السبت، 21 ديسمبر 2024

الدوحة تسترضي حلفائها في مجلس التعاون الخليجي

بقلم ليندا س. هيرد

© Shutterstock

لقد حدث ما لم يمكن تصوره. قبل وقت غير بعيد، كان الإنسجام التام يسود بين دول الخليج إلى درجة أن قادتها كانوا يفكرون في تشكيل اتحاد. لكن هذه الفكرة جمدت الآن لأن قطر، الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي تتبع سياسات يعتبرها جيرانها الأقرب مصدر تهديد لهم. لكن الآن تبذل الدوحة، ظاهرياً على الأقل، جهوداً للعودة إلى سابق عهدها. تقرير ليندا س هيرد

في الأشهر الأخيرة، كانت #الدوحة التي تُعتبرَ من أغنى الدول في العالم، في موقع الدفاع عن النفس. فقد وجّهت إليها مجموعات حقوقية انتقادات حادّة بسبب "معاملتها العمال المهاجرين الذين يعملون في تشييد البنى التحتية والملاعب، وكأنهم قطعان"، ما دفع بالدولة إلى إصدار "ميثاق العمال" بغية استرضاء "الاتحاد الدولي لكرة القدم" )فيفا( قبل استضافتها لكأس العالم لعام 2022 .

فضلا عن ذلك، يجري التحقيق حالياً مع شركة قطرية مملوكة من ممثّل البلاد السابق في اتحاد الفيفا، محمد بن همام، بتهمة تحويل أكبر من مليونَ دولار أمريكي إلى نائب الرئيس السابق في الاتحاد وأعضاء في فريقه، بما يُثر شكوكاً حول عدم حياد العملية التي أسفرت عن اختيار قطر لاستضافة كأس العالم. لكن تلك الفضائح بدت صغيرة بالمقارنة مع تدهور علاقات قطر مع دول مجلس التعاون الخليجي التي تملّكها الغضب والحيرة إزاء موقف قطر العدواني من الحكومة المصرية المؤقّتة، وحمايتها لتنظيم "الإخوان المسلمين"، والدعم المادي الذي يُشتبَه في أنها تقدّمه للمقاتلين الشيعة اليمنين المعادين للسعودية فضلا عن التنظيمات السنيّة التي تصُنَّف في خانة "الإرهاب". اتّهمت الصحف الفرنسية - لا سيما "كانار أنشينيه" و"لا تريبون" - قطر بتقديم دعم مسلّح للانتفاضات العربية في الجزائر وشمال مالي. بحسب "لا تريبون"، "تريد قطر زعزعة الاستقرار في المنطقة بكاملها من شمال  أفريقيا إلى المرق العربي الدول العربية الواقعة شرق مصر من دون أن تكرث للتداعيات السياسية والأمنية...". ربما كان هذا الكلام دقيقاً أم لا، لكن لا أحد يستطيع إنكار الدعم القوي الذي تقدّمه #الدوحة لجماعة "الإخوان المسلمين" التي تعتبرها مصر والسعودية والإمارات تنظيما إرهابياً. فقد كتبت صحيفة "واشنطن بوست" أن قطر استضافت على أراضيها كبار المسؤولين في جماعة الإخوان المطلوبن للعدالة في مصر. وأضاف المقال "يعيش العديد من المنفيّن مؤقتاً في أجنحة فندقية على حساب قناة الجزيرة التي تديرها الدولة القطرية". تحوّلت قناة "الجزيرة" أداةً للترويج للإخوان المسلمين بعد عزل الرئيس محمد مرسي في مصر، ومنحت منراً ليوسف القرضاوي، الذي يُعترَ المرشد الروحي للإخوان، يهاجم عبره الحكومات المصرية والسعودية والإماراتية.

 وقد عمدت القاهرة إلى حظر قنوات "الجزيرة" الناطقة بالعربية بسبب تحريضها على العنف، وتحدّثت تقارير عن أن الرياض تتّجه نحو إغلاق مكاتب "الجزيرة" في السعودية. وقد تحوّلت الخلافات في الرأي التي كانت تدور خلف الكواليس بين قطر ودول الخليج الشقيقة، إلى شجار علني في الخامس من مارس الماضي عندما عمدت السعودية والإمارات والبحرين، في خطوة غير مسبوقة، إلى سحب سفرائها من #الدوحة على خلفية إخلال قطر باتفاقٍ يقي بعدم تدخّلها في شؤون تلك البلدان. فقد أعلنت الدول  الثلاث أن قطر لم "تلتزم بمبادئ" مجلس التعاون الخليجي، وعليها "اتخاذ الخطوات المناسبة لضمان أمن دول المجلس". ويُعتقَد أن تلك الخطوات تشمل: - توقّف قطر عن دعم "الإخوان المسلمين" - وقف كل التحريض الذي تبثّه قناة "الجزيرة" ضد دول الخليج - قطع الروابط مع التنظيمات الجهادية المسلّحة في سوريا - قطع العلاقات مع الحوثيين الشيعة في اليمن ومع "حزب الله"، عميل إيران في لبنان وقد أدّت الكويت دور الوسيط قبيل انعقاد القمة العربية في 25 مارس الماضي. وأكّد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أن الخلاف لن ينتهي "قبل أن تعيد قطر النظر في سياستها". في الواقع، أعلن أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، في ديسمبر الماضي، أن دعم الإخوان المسلمين "واجب". ويعتر مندوب قطر السابق لدى الأمم المتحدة، ناصر بن حمد آل خليفة، أنه ليس صحيحاً أن بلاده تتسبّب بزعزعة الاستقرار، مشدّداً على أن مصر هي جوهر الخلاف.

فقد زعم افتراءً "لسوء الحظ، تريد تلك الدول الثلاثة، السعودية والإمارات والبحرين، أن يبقى العالم العربي في حفرة؛ يريدون أن تبقى الدول العربية ضعيفة وخاضعة لسيطرة الديكتاتورين". على النقيض تماماً، رحّب الحلفاء الثلاثة بإطاحة الرئيس محمد مرسي التابع للإخوان المسلمين، ويعملون معاً من أجل مستقبل ديمقراطي في مصر لا سيما وأنهم يرون في الإخوان تهديداً مباشراً، كما أنهم يحرصون على ترسيخ العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع القاهرة. ولهذه الغاية، دعموا الاقتصاد المصري عبر ضخّ 15 مليار دولار أمريكي، ويُعتقَد أن السعودية توسّطت من أجل التوصّل إلى اتفاق تسليح بين القاهرة وموسكو بهدف وقف الاعتماد المصري على إمدادات الأسلحة الأمريكية. خلال اجتماع لدول مجلس التعاون الخليجي ساده الانقسام الشديد، هدّدت السعودية بإغلاق مجالها الجوي وحدودها أمام قطر في حال لم تجرِ انعطافة في سياستها. كان يمكن أن يتسبّب الخلاف بتهديد المشاريع المشتركة بين دول الخليج، وأن يؤثّر سلباً في الاستثمارات ويعطّل التعاون العسكري الخليجي فضلا عن الخطط الهادفة إلى إنشاء سوق مشتركة واتحاد جمركي. إلا أن قطر التي باتت تُعرَف بانشقاقها عن الإجماع الخليجي، لم تكترث في البداية لهذه التداعيات.

كانت قد أقامت علاقة صداقة مستجدّة مع تركيا، الدولة النافذة في حلف شمال الأطلي )الناتو( التي يربطها بها تشابهٌ في العقيدة الإسلامية. ففقد أدان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أسوةً بالشيخ تمام، ما سماه "الانقلاب العسكري"، كما أنه يُقيم علاقات ودّية مع ممثّلي تنظيم "الإخوان المسلمين" العالمي.

لم تكن تلوح بارقة أمل توحي بأن هاتَين الدولتن يمكن أن تبدّلا موقفهما من الأحداث الدولية. لكن، ومن حسن حظ قادة الخليج، في ما كانت قطر تقف على حافة الانهيار الكامل للعلاقات مع جيرانها، رأت الضوء في آخر النفق. وهكذا، خلال اجتماع استثنائي لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي عُقِد في الرياض في أبريل الماضي، انضمّت قطر إلى اتفاق يفرض على كل عضو الحفاظ على "مصالح الدول الأعضاء الأخرى وأمنها واستقرارها". وبعد أسبوع، أوردت صحيفة "غلف نيوز" أن العرات من قادة "الإخوان المسلمين" غادروا قطر متوجّهن إلى ليبيا حيث انتقلوا من المطار إلى أماكن مجهولة في البلاد. لا شك في أنه خبر سار لدول الخليج، لكنه مقلق لمصر على ضوء التقارير التي تتحدّث عن قيام الإخوان المسلمين بتشكيل "جيش مصري حر" في الأراضي الليبية لشن هجمات على مصر في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية. من الناحية الإيجابية، يبدو أن القرضاوي أسكِت إلى حد ما.

لكن مشاهدي قناة "الجزيرة" لم يلمسوا تغيراً فعلياً في النقد اللاذع الذي توجّهه إلى صمر. لذلك لا يزال من المبكر حسم الأمور والتهليل للنهاية السعيدة. السؤال الذي ما زال يُحيرّ المحللين الجيوسياسيين هو، لماذا؟ لطالما سعت قطر إلى ممارسة تأثر أكبر من وزنها، فل اذا جازفت بالتعرّض للعزلة في المنطقة، لا سيما في وقتٍ تحاول فيه إدارة أوباما إخراج طهران من عزلتها، الأمر الذي يمكن أن يحدث خللا في ميزان القوى الإقليمية؟ في المبدأ، كان يُفترض بالدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي أن ترصّ صفوفها في مواجهة هذا التعزيز لمكانة إيران التي تقاتل إلى جانب نظام الأسد في سوريا وتؤجّج الاضطرابات الأهلية في البحرين. لكن بدلاً من ذلك، كان يمكن أن يؤدّي انحراف قطر عن الخط إلى طردها من مجلس التعاون الخليجي. يُحيط الغموض بالأسباب التي دفعت أمير قطر إلى دعم عناصر مشبوهه على حساب الحلفاء المخضرمين لبلاده.

وقد أثار هذا اللغز العديد من نظريات المؤامرة، إلا أنه من الأفضل ألا ننجرف وراء فرضيات غير مثبَتة. لكن في غياب أي دافع منطقي لدى #الدوحة - على الأقل دافع يمكن تحديده بسهولة - لا يمكن استبعاد الاحتمال بأن أيادي خفيّةً ونافذة كانت تحرّك قطر خلف الكواليس. فهل كانت تُمارَس ضغوط على قطر أم أنها كانت تُستخدَم، رغما عنها، بيدقاً لتحقيق أطباع قوةٍ خارجية؟ قد لا نعرف الجواب أبداً.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم