|
الغوص السطحي
في
الإمارات
بقلم: ماريجيك جونغبلود
تتمتع الرياضات المائية بشعبية طبيعية في الإمارات العربية
المتحدة بحكم المناخ الحار. ومن أجمل هذه الرياضات المائية
التي يمكن الاستمتاع بها في الإمارات هناك الغوص العميق
بأجزهة الغطس والغوص السطحي. وفيما تحتاج ممارسة الغوص
العميق لقدر من التدريب، فإن الغوص السطحي لا يحتاج إلى
مهارات مميزة حيث يمكن لكل من يجيد السباحة أن يستمتع بهذه
الرياضة ليصبح جزءاً من العالم الساحر تحت سطح البحر.
هناك مراكز عديدة في إمارتي دبي والشارقة وبعض الفنادق على
الساحل الشرقي للبلاد توفر دورات تدريبية معتمدة من شركة
بي أيه دي آي العالمية لمنتجات الغوص كما توفر معدات الغوص
وغيرها من معدات البحر للإيجار إضافة لمرشدين سياحيين
مختصين بأفضل مواقع الغوص.
تتركز معظم نشاطات الغوص في الخليج العربي حول حطام سفن
الشحن الغارقة والحيود الاصطناعية الجديدة التي بنيت على
ساحل جبل علي في إمارة دبي. أما ما تبقى من شطآن الخليج
الضحلة والمنبسطة فلا تعتبر جذابة للغواصين.
ولكن هناك مواقع جيدة لممارسة هذه الرياضة على جزيرة القرش
في خورفكان وصخرة مارتيني والشاطئ القريب من جزيرة شرم
(وخصوصاً لمن يريد مشاهدة المرجان وبالتحديد ليلاً) وصخرة
دبا وصخرة ليما إلى الشمال. أما أكثر المواقع احتفاظاً
بطبيعتها البكر فتوجد على امتداد الشاطئ الصخري لخور حبلين
شمال مسندم. كما يوفر الشاطئ الصخري شمال فندق أوشيانك
والشاطئ شمال دبا تجربة جميلة للغوص السطحي.
وفيما يتطلب الوصول إلى كل هذه المواقع استخدام القوارب
فإن الوصول إلى جزيرة سنوبي سهل سباحة أو حتى مشياً من
الشاطئ وقت الجزر، حيث توجد هذه الجزيرة مباشرة قبالة
الشاطئ الرملي أمام الفندق هناك. ولا يتطلب الأمر الكثير
من الوقت للسباحة حول الجزيرة، لكن ما إن تضع القناع
الزجاجي وأنبوب التنفس على رأسك فستمضي ساعات قبل أن تتمكن
من انتزاع نفسك من ذلك العالم الرائع تحت سطح الماء.
المياه ضحلة جدا ً على الشاطئ الغربي لجزيرة سنوبي والقاع
يحتشد بالصخور التي يتكاثر بينها خيار البحر وقنافذ دولار
الرمل. الجانب الجنوبي من الجزيرة تتميز بمساحات واسعة من
المياه الضحلة التي يكثر فيها المرجان الشعبي والصخري فيما
الجانبان الغربي والشمالي أكثر عمقاً ويوفران مشاهد جميلة
للتجاويف الصخرية وأحياء مياه المحيط العميقة. وتكثر
الأسماك في المياه القريبة من الجزيرة حيث تمكن مشاهدة
أسماك البهلوان السريعة وهي تلعب لعبة الاختفاء بين أطراف
أنيمونات البحر وأسماك الراس الصغيرة الملونة وأسماك ترانك
غريبة الشكل.
في المياه الضحلة يمكن للغواصين أن يبحثوا بين الصخور
لمشاهدة الأصداف البحرية. وبالطبع فإن الأصداف في قاع
البحر تكون عادة ما تزال محتفظة بالحيوان الرخوي داخلها.
ورؤية أحد هذه الحيوانات وهو يتحرك حاملاً صدفته فرصة
رائعة بالفعل. الألوان تحت الماء تكون أكثر بريقاً وجمالاً
منها حين تنجرف الصدفة إلى الرمال على الشاطئ. حلزن القمر
(ناتيكا ألابابوليونيز) حيوان مفترس يثقب الأصداف ليصل إلى
المخلوق الرخوي بداخلها. وغالباً ما تمكن مشاهدة ضحاياه
على شكل أصداف مرمية على الشواطئ تحمل ثقباً متقناً يحكي
قصة مصيرها. حلزون القمر يترك على الشطآن أيضاً أثراً آخر
لوجوده وهو: ياقات الرمل. وهذه البنى المدهشة ذات الحواف
المموجة ما هي في الحقيقة إلا حاضنات بيوض هذا الحلزون
التي يصنعها بعجن الرمل والوحل من قاع البحر مع بيوضه
اللزجة. وحين نجدها على الشاطئ في مكان تراجع مياه الجزر
عادة، تكون مرنة ويمكن حملها دون أن تتفتت ولكنها تبدأ
بالجفاف بعد قليل وتصبح سهلة الكسر. والطريقة الوحيدة
لتجعلها تحتفظ بشكلها هي أن ترشها بمثبت شعر.
الحيوان الرخوي الآخر الشائع على الساحل الشرقي هو سيبرايا
أوسيلاتا وهو أحد أنواع الودع. وهناك أيضاً الأصداف ذات
المصراعين وأصداف فينوس ومحار السكالوب. وعلى الرغم من أن
معظمها زاحفة، إلا أن فصيلة واحدة من السكالوب الناري تدعى
ليما فراغيليس يمكنه أن تتحرك عبر دفع نفسها بالماء
لمسافات قصيرة بإطباق مصراعيها.
وعلى الصخور في مناطق الجزر تمكن مشاهدة المحار وأصداف
الصخور والشيتون. وتبدو هذه المخلوقات وكأنها ملتحمة
تماماً بالصخور. وهذا الالتصاق القوي ضروري لها لتقاوم
حركة الموج لأنها توجد دوماً على الخط بين الماء والبر.
ولعل أحد أروع المشاهد التي تمكن مشاهدتها هي عاريات
الخيشوم التي تتهادى متلوية في الماء. وتتميز أجسام هذه
الحلزونيات ببقع غريبة وألوان نارية وتتحرك في الماء
وكأنها تؤدي رقصة بالعرض البطيء. وتستخدم ألوانها البراقة
كإنذار للمفترسين بأنها قادرة على لسعهم لسعة مؤلمة إن
سولت لهم أنفسهم الهجوم. وهي بالفعل تلسع لأنها تتغذى على
أنواع متعددة من اللافقاريات اللاسعة مثل الهيدرات
وأنيمونات البحر وتستطيع أن تخزن المواد اللاسعة في
أجسادها. اكثر حلزونات البحر شيوعاً هي حلزونات كرومودورس
أنولتا وهي حلزونات بيضاء ببقع حمراء وصفراء. والتغضنات
التي على ظهرها هي خياشيمها العارية المكشوفة ومن هنا أتى
اسم الفصيلة- عاريات الخيشوم.
على سواحل المحيط تكثر أسراب السردين وأسماك سيرجنت ماجور
(أبودفدوف ساكساتيلس) وأسماك الملاك ذات البقع الصفراء
(بوميكانتوس ماكولوسوس) التي تسبح وكأنها معلقة في الماء
أو تنطلق بحركات سريعة متكررة. أسماك السردين تتحرك ضمن
أسراب ضخمة وكأنها كتلة عملاقة واحدة. وهذا السلوك هو
ممارسة دفاعية حيث السلامة في كثرة العدد. إذ حينما تبدأ
سمكة مفترسة في الهجوم على السرب تتبعثر الأسماك في كل
الاتجاهات مسببة الاضطراب والتشويش للمهاجم مما يمنعه من
الإمساك بفريسة.
سمكة الجراح (أكانثاروس إس بي) من بين أكبر الأسماك حجماً،
وقد سميت بهذا الاسم لأن لها شوكة حادة جداً على كلتي
نهايتي ذيلها تستطيع السمكة إخفاءهما داخل غمديهما حين لا
تكون بحاجة لهما. أما حين تستلهما تصبح الشوكتان سلاحاً
فتاكاً في أي مواجهة، حيث تضرب بذيلها يمنة ويسرة مسببة
جروحاً عميقة في بدن خصمها. وعادة ما تتحرك أسماك الجراح
في أسراب صغيرة.
وهناك أيضاً سمكة رائعة أخرى هي سمكة بيكاسو (رينكانثوس
أكيولاتوس) التي يمكن تمييزها بسهولة بألوانها الفاقعة على
شكل خطوط وبقع.
وإذا ما كان الغطاس محظوظاً فيمكنه أيضاً مصادفة مخلوق
فضولي هو الحبار الذي سبق وأن سبحت معه ذات مرة. كان
الحبار يحوم حولي مستعرضاً ألوانه الرائعة التي كانت تتحرك
على جسده جيئة وذهاباً وكأنها صباغ فوسفوري سائل في جلده.
وبعد تلك المصادفة ما كان أتعسني وأنا أرى مجموعة منها على
الشاطئ صيدت ببندقية بحرية بيد مفترس بشري.
وما من داع للغواص لأن يشعر بالخوف إذا ما رأى قرش الحيد
أبيض الزعنفة أو القروش الصغيرة التي تحوم أحياناً قرب قاع
البحر فهي قروش ودودة. كما لا يحتمل أن يصادف الغواص أحد
أنواع القروش الخطرة في مواقع الغوص السطحي على الساحل
الشرقي. صحيح أن قرش المطرقة قد يوجد هناك أحياناً غير أنه
يبقى في المياه العميقة عادة.
من المخلوقات الكبيرة الأخرى التي يمكن مصادفتها هنا
السلحفاة الخضراء (كيلونيا ميداس). إذ ما تزال هذه السلاحف
تعشش قرب كلباء على الرغم من أن أعدادها قلت كثيراً عن
السابق.
الحقيقة هي أن الساحل الشرقي أصبح بحاجة للحماية إذا ما
أريد له أن يبقى منطقة جذب سياحي بحرية. هناك الكثير من
أنشطة الصيد على امتداد هذا الساحل وما يؤسف له أن عمليات
إفراغ النفط والبقايا الصناعية ما تزال تحدث بشكل متكرر.
ومع أن السلطات في الفجيرة قد اعتبرت العديد من المناطق
محميات طبيعية غير أنها لا تفعل الكثير لتطبيق القانون.
الصيد بالبندقية البحرية أدى إلى تقليص التنوع الحيوي إلى
حد كبير في المنطقة، مثل جزيرة سنوبي على سبيل المثال، حيث
لم يعد بالإمكان رؤية العديد من الفصائل الرائعة التي كانت
موجودة قبل عقدين من الزمان فحسب.
أما المواقع الشمالية على ساحل مسندم مثل جزيرة ليما فهي
ما تزال تحافظ أكثر على حالتها البكر. ولعل ممارسات الصيد
السيئة هي الأكثر إضراراً بالحياة البحرية مثل إنزال
المراسي في الحيود المرجانية وقراقير الصيد السائبة التي
يمكن أن يقتل أحدها مئات الأسماك على مدار السنة إضافة إلى
شباك الجرف التي يمكن أن تعلق فيها المخلوقات البحرية التي
تتنفس الهواء مثل السلاحف والدلافين وحتى الحيتان وتموت
خنقاً.
وعلى الرغم من أن الغوص السطحي ليس فيه الكثير من المخاطر
فهناك بعض المحاذير التي يجب وضعها في الحسبان. وعلى سبيل
المثال يجب الحذر عند جزيرة سنوبي في الأماكن التي توجد
فيها صخور متناثرة على القاع لأن من الممكن جداً ان تكون
إحدى هذه الصخور المغطاة بالطحالب سمكة الصخور. وهذه
السمكة نادراً ما تتحرك من مكانها طوال حياتها حيث تعتمد
على قدرتها الكبيرة على التمويه والتخفي لتمسك بالأسماك
العابرة غير الحذرة وعلى أشواكها الظهرية السامة لتحمي
نفسها. ومن الخطر جداً أن يدوس الإنسان على هذه السمكة لأن
سمها والألم الذي يسببه أيضاً قد يكونا قاتلين. ولهذا فإن
النصيحة هي ضرورة عدم وطئ أي صخرة حتى مع لبس الزعانف. وقد
تم توثيق وجود سمكة الصخور في الساحل عند دبا وخورفكان
أيضاً.
سمكة العقرب خطرة أيضاً، وهي تختلف عن سمكة الصخور في أنها
تتحرك وعيناها ظاهرتان رغم أن السمكتان متشابهتان جداً.
ومع أن سمكة العقرب سامة أيضاً إلا أن لسعتها ليست بخطر
لسعة سمكة الصخور.
وينصح الغواصون أيضاً بتجنب قنافذ البحر (إيشينوميترا
ماثيا ودياديما إس بي بي) والتي تمكن رؤية المئات منها بين
الصخور. فأشواك هذه المخلوقات البنية الغامقة حادة جداً
ومن الصعب جداً إخراجها من الجسم إذا ما انغرست في كعب
القدم أو راحة اليد. كما أنها يمكن أن تسبب إصابات جرثومية
بعد إزالتها من الجسم.
ومن المحاذير أيضاً سمكة الأسد (بتيريوس فولانوس) ذات
الخطوط البيضاء والبرتقالية الحمراء وأشواكها الطويلة.
ومما يقلل من خطرها رغم السم القوي في هذه الأشواك هو أن
السمكة كثيرة الحركة الأمر الذي يسهل ملاحظتها وتجنب
التعرض لها.
ثم هناك أفاعي البحر وأكثرها شيوعاً أفعى البحر صفراء
البطن (بيلاميس بلاتوروس) حيث تكثر على ساحلي المحيط
والخليج. هذه الأفاعي غير عدوانية عموماً كما أن أفواهها
صغيرة جداً وبالتالي ليس من السهل عليها أن تلدغ فريسة
ضخمة الحجم، غير أن سمها قوي جداً. ولعل من المطلوب أن
يكون سمها قوياً لأن السم يتمدد في ماء البحر مما يضعف
مفعوله وهو الوسيلة الوحيدة لديها لتصيد بفاعلية.
وأخيراً هناك سمكة اللخمة أو الراي اللاسع (تيانيورا
ميلانوسبينا) والتي تكثر في مياه الخليج حيث الساحل أقل
انحداراً بكثير من الساحل الشرقي. وهذه الأسماك الكبيرة
المسطحة تقترب كثيراً من الشاطئ في مواسم تبدل الفصول
(سبتمبر-أكتوبر ومارس-إبريل). وتقبع هذه الأسماك على القاع
نصف مغطاة بالرمل وإذا ما داس أحدهم عليها تضرب كالسوط
بذيلها الذي ينتهي بشوكة كبيرة. وعادة ما تكون الضربة
قريبة من الكاحل ويقول من جربها إن الألم لا يحتمل. غير أن
اللسعة ليست سامة ويبدأ الألم بالتراجع بعد حوالي سبع إلى
ثماني ساعات ويمكن تخفيف الألم بتغطيس الجزء المصاب في ماء
ساخن جداً. وبعدها من الأفضل أخذ مضاد حيوي لأن الطبقة
المخاطية التي تحيط بالشوكة يمكن أن تكون محتوية على
الكثير من الجراثيم.
كذلك يجب على هواة جمع الأصداف أن يكونو حذرين أيضاً عند
الإمساك بالأصداف المخروطية (كونوس إس بي بي) وذلك بالحرص
على جعل الشق الرفيع في الصدفة بعيداً عن الجسم لأن
المخلوق الرخوي الذي بداخلها ربما يقذف بسن مجوف يشبه
الحربة ليحقن العدو بسم عصبي. وفي كل الأحوال من الأفضل
جمع الأصداف الميتة فقط لحماية الطبيعة.
وما دمت تتوخى الحذر من هذه المخاطر القليلة في البحر فإن
رحلة الغوص السطحي ستكون تجربة رائعة تتذكرها طوال حياتك.
|