الجمعة، 19 أبريل 2024

الاختيار بين العدل أم الرحمة

بقلم بول فيندلي

© Shutterstock

طوال سنوات كثيرة، اتّخذتُ من آية في سفر #التثنية مثالاً أعلى لي. وفيها أن الله أوصى موسى عليه السلام وأتباعه أن يطلبوا العدل، ولا شيء سوى العدل. الآن بتّ مقتنعاً بأنه يجب أن تتفوّق الرحمة أحياناً على العدل.

في الولايات المتحدة، وعدد كبير من البلدان الأخرى، يقتضي العدل من الحكومات حماية حق المواطنين، حتى الأسوأ منهم، في الحصول على الإجراءات القانونية المتّبعة بحسب الأصول. كما أنه يمنح الرؤساء صلاحية إلغاء عقوبة الإعدام أو الإعفاء من الملاحقة القانونية أو السجن. وقد استخدم الرئيس جيرالد فورد هذه الصلاحية، في قرار حكيم برأيي، لإبعاد الملاحقة القانونية عن ريتشارد نيكسون على خلفية دوره في فضيحة واترغايت. ربما كانت الرحمة أحد الأسباب التي دفعت فورد إلى اتخاذ هذا القرار.

قبل عشرين عاماً، اتُّهِم تيموثي #ماكفي بمقتل 168 شخصاً بريئا في قصف مدينة أوكلاهوما. وقد وافق صديقي المخضرم، المحامي ستيفن جونز من مدينة إنيد في ولاية أوكلاهوما، على تعيينه من قبل المحكمة وكيلاً للدفاع عن حقوق #ماكفي الدستورية. كان قراراً شجاعاً ومكلفا بالنسبة إلى جونز. فعلى الرغم من إدانة #ماكفي وتنفيذ حكم الإعدام بحقه، تراجعت أعمال جونز ولم يُكلَّف بأية قضية تقريباً طيلة أشهر، بسبب مشاعر العداء الشديد لماكفي.

كان جونز، في مناسبتَين، مساعداً لي ومسؤولاً عن فريق عملي في كابيتول هيل. عندما واجه الرئيس نيكسون احتمال التصويت في مجلس النواب على عزله من منصبه عام 1975 على خلفية دوره في فضيحة واترغايت، سعيت للحصول على الدعم من أجل التقدّم باقتراح يقضي بتوجيه توبيخ إلى نيكسون بدلاً من عزله. كنت قد عملت عن كثب مع هذا الأخير على مر السنين، وقد اعتبرت أن عزله من منصبه سوف يشكّل عقاباً شديداً. التوبيخ هو بمثابة محاكمة علنية تُوجَّه فيها إلى الشخص تهمة التقصير في أداء واجبه فيما يقف وحيداً في المقصورة في قاعة مجلس النواب. كان هذا العقاب، برأيي، كافياً في حالة نيكسون.

لم يتبدّل ولاء جونز وتفانيه يوماً، سواء كان في فريق العمل معي أم خارجه. بناءً على طلبي، ترك عمله في المحاماة في أوكلاهوما لمدة عشرة أيام لمساعدتي على تنظيم الدعم للاقتراح الذي تقدّمت به. كانت جهودنا قد بدأت تكتسب زخماً إلى أن اعترف نيكسون علناً باستغلاله لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) من أجل غايات حزبية. فقدّم الدليل القاطع الذي كان منتقدوه يبحثون عنه، وقد أطلق رصاصة الرحمة على الحملة التي كنّا نقودها من أجل أن يقتصر العقاب على التوبيخ.

وقد ظهر جونز، الذي يبلغ الآن 74 عاماً، إلى الواجهة الوطنية من جديد في 13 أبريل الماضي عندما نشرت مجلة "تايم" مرافعته المؤلفة من صفحتين لطلب الرأفة بجوهر تسارناييف، المولود في الشيشان في روسيا، الذي اعترف بضلوعه في التفجير الذي استهدف ماراتون بوسطن قبل أكثر من عامَين، والذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة عدد كبير بجروح خطرة. وقد لقي شقيقه الأكبر مصرعه خلال تبادل إطلاق النار مع الشرطة. واختبأ تسارناييف الذي كان يبلغ آنذاك 18 عاماً، داخل باخرة مغطّاة لساعات عدة قبل اعتقاله. وقد دوّن رسالة على غطاء الباخرة شرح فيها الأسباب التي دفعته وشقيقه إلى تنفيذ التفجير. كان هذا أسلوبهما البائس للثأر لمقتل عدد كبير من المسلمين على أيدي القوات الأمريكية في الأعوام الأخيرة.

كتب جونز في مقاله في مجلة "تايم": "تواجه جودي كلارك وفريقها ذو الكفاءة التحدّي الأكبر في مسيرتهم المهنية المرموقة: إنقاذ حياة موكّلهم البالغ من العمر 21 عاماً، من عقوبة الإعدام... على أي محام يتسلّم قضية مماثلة أن يكون مستعدا لتقبّل المخاطر العاطفية والشخصية والمالية المترتبة على ذلك. لكن الدستور يقتضي منا القيام بهذا الالتزام. هناك عدد كبير من المحامين المتردّدين والموكّلين المهملين. تشرِّف كلارك وفريقها مهنتنا من خلال استعدادهما للتوكّل عن تسارناييف باندفاع وحماسة". واستشهد جونز بدفاع كلارنس دارو الناجح عن الشابَّين ريتشارد لويب وناثان ليوبولد قبل نحو قرن في شيكاغو. وقد نجح دارو في إنقاذهما من الإعدام في الجريمة الشنيعة التي ارتكباها بقتل طالبٍ زميل لهما.

وإذ لفت جونز إلى أنه لطالما تفوّقت الرحمة على العدل، كتب أنه يكفي أن يرتفع صوت معارِض واحد في هيئة المحلّفين التي تنظر في تنفيذ حكم الإعدام بحق الشاب تسارناييف لإنقاذ حياته. فيما أخطّ هذه السطور، لا تزال هيئة المحلفين تفكّر في ما إذا كان يجب أن يُترَك المفجِّر الشاب على قيد الحياة أو يُعدَم. عسى أن يتعمّق عضو واحد على الأقل في الهيئة في قراءة المقال المنشور في مجلة "تايم".
(في أواخر يونيو حُكم على جوهر تسرنف بالإعدام من قبل المحكمة الأمريكية)

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم