|
|
د. إيكارت ورتز
أ
عاد الطرح الأولي العام لأكبر المصارف الصينية،
وهو بنك الصين الصناعي التجاري أواخر أكتوبر الماضي،
التأكيد مرة أخرى على الأهمية الكبيرة التي يوليها
المستثمرون في الخليج لأسرع اقتصادات العالم نمواً.
فقائمة المكتتبين في الطرح العام أشبه ما تكون بموسوعة
المستثمرين الخليجيين، ومن بينهم هيئات الاستثمار في
الخليج وقطر وتحالف استثماري من السعودية بقيادة شركة
العزيزية للاستثمارات التجارية ومالكها الأمير الوليد بن
طلال.
وإلى جانب مستثمري الخليج هناك التحالف الألماني
الأمريكي الضخم الذي يضم غولدمان ساكس وأميريكان إكسبرس
وأليانز والذي اكتتب على 10 في المئة من أسهم المصرف في
يناير الماضي قبل الطرح الأولي العام. كما اكتتب عملاق
الاستثمارات لي كاشينغ من هونغ كونغ بمبلغ 205.5 مليون
دولار أمريكي عبر "هتشيسون وامبوا" وغيرها من شركاته
الأخرى.
ومع توقع المراقبين أن تصل إيرادات الاكتتاب على 15 في
المئة من أسهم المصرف إلى 20 مليار دولار، سيكون هذا
الطرح الأولي العام هو الأكبر من نوعه عالمياً منذ طرح
إن تي تي دوكومو عام 1998 الذي وصل حجمه إلى 18.4 مليار
دولار. وبهذا ستبلغ قيمة البنك، الذي تملك وزارة المالية
الصينية والذراع الاستثماري للحكومة الصينية معظم أسهمه،
130 مليار دولار ويصبح ترتيبه السادس عالمياً بمعيار
الرسملة السوقية. كما ستكون هيئة الاستثمار الكويتية
أكبر المكتتبين حيث تبلغ قيمة أسهمها 719.4 مليار دولار.
لا ريب في أن المستثمرين الخليجيين يتمتعون الآن بموارد
مالية ضخمة الآن بعد تلك السنوات الصعبة التي رافقت
انخفاض أسعار النفط في الثمانينيات والتسعينيات. فقد بلغ
صافي إيرادات النفط لكل الدول المصدرة للنفط أكثر من 650
مليار دولار في 2005. ويبلغ إجمالي الفائض المتراكم في
حساباتهم الجارية 41 في المئة من عجز الحساب الجاري
لأكبر المدينين في العالم، وهو الولايات المتحدة، ولا
يتقدم عليهم في ذلك سوى آسيا التي يمثل فائض حسابها
الجاري 47 في المئة من العجز الأمريكي. وفيما يتجاوز عجز
الحساب الجاري الأمريكي حالياً 800 مليار دولار دون أن
تكون هناك بوادر تحسن في الأفق تتزايد بالطبع المخاوف من
ضعف الدولار مثلما يتزايد الاهتمام بالاستثمارات خارج
منطقة الدولار.
وتعتبر الصين مرشحة طبيعية لاستقطاب هذه الاستثمارات. إذ
يحقق اقتصادها منذ أواسط التسعينيات نمواً متواصلاً
بحوالي 9 في المئة سنوياً بالتوازي مع نمو تجارتها مع
دول مجلس التعاون الخليجي. ومع أن الصين في المطلق،
بنسبة 6 في المئة من حجم التجارة الخارجية، قد لا تكون
الشريك التجاري الأكثر أهمية حيث لا تزال تأتي بعد
الاتحاد الأوروبي (19.4 في المئة) واليابان (15.1 في
المئة) والولايات المتحدة (10 في المئة)، ولكن هذا
الترتيب قد يتغير مستقبلاً باعتبار أن التجارة الخارجية
مع الصين كانت تنمو سنوياً بأكثر من 30 في المئة سنوياً
في السنوات الأخيرة. ولهذا لا عجب في أن المستثمرين
الخليجيين يريدون حصتهم من هذه الكعكة.
وعلى سبيل المثال فإن دولة الكويت وشركة أرامكو تستثمران
في مصافي نفط في الصين لبناء علاقات عملاء أطول أمداً
ولتعزيز سلسلة القيمة لإنتاجهما النفطي. كما أن
للمستثمرين الخليجيين اهتمام كبير بالمصارف الصينية.
فالأمير الوليد كان قد طلب الاكتتاب بملياري دولار في
الطرح الأولي العام لبنك الصين في يوليو، ولكن تم تخصيص
390 مليون دولار فقط له. كما أنه أعرب عن اهتمامه بالطرح
الولي العام المقبل لبنك التجار الصيني.
لكن فيما لا يشك أحد بأن الصين هي قوة يعتد بها وتمثل
إضافة مهمة لأي محفظة استثمارية، ربما يتعين على
المستثمرين الخليجيين إلقاء نظرة ثانية على السنوات
الماضية للتفكر في مستقبل الفورة الصينية الحالية. كانت
آخر مرة رأينا فيها أحلام النمو الاقتصادي الضخم والدائم
هي تلك التي رافقت فقاعة أسهم ناسداك في 2000/2001 ثم
فقاعة الأسهم في دول الخليج هذا العام والتي أفضت في
الحالتين إلى يقظة مؤلمة على الواقع. والصين قد لا تكون
استثناء. إذ أن القاعدة تقول إنه إذا كان الجميع سيتثمر
في السوق والجميع يعتقد جازماً إنه مصيب فإن شيئاً مريعاً
سيحدث قريباً.
أحد الأصوات التحذيرية النادرة كان جو ستادويل الذي نشر
كتابه "الحلم الصيني" عام 2001 والذي جادل فيه أن أكبر
بلاد العالم سكاناً قد كان منذ القرن التاسع عشر مسرحاً
لتخيلات رجال الأعمال الأجانب التي لم يكتب لها التحول
إلى وقائع أبداً، وهذه المرة قد لا يكون الأمر مختلفاً.
ويشير ستادويل على وجه الخصوص إلى أن نمو الائتمان الذي
لم يتم التأكد منه والنتائج المعيقة الناجمة عن
البيروقراطية المتفشية والأرقام الإحصائية المشكوك
بأمرها والقطاع الحكومي المتضعضع هي اعتبارات مهمة جداً
حين النظر للاقتصاد الصيني غير أن قلما يشير إليها أحد
حين الحديث عن الصناعات التصديرية الناجحة والمفرحة.
لا ريب في أن ستادويل كان مخطئاً كما يبدو لنا حتى الآن
فالصين لا تزال تواصل نموها بسرعة منذ 2002 كما لم نلمس
آثاراً لإحباط واسع بين المستثمرين الأجانب. ومشكلة
الديون المعدومة تمت معالجتها عبر المساعدات الحكومية.
وعلى سبيل المثال تراجعت نسبة الديون المتوقفة عن السداد
لدى بنك الصين الصناعي والتجاري من 34 في المئة عام 2000
إلى 4 في المئة فقط حالياً.
ومع ذلك فإن نمو الائتمان واعتماد الاقتصاد الصيني على
الصادرات وخصوصاً إلى الولايات المتحدة أمور تثير القلق،
فقد كانت حصة الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي 20 في
المئة بين 1996 و1999 غير أنها ارتفعت الآن إلى 34 في
المئة حالياً، كما أن الصادرات الصينية كانت تنمو بمعدل
30 في المئة سنوياً وخصوصاً بعد 2001. وبعملية حسابية
بسيطة يتبين أن معظم النمو الصيني كان يعتمد على هذا
النمو في الصادرات فيما التنمية في الأسواق المحلية لا
تزال محدودة.
هذا الأمر قد يصبح حالة حرجة فيما لو تباطأ الاقتصاد
الأمريكي. والإحصائيات الأخيرة عن سوق الإسكان الأمريكي
تشير إلى هذا الاحتمال بالضبط، إذ حالما يصبح المستهلك
الأمريكي غير قادر على الاستدانة مقابل أسعار البيوت
التي ترتفع باستمرار، فإن أهم الأسواق للصادرات الصينية
سيتعرض للاضطراب. وبالنظر إلى أهمية الصادرات لهيكلية
النمو الاقتصادي الصيني، فهذا قد يقود نحو تباطؤ معدلات
النمو وعودة مشكلة الديون المعدومة للظهور.
مما سبق نجد أن على المستثمرين الخليجيين النظر في الأمر
على نحو أعمق مرة أخرى. فالصين بلا شك تعتبر إضافة مهمة
للمحفظة الاستثمارية، غير أن قصة نموها الاقتصادي ليست
بالقصة الكاملة الخالية من أي نقص كما يجري تصويرها.
فالخوف هو أن يجد المستثمرون الخليجيون الذين يحاولون
تجنب ضعف الدولار أنفسهم في مواجهة ضعف الدولار وتراجع
الصادرات الصينية معاً.
د. إيكارت ورتز مدير برنامج الاقتصاد في مركز الخليج
للبحوث بدبي.
أعلى
|
|