|
يوصف بأنه آخر بارونات الإعلام ويحتل المرتبة 73 على
قائمة الأكثر ثراء في العالم. وإذا استثنينا قادة الدول
الكبرى يمكن اعتباره الأكثر نفوذاً في العالم ويتمتع
بالقدرة على التسبب بهزات كبيرة لرؤساء وقادة حكومات
العالم. دائماً ما تجد من يعجب به ويحتقره، يمدحه ويدينه،
يثني عليه لإحداث ثورة في صناعة الإعلام الإخباري ويتهمه
بخفض مستواها إلى أدنى قاسم مشترك ممكن. واليوم ما يزال
يتلذذ بالتهام آخر مشترياته: مؤسسة وول ستريت جورنال
الشهيرة. إنه روبرت مردوخ الذي لا شبيه له، ذلك الرجل
الغامض الذي يصعب لجمه أو سبر غوره والذي يميل ذات اليمين
مرة قبل أن يعود ويميل ذات الشمال بفعل نزوة لا أكثر.
التقدم في السن لم يضعف نزعة روبرت
مردوخ القتالية حتى بعد بلوغه 75 عاماً. بل إنه يستعد الآن
لبدء الهجوم على مؤسسة نيويورك تايمز بتحديث وول ستريت
جورنال وتوفيرها مجاناً على الإنترنت. شراؤه مؤخراً لمؤسسة
داو جونز التي تمتلك مجموعة وول ستريت جورنال مقابل 5
مليارات دولار لم يصدم موظفيها فحسب بل وجمهور قرائها
أيضاً ممن يخشون أن تفقد حيادها وتتحول نحو السطحية
والإثارة أو، لا سمح الله، نحو الفظاظة.
غير أن هذا الرئيس التنفيذي الذي يقود 175 مؤسسة قابضة
إعلامية يستمتع بحصانته ضد أي نقد. ربما يتذمر الأفراد أو
يشتكي مواطنوه غير أن مردوخ هو من يمتلك القدرات ليشكل
الرأي العام نهاية الأمر عبر إمبراطوريته الإعلامية
العالمية التي تضم شبكات فوكس نيوز وسكاي نيوز وستار تي في
وقناة ناشنال جيوغرافيك وتوينتيث سينشوري فوكس
وهاربركولينز ونيويورك بوست وويكلي ستاندارد وتايمز ونيوز
أوف ذي ورلد وصن وموقع الاتصال الاجتماعي الإلكتروني
مايسبيس.
قال مردوخ ذات مرة "أنا محفز للتغيير. يمكنك أن تكون من
خارج الوسط وتحقق النجاح على مدى ثلاثين عاماً دون أن تخلف
وراءك قدراً من الندوب في المكان."
غير أن جوديث ريغان مديرة النشر السابقة في دار
هاربركولينز تشعر أنها تعرضت للكثير من الأذى مما جعلها
ترفع دعوى على شركة نيوزكورب مطالبة بتعويض يبلغ 100 مليون
دولار ومدعية بأن فصلها من عملها كان جزءاً من حملة تشهير
ضدها بهدف حماية الطموحات الرئاسية لرودي جولياني عمدة
نيويورك السابق. كما صرحت ريغان أن رب عملها السابق طلب
منها أن تكذب على المحققين الاتحاديين لحماية سمعة جولياني
الذي تقول أن مردوخ يدعمه. من جانبه نفت نيوزكورب كل هذه
الأقوال التي وصفها متحدث باسمها بأنها "سخيفة."
على الرغم من أن معظم الناس يصفون مردوخ بأنه يميني محافظ
أو حتى من المحافظين الجدد فليس من السهل حقيقة توصيف
ميوله السياسية.
مردوخ الذي كان صديقاً كبيراً لمارغريت تاتشر رئيسة وزراء
بريطانيا السابقة اليمينية، غير أنه حول تحالفه لاحقاً
ليضعه غلى جانب طوني بلير العمالي وهو ما حول استطلاعات
الرأي فجأة لتصب في صالح بلير بين ليلة وضحاها.
في 1995 وصفت مقالة لنيويورك تايمز تحالف مردوخ وحزب العمل
بأمه "زواج بريطانيا الغريب" وقالت أن "مردوخ هو أقوى غير
البريطانيين في بريطانيا. قنواته الإعلامية... قوية النفوذ
جداً لدرجة أن منتقديه يتهمونه بأنه قادر لوحده على زعزعة
النظام الملكي وخطف نتيجة الانتخابات للطرف الذي يريده."
وإن كان الواقع هو على هذا النحو بالفعل، فقد رد له بلير
الجميل ف 1988 حينما تحدث هاتفياً مع رئيس الوزراء
الإيطالي رومانو برودي ليستمزجه فيما إذا كان صديقه مردوخ
سيواجه معارضة لخططه بخصوص شراء شبكة تلفزيون إيطالية.
خلال ولاية بلير في رئاسة الوزراء كان مردوخ من الزوار
المتكررين لمقر رئيس الحكومة، كما تشير وثائق كشف عنها
بموجب قانون حرية المعلومات إلى أنه أجرى مباحثات مع رئيس
الوزراء ثلاث مرات خلال الفترة التي سبقت غزو العراق حيث
كان مردوخ من أشد الداعمين لقرار الغزو.
أليستر كامبيل، كبير أخصائيي التلفيق في حكومة بلير يكشف
في مذكراته عن أن مساعده لانس برايس كان يصف مردوخ بالوزير
الرابع والعشرين في الحكومة البريطانية.
ويقول كامبيل: "كنا دوماً نشعر بحضور مردوخ. لم يكن
بالإمكان اتخاذ أي قرار مهم في مقر الحكومة البريطانية دون
أخذ رأي ثلاثة رجال في الحسبان وهم غوردون براون وجون
بريسكوت وروبرت مردوخ. بشكل عام، كان من الممكن تجاهل رأي
أي إنسان آخر غير هؤلاء حين أخذ القرارات الكبرى."
وقبيل رحيل بلير عن رئاسة الوزراء دالات أقاويل عن إمكانية
منح بلير عضوية مجلس إدارة نيوزكورب غير أن شيئاً من هذا
لم يحدث حتى الآن حيث مايزال رئيس الوزراء السابق مشغولاً
بمنصبه كمبعوث السلام في الشرق الأوسط للرباعية الدولية.
وهناك شائعات تقول أن إيماءة من أحد أعوان مردوخ مفادها أن
رئيسه ربما يلقي بثقله في كفة زعيم حزب المحافظين ديفيد
كاميرون في حال إجراء انتخابات عامة هو الذي أخاف رئيس
الوزراء غوردون براون وجعله يتراجع عن قراره إجراء هذه
الانتخابات وتأجيلها لوقت آخر أكثر ملاءمة له. وكانت
النتيجة أن براون ستعرض للخسارة لو أجرى الانتخابات
وسيتعرض للخسارة إذا ما أجلها لأن التأجيل جعله يتعرض
للاتهام بالنفاق والتردد.
القصة تثير القدر نفسه من التساؤلات في الولايات المتحدة
أيضاً. شبكة فوكس نيوز كانت أول من استخدم لقب الرئيس مع
اسم جورج دبليو بوش في وقت كانت فيه كل الشبكات
التلفزيونية الأخرى ما تزال تراهن على آل غور. بل إن جون
أليس، ابن خالة بوش والمسؤول عن التقارير الإخبارية
لبرنامج الليلة الانتخابية هو من أعلن فوز بوش في
الانتخابات والبعض يقول إنه بذلك أثر في نتيجة الانتخابات
لصالح قريبه.
فوكس نيوز "المنصفة والمتوازنة" كانت دائماً داعمة لبوش
ومشروع غزو العراق فيما أثنى مردوخ على بوش لعمله
"الأخلاقي" و"الصائب" مثلما أثنى على بلير لكونه "مفعم
بالشجاعة."
الصحف التي يملكها مردوخ تعبر عن ميوله هو رغم تكراره
القول للصحفيين بأنه يعطي مدراء تحرير هذه الصحف الحرية
الكاملة لوضع سياستها التحريرية بالشكل الذي يريدوه.
على سبيل المثال، قالت صحيفة صن في 14 مارس 2003: "الدجال
جاك شيراك يتلذذ بالإطراء الرخيص الذي تلقاه حملة ’أنقذوا
صدام‘ التي يقودها غير أن خيانته تلك ستكلف شعبه ثمناً
باهظاً. هذا الأناني المهووس المحب للاستعراض قد أوقع
ضرراً غير قابل للإصلاح في بعض من أهم بنى النظام الجديد
التي ما تزال هشة."
عن هذه الإشكالية تقول صحيفة غارديان: "علينا أن نعترف بأن
مردوخ إمبراطور إعلامي ذكي... وهو يتمتع بقدرة لا تخفق
أبداً في اختيار مدراء التحرير في كل أرجاء العالم ممن
يفكرون مثله. إذ بخلاف ذلك كيف يمكننا أن نفسر تلك الوحدة
الفكرية التي شملت كل إمبراطوريته الصحفية بخصوص ضرورة غزو
العراق."
ومؤخراً أخذ مردوخ ينتقد بوش لكونه "سيء وغير كفؤ في موهبة
التواصل" وأنه يتجمد حالما تظهر كاميرا تلفزيونية أمامه.
وقال أمام مؤتمر لرجال الأعمال في إبريل الماضي أن إدارة
بوش ستجد من الصعوبة بمكان تحقيق أي إنجاز في الشهور
الثماني عشرة المتبقية لها لأن أجواء واشنطن أصبحت مسممة
بالمزاج العدائي المناهض لبوش."
وفي يوليو 2006 أثار إمبراطور الإعلام صدمة في أوساط
المحافظين والليبراليين على السواء حينما نظم حفل إفطار
لجمع التبرعات لصالح المرشحة للرئاسة هيلاري كلنتون في مقر
شبكة فوكس نيوز. عن ذلك يقول الكاتب ديفيد سوانسون في
مقالة له في OpEdNews.com: "ثم أسرع مردوخ بعدها لتنظيم
حفل غداء لجمع التبرعات لصالح جون مكاين فما كان من هيلاري
إلا أن هرعت لإعلان دعمها الكامل لسياسات الحرب لكل من
إسرائيل وبوش."
هذا التنقل بين التحالفات السياسية جعل بعض المراقبين
يقولون إن أولوية مردوخ هي دعم الفائزين بغض النظر عن
سياساتهم.
أما في أستراليا فقد فضل مردوخ الصمت إزاء الانتخابات
العامة التي جرت مؤخراً. وقال إنه يفضل البقاء صامتاً لأن
ما يقوله هناك عادة ما يسبب له المشكلات. غير أنه أعلن
أيضاً دعمه لبقاء القوات الأسترالية في العراق ومن هذا
الموقف الواضح يمكن للمرء أن يستنتج أي الطرفين كان يدعم.
كذلك وجد مردوخ نفسه في الفترة الأخيرة وهو يتحالف على غير
هدى مع المعارضة المناوئة للحكومة المدعومة من الغرب في
جورجيا وزعيمها ميخائيل ساكاشفيلي حين تعرضت إحدى محطاته
التلفزيونية هناك لمداهمة القوات الحكومية لها وإغلاقها
خلال تظاهرات المعارضة.
ودفع إغلاق المحطة مردوخ لانتقاد الرئيس ساكشفيلي المقرب
من الغرب والرئيس بوش على سياساته غير الديمقراطية بشكل صب
في صالح المعارضة الموالية لروسيا. قد يبدو الأمر
مستغرباً، غير أن مردوخ في شبابه كان يعرف بلقب "مردوخ
الأحمر."
لكن الحقيقة هي أن مردوخ تربى في عائلة ثرية وأي ميول
يسارية ربما تكون قد بدرت منه لم تكن سوى مرحلة عابرة. ومع
أنه يفضل تصوير نفسه على أنه عصامي صنع نفسه بنفسه، إلا أن
الحقيقة هي أنه تربى في عائلة ثري.
والده كيث مردوخ كان مالك صحيفة ثري أرسله ليدرس في جامعة
أكسفورد على أمل أن يصبح صحفياً. وفي وصيته طلب الأب من
الأوصياء أن يعطوا روبرت الفرصة ليطور نفسه في صحيفته التي
يمتلكها، ذي نيوز. لكن تبين فيما بعد أن مهارات مردوخ
الصحفية كانت مشكوكاً فيها، إلا أنه كان يتمتع بموهبة
كبيرة في تحقيق الأرباح وتحويل المشاريع الفاشلة إلى شركات
ناجحة.
وبدأ مردوخ يشتري حصصاً في عدة صحف أسترالية ثم أسس في
1964 أول الصحف القومية في أستراليا، ذي أستراليان.
ومدفوعاً بالحماس والرغبة في التوسع خارج أستراليا أشترى
في 1968 صحيفة نيوز أوف ذي ورلد البريطانية بأموال اقترضها
مقابل رهن على أصوله في أستراليا.
ونجحت المغامرة ليشتري في 1973 أول صحفه في الولايات
المتحدة وهي سان أنطونيو إكسبريس نيوز. ثم دخل مردوخ عالم
التلفزيون السلكي في 1996 مع قناة فوكس نيوز الإخبارية
التي دائماً ما تتهم بأنها الناطق الرسمي باسم الجمهوريين.
على مر السنين صنع مردوخ لنفسه الكثير من الأعداء
والأصدقاء. وهو مكروه على وجه التحديد بين أوساط ناشطي
حقوق الإنسان لوصفه الدالاي لاما بأنه "ناسك عجوز شديد
التسييس يخب هنا وهناك بصنادل غوتشي" ولما يصفونه بأنه
"تملقه الشديد للحكومة الصينية."
وقد قيل الكثير عمن سيضع يده على إمبراطورية مردوخ بعد أن
يغادر الساحة. تزوج مردوخ ثلاث مرات وله ستة أبناء، غير أن
جيمس مردوخ وحده فقط هو الذي يعمل في شركات العائلة حيث
يدير شبكة بيسكايبي.
ويصف المراقبون جيمس بأنه "سر أبيه" ورغم الازدراء الذي
قوبل به حين انضم لشبكة بيسكايبي وأصبح أصغر رئيس تنفيذي
عمراً في التاريخ على قائمة الشركات المدرجة في مؤشر
فاينانشيال تايمز للأسهم 100، إلا أنه استطاع أني يكسب
احترام مساهمي الشركة ويخفف الاتهامات التي تصف تعيينه
بأنه نتيجة لمحاباة الأقارب.
وفي نوفمبر الماضي وصفت صحيفة تيليغراف جيمس مردوخ بأنه
الأمريكي الأكثر نفوذاً في بريطانيا. وباعتباره الوريث
البين لثروات والده، يبدو أن جيمس سيتقدم شيئاً فشيئاً
ليصبح الرجل الأكثر نفوذاً في العالم مثلما كان والده.
لننتظر ونرى!
|