|
ما الذي يدفع
الدولار
نزولاً؟
بقلم: ليندا هيرد
تخلت الكويت في مايو الماضي عن ربط عملتها بالدولار
الأمريكي بهدف كبح جماح التضخم المتعاظم باضطراد والذي
أطلقه من عقاله ارتفاع تكلفة الواردات من أوروبا والشرق
الأقصى. وأتي هذا القرار الكويتي في أعقاب قرارات مماثلة
اتخذتها كل من روسيا والصين وماليزيا. وأصبح الدينار
الكويتي اليوم مرتبطاً بسلة من العملات ويتوقع أن ترتفع
قيمته بنسبة 0.35 نهاية العام الحالي. وكان من الممكن لهذا
الارتفاع أن يكون أكبر لولا قرار الحكومة الكويتية برفع
أسعار الفائدة بهدف كبح جماح المضاربين. غير أن باقي الدول
الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ما تزال تعارض اتخاذ
قرارات مشابهة. وقد وصف سلطان بن ناصر السويدي، محافظ
المصرف المركزي في الإمارات العربية المتحدة، ربط عملة
بلاده بالدولار بأنه مرساة استقرار للاقتصاد. حتى وقت قريب
نسبياً كانت قلة من النقاد فقط تستطيع المجادلة ضد هذا
الرأي. لكن إلى أي مدى يتمتع الدولار بالاستقرار يا ترى؟
كان الثالث من يوليو الماضي يوماً أسود للدولار الأمريكي
حيث حيث انخفضت أسعاره بسنت واحد عن أدنى مستوياته السابقة
على الإطلاق مقابل اليورو وهو 1.3611 دولار كما انخفض
الدولار إلى أدنى مستوى له طوال 26 عاماً مقابل الجنيه
الاسترليني. وقد كان الاقتصاد البريطاني يتعافى من آثار
الهجمات الإرهابية الفاشلة، وهو ما عزز قوة الجنيه
الإسترليني بهذا الشكل مقابل الدولار.
هذا الضعف للدولار كان خبراً سيئاً للمقيمين العاملين في
دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص لأن هؤلاء يقبضون
مرتباتهم بالدولار أو بعملات مرتبطة بالدولار كما أن عليهم
التزامات مالية في بلدانهم مثل القروض العقارية أو
العائلات التي يعيلونها.
كما أن المتقاعدين الذين يقبضون معهاشاتهم بالدولار قد
تأثروا أيضاً. وقد ذكر لي أحد الأصدقاء الذي أمضى حياته
يعمل في منظمة اليونسكو بأن 25 في المئة من قيمة تقاعده قد
ضاعت.
ويأمل معظم الناس أن يكون ضعف الدولار حالة مؤقتة ويبدون
استعدادهم لتحمل العاصفة إذا كانت الحال كذلك. غير أن
عدداً متنامياً من المحللين الماليين يحذرون من أن الأسوأ
لم يأت بعد كما أن قلة منهم فقط حتى الآن يقولون إن
الدولار ربما لن يعود لسابق عهده.
إذاً ما هي العوامل التي تدفع الدولار نحو الانخفاض؟
لعبت أسعار الفائدة مؤخراً دوراً في انخفاض الدولارن فقد
رفع بنك إنكلترا سعر الفائدة الأساسية إلى 5.75 في المئة
وكان أحد أسباب هذا القرار محاولة إبطاء الارتفاع الكبير
في سوق العقارات السكنية البريطاني. كما أن من المتوقع
للاتحاد الأوروبي ايضاً أن يرفع أسعار الفائدة لاحقاً هذا
العام انسجاماً مع قوة النمو الاقتصادي بعد أن كان قد
أبقاها ثابتة عند 4 في المئة.
وفي المقابل فإن الولايات المتحدة تشعر بأنها مقيدة بعد
انفجار فقاعة سوق العقارات السكنية التي تركت أثراً كبيراً
على الاقتصاد وهو ما يعني أنه فيما لو رفع الخزانة
الاتحادية أسعار الفائدة فإن مبيعات العقارات قد تتعرض
لمزيد من الاختناقات. وهذا بدوره سيكون له أثر سلبي على
الانفاق الاستهلاكي مما قد يؤدي إلى إطلاق مرحلة من
الركود.
ليس هذا فحسب، إذ كان صندوق النقد الدولي قد حذر أوائل هذا
العام من الحاجة إلى تخفيض أسعار الدولار لتقليص حجم
المديونية الأمريكية وتخفيف حدة عجز الميزان التجاري
الأمريكي البالغ 765 مليار دولار. وهذا الأمر يعنى بالأثر
العملي أن الولايات الامتحدة نتيجة لتراجع قيمة الدولار
ستتمتع بحسومات على وارداتها وهو ما قد لا يعجب المصدرين.
ومن الطبيعي أن نجد المزيد من المضاربين والمستثمرين
والمدخرين منجذبين إلى معدلات الفائدة الأكبر التي يوفرها
لهم الاسترليني واليورو الذان أثبتا تمتعهما باستقرار أكبر
من الدولار.
النمو الكبير المتحقق في منطقة اليورو جعل السندات الصادرة
باليورو أكثر جاذبية للمستثمرين من السندات الصادرة
بالدولار. وقد حققت سندات اليورو نمواً أسرع من سندات
الدولار.
بدأت المصارف المركزية تنويع احتياطياتها من العملات
الأجنبية حيث أعلن المصرف المركزي الصيني في مارس الماضي
أن الصين لا تعتزم زيادة احتياطياتها من العملات الأجنبية
بعد الان، فيما ألغت سوريا وإيران الدولار نهائياً.
تعمل دول الشرق الأوسط والخليج على تنويع استثماراتها
الخارجية كما بدأت تستثمر في اقتصاداتها أموالاً كانت
تتوجه عادة في السابق إلى احتياطيات للعملات الأجنبية.
وهذا التوجه ينطبق على نحو خاص على السعودية والبحرين
والإمارات.
هناك مخاوف من أن الدول المصدرة للنفط ستبدأ ببيع نفطها
باليورو أو غيره من العملات مثلما فعل العراق قبل الغزو
ومثلما تحذر إيران وفنزويلا أنه ستفعل.
وهذا سيعني بالنسبة للدول المستوردة للنفط المضطرة حالياً
للاحتفاظ باحتياطات كبيرة من البترودولار أنها ستتمكن من
التخلص من الدولار واختيار عملات أخرى. يذكر أن الدولار
يمثل حالياً 66 في المئة من إجمالي احتياطيات المصارف
المركزية في العالم.
وإذا ما قدر لهذا أن يحدث سيفقد الدولار موقعه الجذاب
كعملة مفضلة للاحتياطي العالمي حينما تجد الولايات المتحدة
أن قبضتها على اقتصادات العالم قد تراجعت. ومثلما يمكن لنا
أن نتوقع قد نرى الدولار خاضعاً لمفعول الدومينو الذي
سيقود إلى عمليات بيع ضخمة للتخلص من الدولار على نحو يؤدي
إلى انخفاض هائل في قيمته.
أضف لذلك أن الدولار إذا ما فقد أهميته بالنسبة لأسواق
النفط فإن قيمته الحقيقة ستصبح مثاراً للكثير من التساؤلات
فيما يتعلق بالاقتصاد الولايات المتحدة وعجز ميزانها
التجاري ومديونية موازنتها.
الأمريكيون بشكل عام كانوا لسنوات عديدة يعيشون في مستوى
أعلى من إمكانياتهم الحقيقية. معدلات استهلاك الأمريكيين
مرتفعة وكذلك هو حال معدلات اقتراضهم. وقد وصل هذا الأمر
إلى مستوى يصعب تصديقه حيث بلغت مديونيتهم الوطنية 8.8
ترليون دولار، أي 28 ألف دولار للفرد.
وفي
الوقت نفسه نجد أن الحكومة الأمريكية تعاني عجزاً يبلغ 9
مليارات دولار أي ما يعادل سبعة في المئة من إجمالي الناتج
القومي.
يذكر أن توقعات نمو إجمالي الناتج القومي الأمريكي هي 2.1
في المئة فقط مقارنة مع 3.3 في المئة عام 2006.
كما أن التراجع الذي تعرضت له الصناعة التحويلية
والاستثمار وزيادة التعهيد الخارجي للوظائف يقلص قدرة
الولايات المتحدة على المنافسة في السوق العالمي.
وهذه المعطيات المحزنة تعني أن الدولار وعلى الرغم من أنه
قد تراجع إلى مستويات تعتبر تاريخية في انخفاضها فإن قيمته
الحقيقة تقوم على عوامل اقتصادية أكثر ضعفاً مما يعتقد
أنها عليه.
ومن المحتمل الآن أن الدولارات التي يتم تداولها حول
العالم حالياً هي أقل من تلك التي كانت تستخدم سابقاً
خصوصاً وأن الاحتياطي الاتحادي الأمريكي يرفض نشر أرقامه
بهذا الصدد.
وعدم الاستعداد هذا للالتزام بالشفافية لا يشجع ثقة
المستثمرين بل يثير أسئلة من مثل "ما الذي يخفونه عنا؟" هل
يخشون من أن يتحول التسرب غلى طوفان إذا ما عرف العالم
بأمر الهروب بعيداً عن الدولار؟
أديسون ويغين، مدير تحرير "ديلي ريكوننغ" ومؤلف كتاب "يوم
الصحوة المالية: النجاة من ركود القرن الواحد والعشرين"
يطرح هذا السؤال: "هل هذا يعني أن العصر الأمريكي ماض نحو
نهايته؟" ويجيب على سؤاله بالقول" "لا، إنه يعني أن القوة
الاقتصادية ستمارسها أطراف أخرى في المستقبل."
أما الدول المرشحة لملأ هذه الفجوة وإبقاء الاقتصاد
العالمي واقفاً على قدميه فهي اليابان والصين والهند
ومنطقة اليورو.
غير أن هناك رأياً آخر يعبر عنه أناتول كاليتسكي في عموده
بعنوان "موت الدولار مبالغ فيه جداً" الذي نشره في صحيفة
تايمز ديسمبر الماضي. يقول كاليتسكي: "عناوين الصحف تصرخ
قائلة إن الدولار قد أصبح بلا قيمة فيما الكبار في السوق
والمصارف المركزية والساسة يبدون وكأنهم مجمعون على أن
الاتجاه الوحيد للدولار والاقتصاد الأمريكي من الآن
وصاعداً هو للأسفل."
ويضيف: "نادراً ما افتقرت عملة أو أصول مالية مهمة في
التاريخ الحديث للأصدقاء مثلما هي عليه حال الدولار الآن."
لكن على الرغم من هذه المؤشرات فإن كاليتسكي متفائل. وهو
يعتقد أن الاقتصاد الأمريكي سيعود للتسارع أواخر هذا العام
فيما اقتصادات بريطانيا ومنطقة اليورو "مرشحة للتعرض
لتباطؤ قاس إذا ما بقي اليورو والجنيه على مستوياتهما
الحالية مقابل الدولار والعملات الآسيوية." وبالتالي فهو
يتوقع " أن تغيراً كبيراً في الاتجاه في أسواق العملات
أصبح محتملاً."
لكن الملياردير وارن بافيت لا يوافقه الرأي حيث نصح
المستثمرين ببناء ما أسماه "سفينة نوح" لحماية أنفسهم من
تراجع الدولار. كما يتنبأ رئيس مجلس إدارة الاحتياطي
الاتحادي الأمريكي السابق بول فولكر وبنسبة 75 في المئة
حدوث أزمة اقتصادية في العامين المقبلين فيما يحذر كينيث
روغوف، الباحث السابق في صندوق النقد الدولي، من أن
الدولار قد يفقد 40 في المئة من قيمته.
وإذا ما قررت دول مجلس التعاون الخليجي أن تكون لها عملة
موحدة في 2010 أو عندما تقرر ذلك فسيكون من المشوق أن نعرف
إذا ما كانت ستبقي على عملتها الموحدة مرتبطة بالدولار
الأمريكي أم لا. وذلك الفرار المشترك سيبنى بلا ريب على
وضع الدولار في ذلك الوقت وعلى ما إذا كانت هذه الول قادرة
على التوصل لقرار موحد بخصوص ربط عملتها الموحدة بالدولار
من عدمه. كما أن القرار سيعتمد إلى حد بعيد على قرار دول
المجلس فيما إذا كانت راغبة في تحديد أسعار الفائدة بما
يتناسب مع اقتصاداتها النامية بدلاً من الالتزام بأسعار
الفائدة التي تحددها الولايات المتحدة والتي تناسب حالياً
الاقتصادات المتباطئة.
كانت المناقشات تدور في دول المجلس حول العملة الموحدة
سابقاً غير أن قرار الكويت وضع العصي في العجلات. وهذا ما
عبر عنه نائب محافظ المصرف المركزي السعودي محمد الجاسر
الذي وصف تحقيق الاتحاد النقدي المقترح بأنه قد أصبح "أكثر
صعوبة" نتيجة القرار الكويتي فيما قال السويدي إنه لا يعلم
ما الذي دفع الكويت نحو "الخروج" على الاجماع بين شقيقاتها
الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
إن ثلاث سنوات هي مدة طويلة حين يتعلق الأمر بتقلبات أسعار
العملة وتوجهاتها. وخلال مدة كهذه تكون الاقتصادات
والعملات العالمية قد شهدت الكثير من تحركات المد والجزر.
كما سيكون هناك خلالها قيادة وسياسات جديدة في الولايات
المتحدة. وتحسن دول مجلس التعاون صنعاً إذا قررت أن تنتظر
وترى ما سيحدث.
بعض الخبراء يقولون إن العنصر السياسي ليس غائباً في ضعف
الدولار. وفي هذه الحال، يمكن لإدارة أمريكية جديدة أن
تصلح ما فسد وتمد الجسور مع الدول مع الدول التي تسهم
حالياً في التراجع السريع للدولار. ولكن من جهة أخرى قد
نشهد مزيداً من الحروب غير المتوقعة وهو ما قد يزيد أسعار
النفط ويلقي بمزيد من الضغوط على الدولار.
وفيما تنتظر دول المجلس التطورات المستقبلية يأخذ مزيد من
المستثمرين في التحول نحو الذهب إلى جانب العملات
التقليدية الأخرى الآمنة. ولهذا نجد أن اليورو والجنيه من
أكبر الرابحين. لكن إلى متى؟
هل سيستعيد الدولار هيمنته السابقة مرة أخرى أم أنه سيفقد
سيطرته العالمية لتصبح تاريخاً مضى؟ القادرون على الإجابة
على هذا السؤال لن يكونوا بعيدة النظر فحسب، بل وأثرياء
كبار أيضاً. لكن وللأسف، أنا لست من بينهم.
|