوقاً مربحة جداً للعمال المختصة بالمنتجات
الرياضية. وفي هذه الحالة ايضاً نجد المطور العقاري يركز
على شيء جاذب للاهتمام العالمي. فالمشروع هو جزء من
مدينة دبي لاند حيث يتوقع أن تظهر في المدينة السياحة
الرياضية مع اكتمال مشروع المدينة الرياضية.
وسيكون ترويج التراث المحلي من اختصاص مشروع القرية
الثقافية التي تشتمل على منطقة تسوق شاسعة تتضمن فنادق
فاخرة ومطاعم ذات تصاميم خاصة على نمط البوتيكات ومقاهي
ومحلات للكتب النادرة ومعارض حرفية وفنية. هذا إلى جانب
سوق تقليدية قديمة للحرف اليدوية العربية والتحف
والتوابل والعطارة.
منذ اللحظة الأولى التي يصل فيها الزائر دبي وحتى ركوبه
الطائرة مغادراً يصعب عليه أن يزيح عينيه عن البضائع
الكثيرة التي تصادفه أينما ذهب. هذه التجربة الفريدة
تبدأ منذ وصوله المطار حيث تستقبله محلات السوق الحرة.
تروج المدينة السوق الحرة في مطار دبي بأنها "المكان
المناسب لاختيار الهدايا في اللحظة الأخيرة قبل ركوب
الطائرة والمغادرة." وتتضمن محلات السوق في صالتي
المغادرين والقادمين قرابة 35 ألف منتج من حلي ذهبية
ومجوهرات وساعات وإلكترونيات وعطور ومستحضرات تجميل.
غير ان التحول الكبير حقاً الذي ستشهده صناعة التسوق في
دبي سيحدث حينما تكتمل مشاريع الواجهة البحرية للمدينة،
حيث تعتبر مشاريع نخيل الثلاث وهي جزر النخلة وجزيرة
العالم والواجهة البحرية أكثر هذه المشاريع طموحاً. كما
أن العنصر "الحصري الخاص" في هذه المشاريع السكنية في
الواجهة البحرية هي التي ستحدد طبيعة محلات التسوق.
والطبيعي في هذه الحالة هو أن نتوقع فخامة وتالقاً
بمستوى غير مسبوق.
الأمل هو أن لا تجد السواق القديمة نفسها وقد افترستها
حمى مراكز التسوق الحديثة وأن يبقى من يرغبون بالمساومة
على السعر قادرين على الذهاب إلى الأسواق القديمة في
الكرامة والسطوة وبر دبي وشارع نايف للتسوق في الأماكن
التي اعتادوا عليها. وهناك أيضاً مراكز التسوق الصغيرة
التي لا تزال تتمتع بجاذبيتها الخاصة.
غير أن الذهاب إلى هذه المراكز قد أصبح شيئاً مضنياً
نتيجة قلة مواقف السيارات. كما أن بناء مواقف السيارات
الطابقية لم يصبح بعد شيئاً يثير اهتمام المسؤولين عن
التخطيط الحضري. والازدحام المروري الرهيب الذي تعانيه
دبي قد أعطى مراكز التسوق التي توفر مواقف سيارات كافية
ميزة أكبر إضافية. وليس لنا إلا الأمل بأن مشروع قطار
دبي سيحسن الوضع المروري حينما يبدأ بالعمل.
وعلى الرغم من أن التسوق بدون دفع الضرائب لا يزال شعاراً
نسمعه في دبين فقد يفقد أي معنى له قريباً. فهناك عدة
طبقات من الجبايات التي تلغي أثر عدم وجود نظام ضرائب
حكومي. وحتى لو كان هناك بالفعل شيء "بدون ضرائب" فالناس
تنسى أن التسوق هو شيء ثانوي حين يتعلق الأمر بالسياح
الذين تريدهم دبي لتواصل نموها لأن لا أحد يسافر مئات
الكيلومترات ويتكبد آلاف الدولارات على السفر والفنادث
ليوفر بضع دولارات من سعر قفازات أو ساعات. السياح
يبحثون عن التجربة المميزة ومراكز التسوق وحدها لا
تستطيع أن توفر هذه التجربة.
أعلى
|
|