لماذا
الخوف ؟
بقلم يول فيندلي
بول فيندلي، عضو الكونغرس الأمريكي بين 1961 و1983،
يلقي كلمة في حفل اللجنة الأمريكية العربية لمقاومة
التمييز في واشنطن، 8 يونيو 2007.
السيدة الرئيسة، السادة أعضاء اللجنة الأمريكية العربية
لمقاومة التمييز، الضيوف الكرام. السيدة ماري روز أوكر،
شكراً على هذا الامتياز الذي منحتموني إياه وعلى هذه
القيادة المهمة التي تمثلونها للأمريكيين العرب وغيرهم من
الجاليات الأمريكية. كانت أول مرة أنال فيها شرف مخاطبة
اللجنة الأمريكية العربية لمقاومة التمييز عام 1981 بدعوة
من السيناتور جيم أبو رزق. تخيلوا أن 26 عاماً قد على تلك
المناسبة.
خلال هذه السنين تراجعت حدة بصري وضعف قلبي كما تقول زوجتي
لوسيل إن سمعي قد أصبح شديد الانتقائية. واليوم أصبحت
مضطراً لاستخدام مسند للمشي أو كرسي العجلات، لدرجة تجعلني
أشتهي أن أعود لسن السبعين.
غير أن شيئاً واحداً لم يتغير فيّ. إنه التوق الذي يعتمل
في داخلي لتحقيق حقوق الإنسان للعرب والذي ما يزال قوياً
مثلما كان عليه حينما بدأت السير في هذا المسعى قبل 40
عاماً. وهذا التوق هو الذي أتى بي إلى هنا اليوم.
إن لدي رسالة مهمة أريد إبلاغها، ولن أجد مستمعين أفضل من
هذا الحفل لتبليغ الرسالة. لن ألتف وأدور حول الحقائق.
سأتحدث بكلمات مباشرة وواضحة.
وإليكم فحوى الرسالة: لقد آن الأوان للشعب الأمريكي ليتخلص
من خوفه من لوبي أجنبي. لقد تأخرنا كثيراً في الشروع في
حوار متمدن غير مقيد يتناول دور إسرائيل في مجتمعنا. يتعين
علينا أن نتعامل مع الواقع كما هو وأن نخرجه من الظل إلى
النور.
أليكم بعض الحقائق التي يجب أن تكون واضحة للجميع ومادة
للنقاش المفتوح:
أولاً: إسرائيل كانت السبب الرئيسي الذي دفع الولايات
المتحدة لغزو العراق. لم يكن صدام حسين يشكل أي خطر من أي
نوع كان على الولايات المتحدة. لولا الضغوط الشديدة من
جانب أنصار إسرائيل لما كان جنودنا يخوضون قتالاً ويموتون
في العراق اليوم. هذه الحرب هي أكبر الحماقات التي
ارتكبناها في تاريخنا. التكلفة المالية لغزو العراق اقتربت
من نصف ترليون دولار. والتكلفة البشرية في صفوف قواتنا
ستصل قريباً إلى 4 آلاف. آلاف الأمريكيين غيرهم أصيبوا
بعاهات دائمة، دع عنك القتلى والمشوهين من العراقيين.
ثانياً: إن تواطؤنا مع إسرائيل كان السبب الرئيسي وراء 11
سبتمبر. هجمات 11 سبتمبر ما كان لها أن تقع لو أن رئيساً
أمريكياً واحداً طوال أربعين عاماً مضت رفض أن يمول تدمير
وإذلال إسرائيل للشعب الفلسطيني.
لقد قال أسامة بن لادن مراراً أن 11 سبتمبر هي رد على
تواطؤ الولايات المتحدة في المذبحة الإسرائيلية ضد لعرب
عام 1982 حين استخدمت الأسلحة الأمريكية المجانية في قتل
أكثر من 18 ألف من الأبرياء. العرب محقين في اتهامهم
الولايات المتحدة على ذلك وليس إسرائيل فحسب.
ثالثاً: إن إسرائيل، ووحدها إسرائيل، هي التي تضغط على
الولايات المتحدة لمهاجمة إيران. وهي ضغوط هائلة.
رابعاً: إن كل الساسة البارزين يخشون أن يدعوا علناً
لتحرير أمريكا من السلوك الإجرامي لدولة إسرائيل. وعلى
الرغم من الأدلة الدامغة على أن إسرائيل قد أجبرت أمريكا
على التورط في مشكلة عويصة ومكلفة، لا نجد مرشحاً جاداً
للرئاسة في 2008 يطلق أي تحذير من هذا الأمر. كلهم خائفون.
الخوف من إسرائيل يضرب جذوره في أعماق أبعد من السياسة ومن
واشنطن. إن يشل كل ركن من أركان مجتمعنا.
|
|
إن النفوذ الإسرائيلي الفتاك هو أكثر التحديات التي تواجه
بلدنا خطراً وتكلفة وإزعاجاً. غير أن كل واحد منا يتصرف
وكأنه من قلة الأدب أن يتلفظ الإنسان ببنت شفة ينتقد فيها
جرائم إسرائيل. ودوماً ما يكون ردنا على هذه الجرائم هو
الصمت.
لماذا هذا الخوف؟ ما الذي حل بهذه الأمة؟ كيف سقطنا في مثل
هذا المأزق؟
القصة برمتها بدأت قبل 40 عاماً. لقد كان يوم 8 يونيو 1967
يوماً للعار. في ذلك اليوم أدار القائد الأعلى للقوات
المسلحة الأمريكية، الرئيس ليندن جونسون، ظهره لطاقم سفينة
البحرية الأمريكية يو إس إس ليبرتي رغم أن السفينة كانت
تتعرض لهجوم فتاك من القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية.
لقد قام الإسرائيليون يومها بمؤامرة بشعة لجر قدم الولايات
المتحدة وتوريطها في حربهم ضد العرب. وحاولوا إغراق
السفينة ليبرتي وكامل طاقمها دون ترك أي أثر ليشيروا بإصبع
الاتهام بعدها للعرب في إغراقها. وكان هدفهم أن يحرضوا
الرأي العام الأمريكي بشكل يدفع الولايات المتحدة مباشرة
للمشاركة في الحرب ضد الدول العربية. وكادت المؤامرة أن
تنجح.
غير أن أنها فشلت لأن طاقم السفينة وعلى الرغم من عنف
الهجوم نجحوا في إطلاق إشارة استغاثة. وحين وصلت الإشارة
إلى حاملات الطائرات القريبة، أرسل قادتها مقاتلاهم للدفاع
عن السفينة ليبرتي.
لكن حين وصل خبر إرسال المقاتلات إلى الرئيس جونسون أعطى
أوامره لإعادة المقاتلات إلى حاملات الطائرات. أنا أعرف أن
هذه هي الحقيقة، رغم أنه من الصعب تصديقها. لقد أمر الرئيس
جونسون بعودة المقاتلات إلى حاملات الطائرات فوراً.
لأول مرة في التاريخ يتم فيها منع القوات البحرية
الأمريكية من ممارسة حقها في الدفاع عن إحدى سفنها وهي
تتعرض لهجوم. يمها قال جونسون وسمعه الآخرون: "لا يهمني أن
تغرق السفينة، لن أقبل بإحراج حليف لنا." كانت تلك كلماته
بالحرف التي سمعها عناصر اللاسلكي الذين كانوا يشغلون
محطات الإشارة. أما الحليف الذي رفض الرئيس جونسون إحراجه
فلم يكن سوى إسرائيل. إذ بالنسبة له كان إنقاذ إسرائيل من
الحرج قضية أكثر أهمية من إنقاذ أرواح طاقم السفينة
ليبرتي.
غير أن يوم العار ذاك لم ينته عند ذلك الأمر فحسب، فقد قرر
الرئيس جونسون قبول إدعاء إسرائيل بأن الهجوم كان نتيجة
خطأ في تحديد هوية السفينة على الرغم من أنه يعرف تماماً
أنهم كانوا يكذبون. ثم قرر أن يعظم من حجم العار بإعطاء
أوامره بالتغطية على الحقيقة. وأعطيت الأوامر للناجين من
الهجوم على ليبرتي أن يقسموا على إبقاء الحادثة طي
الكتمان.
حتى الناجون الذين تعرضوا لإصابات شديدة تم تهديدهم وهم في
المستشفيات بالتعرض لمحاكمات عسكرية إن كشفوا حقيقة ما حدث
لأي كان. كانت تلك تغطية مصيرية للحقائق ما تزال مستمرة
حتى اليوم.
كانت أيضاً نقطة تحول مصيرية لقوة إسرائيل داخل أمريكا.
عار ليبرتي أقنع المسؤولين الإسرائيليين إنهم قادرون على
فعل كل ما يريدون دون عواقب بكل معنى الكلمة، حتى لو كان
ما يريدوه هو قتل بحارة أمريكيين، للتلاعب في الحكومة
الأمريكية.
ثم بدأت المساعدات المالية الأمريكية تتدفق كالنهر
لإسرائيل، وكلها دون أن تكون خاضعة لأي قيد. وهذه الدعم
المالي قد كلف دافع الضرائب الأمريكي حتى الآن أكثر من 1.4
ترليون دولار حسب تقديرات صحيفة كريستيان ساينس مونيتور
ودون أن تبدو لهذا النهر نهاية في الأفق. هذا الدعم ألقى
بالمصائب على الآلاف من العائلات الأمريكية للأبد. كما دمر
أيضاً الموقف الأخلاقي للولايات المتحدة الذي كان صاحب
اليد العليا ذات يوم. بسبب إسرائيل أصبحت واشنطن محطاً
لكراهية العالم على نحو لا سابق له.
غير أن قلة من الشجعان فقط تجرؤوا على الحديث عن هذا العبء
الثقيل. ورغم أن أكثر من 20 سياسياً يتنافسون على الترشح
للرئاسة الأمريكية اليوم، ولكن أحداً منهم لم يقل كلمة حتى
الآن يحذر فيها من الهيمنة الإسرائيلية على أمريكا. صحيح
أن رجل الدولة العجوز العظيم، جيمي كارتر، قد حاول إطلاق
حوار حول الموضوع في كتابه المتميز "فلسطين: سلام وليس
أبارتيد" غير أن صوته لا يزال يتردد وحيداً.
الصمت على جرائم إسرائيل يطبق على كل الأرض، وليس على
الكونغرس فحسب. أمريكا الجبارة خائفة، نعم هي خائفة. هذه
الأمة العظيمة تشعر بالرعب من جماعة ضغط تعمل لصالح دولة
صغيرة لا يزيد سكانها عن 6 ملايين.
لماذا الخوف من إسرائيل؟ ألا يوجد لدينا ساسة يتحلون
بالصدق والشجاعة والجرأة؟ ما الذي نستطيع أنا وأنتم أن
نفعله؟ جوابي هو أننا نستطيع فعل الكثير. نستطيع أن ننضم
لجيمي كارتر ونبقي هذا السجال مفتوحاً. يجب أن نواجه كل
مرشح للكونغرس والرئاسة بأسئلة صعبة وغير مهادنة بخصوص
الدعم الأمريكي لإسرائيل.
كل منا مطالب بالمساهمة. لا يوجد هناك موضوع آخر أكثر
أهمية من سجال صريح ونزيه. يجب أن نتحدث بنزاهة وصراحة في
كل فرصة عن القوة الخطرة التي تتمتع بها إسرائيل في بلدنا
الحبيب.
إسرائيل هي التي تحكم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
وكل منا يتحمل بعض اللوم على السماح لذلك بأن يحدث. لقد
خذلنا أمريكا بصمتنا. لم نتكلم بما يكفي. أنا على يقين
بأنه كان علي أن أفعل المزيد. لكن ماذا عنكم؟ لم يفت
الأوان بعد. العمل الحازم سيقضي على الخوف. أليس هذا
صحيحاً؟
فهل ستقدمون العون؟ هل ستساهمون في تحرير أمريكا؟ هل لديكم
العزم؟ هل ستصرون على ألا تتراجعوا ولا تتوقفوا؟ ألا
تتراجعوا أبداً؟
|