فيما يقترب عالمنا من نهاية عام 2008 ويبدأ بالتطلع إلى عام جديد وحقبة جديدة، لم يسبق أن كانت التوقعات من مرتفعة بمثل ما هي عليه اليوم. صحيح أن الملكة البريطانية إليزابيث الثانية قد وصفت عام 1992 بأنه "عام مرعب" لها، غير أن غالبية البشر سينظرون إلى 2008 بأنه العام الذي يصعب أن يدانيه أي عام في استحقاق هذا الوصف. ومع الأمل الكبير بان الأمور ستسير نحو الأفضل، تستعرض ليندا هيرد أحداث العالم في 2008 وتحليلاً موجزاً لما يمكن أن يحمله 2009 لنا.

بيت أبيض جديد

ربما يكون الحدث الأضخم الأضخم الذي شهده عالمنا هذا العام هو الانتخابات الأمريكية الرئاسية في 4 نوفمبر الماضي. يومها حجز الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما مكانه في التاريخ ليكون أول رئيس أسود للولايات المتحدة ليصبح اسمه صنواً لحلم مارتن لوثر كينغ بغض النظر عما سيحققه بعد تسلمه منصبه في يناير 2009. إنه أول رئيس ملهم لأمريكا في ذاكرة الأجيال الحالية والذي وعد بالتغيير ليس في أمريكا فحسب بل وفي العالم أجمع. وبالفعل فإن البشر في كثير من بقاع الأرض التي تعاني من المصاعب قد علقوا الكثير من الآمال على سحر أوباما.

كان 2008 لأوباما عاماً حافلاً بالعمل الانتخابي والجهود المضنية لإيصال رسالته المنادية بالتغيير لكل الأمريكيين. ومع كل محاولات الجمهوريين لتقليب التراب والبحث عن أي شيء سلبي يهاجمونه به إلا أنه أثبت أنه هدف صعب المنال. قالوا إنه تعامل إرهابيين أمريكيين وأنه كان مقرباً من الشيوعيين بل ونشروا شائعات بأن شهادة ميلاده الأمريكية كانت مزورة. وفي النهاية لم يفلح أي شيء من ذلك، لأن أمراً واحداً فقط كان في أذهان الأمريكيين وهم يدلون بأصواتهم وهو الاقتصاد.

التطورات المتوقعة: يجب على أوباما في العام المقبل أن يبدأ العمل للوفاء بوعده بالتغيير في العالم، وإلا فإنه سيجازف بتخييب أمل مليارات البشر داخل وخارج الولايات المتحدة. وبالنظر إلى شهرته بالقدرة على القيادة السلسة والمتمكنة وإحاطته نفسه بأفضل المستشارين، اعتقد بأنه ستمكن مع الوقت من استعادة احترام العالم لبلاده.

استقرار العراق

الحكومة الأمريكية قالت إن الفضل يعود إلى زيادة عدد القوات في تراجع المقاومة المسلحة في العراق، غير أن السبب الحقيقي هو سياسة التفاوض مع زعامات العشائر السنية لكسبهم إلى جانبها ومنع المقاتلين الأجانب من دخول مناطق نفوذهم. وفي المقابل لم تتمكن الولايات المتحدة من منع التدخلات العسكرية التركية في المناطق الكردية في العراق لمطاردة المتمردين الأكراد.

حقق العراق في 2008 المزيد على طريق التطور الاقتصادي وتوجد في خزانته اليوم فوائض مالية جيدة كما كانت سوقه المالية محصنة نسبياً من الأزمة الاقتصادية العالمية. وحتى اليوم لم توقع حكومة نوري المالكي قانون استثمار الموارد النفطية الذي يفتح أبواب الثروة النفطية أمام الشركات الأجنبية العملاقة. كما تحافظ على مواقفها المترددة بخصوص توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة التي تسمح ببقاء قوات الأخيرة في العراق حتى 2011. أضف لذلك أن العملية الأمريكية الأخيرة داخل الأراضي السورية قد أثارت غضب المالكي الذي قيل إن الأمريكان لم يخبروه بها مسبقاً. التطورات المتوقعة: كان "الانسحاب الأمريكي من العراق" خلال 18 شهراً أحد أبرز الوعود الانتخابية التي قدمها باراك أوباما. غير أنه يعتزم تنفيذ هذا الانسحاب بطريقة منظمة ومن غير الواضح بعد إن يقصد القوات المقاتلة أم كل القوات والقواعد.

لا نصر في حرب أفغانستان

ساد اتفاق بين القادة العسكريين والدبلوماسيين العاملين في أفغانستان بأن الحرب على طالبان لا تتقدم على ما يرام. وبالتوازي مع ذلك يشعر الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بالغضب من الأعداد الكبيرة للأبرياء الذين سقطوا قتلى نتيجة القصف الأمريكي والأطلسي. وهذه الهجمات تدفع بأهالي القرى الأفغانية للوقوف لفي صف طالبان. وقد أبدى كرزاي مناشدته الملا عمر، زعيم طالبان "ليعود إلى أفغانستان بضمانات لسلامته من أجل إحلال السلام في أفغانستان"، ولكن فيما يساند البنتاغون المحادثات مع المقاومة الأفغانية فإنه يؤكد على أنه لا صلح مع الملا عمر.

التطورات المتوقعة: وعد أوباما الناخبين بأنه سيرسل مزيداً من القوات إلى أفغانستان وبأنه سيقنع الدول الأطلسية بتقديم المزيد. غير أنه على الأغلب سيدعم جهود كرزاي للمصالحة حالما يتسلم منصبه.

باكستان وعدم الاستقرار

أصبح آصف زرداري، زوج الراحلة بناظير بوتو والسياسي المفوه، رئيس باكستان الجديد في سبتمبر الماضي خلفاً لبرويز مشرف الذي فقد شعبيته بسبب قربه الشديد من إدارة بوش. غير أن أفراح التغيير لم تدم طويلاً حيث واصل زرداري الموالي للغرب سياسة التوازن التي اتبعها مشرف بين الإنصات لمطالب شعبه من جانب والإنصات لمطالب الولايات المتحدة من جانب آخر. وما يزال زرداري يتحدى رغبة الشعب الباكستاني برفضه إعادة القضاة الذين فصلهم مشرف إلى أعمالهم على سبيل المثال. وتعاني باكستان من مصاعب مالية كثيرة وما لم تواصل الحصول على دعم ضخم من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي فإنها تجازف بالتحول لدولة منهارة تمتلك ترسانة نووية.

وتشتكي الجارة أفغانستان والولايات المتحدة من أن باكستان تسمح للإرهابيين بشن الهجمات على القوات الأمريكية والأفغانية انطلاقاً من مناطقها الشمالية الغربية، فيما تشتكي باكستان من أن الغارات الأمريكية داخل أراضيها توقع الكثيرين من الضحايا الأبرياء.

التطورات المتوقعة: كان أوباما يتحدث بلهجة قاسية عن باكستان. وأكد على دعمه لتدخل أمريكي عسكري داخل الأراضي الباكستانية للقضاء على كل الملاذات الآمنة للقاعدة برضا باكستان أم لا. ولكن بالنظر إلى الحالة الاقتصادية والحرب في العراق التي تفتقد للدعم الشعبي، من غير المحتمل أن ينفذ أوباما هذا التهديد الذي ينذر بمواجهة أمريكية باكستانية.

إيران تواصل التحدي

لم تفلح كل محاولات الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات في إقناع إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم. وعلى الرغم من إقرار مجلس الأمن الدولي لعقوبات على إيران نتيجة تحديها فإن هذه القرارات لا أثر عملياً لها نتيجة عدم تعاون روسيا والصين اللتين تتمتعان بحق النقض.

التطورات المتوقعة: يتوقع تحسن العلاقات الأمريكية الإيرانية في عهد أوباما الذي رحبت طهران علناً بفوزه. كما عبر الرئيس المنتخب علناً عن استعداده للجلوس إلى طاولة حوار مع القيادة الإيرانية دون شروط مسبقة وهي خطوة عارضتها إسرائيل بقوة. وبالنظر إلى القيود التي سيعاني منها الرئيس الجديد من جانب اللوبي الإسرائيلي فإن من المشكوك فيه أن يتمكن من اتباع حدسه دون أن يثير غضب المؤسسة السياسية وحلفاء أمريكا والرأي العام.

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

على الرغم من وعود إدارة بوش الضخمة بأن نهاية 2008 ستشهد قيام دولة فلسطينية، إلا أن عملية السلام وصلت حد الجمود في هذا العام. وساهمت عدة عوامل في هذا الجمود: إحجام إدارة بوش، الصراع بين فتح وحماس، استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، إقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بدعوى الفساد وعدم قدرة زعيمة حزب كاديما الجديدة زيفي ليفني على تشكيل حكومة تحالف.

التطورات المتوقعة: بدا الأمر في أكتوبر الماضي وكأن نافذة أمل جديدة قد فتحت نتيجة فوز أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وقدوم زعيمة إسرائيلية جديدة من الحمائم نسبياً. غير أن فشل ليفني في كسب حسب شاس المتشدد إلى جانبها نتيجة الخلاف حول مستقبل مدينة القدس أدى إلى الدعوة لإجراء انتخابات نيابية مبكرة. وإذا ما فازت بها فستكون هناك فرصة للسلام. أما إذا أقنع غريمها الرئيسي ورئيس الوزراء السابق المتشدد الإسرائيليين بإعادته لرئاسة الحكومة فستصبح العملية السلمية بحكم الميتة لوقت طويل.
 

روسيا العائدة

فاز ديمتري ميدفيديف، مرشح الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين، في الانتخابات الرئاسية الروسية وأصبح الرئيس الجديد للبلاد قبل أن يعين بوتين في منصب رئيس الوزراء. وبعدها بشهور قليلة، في أغسطس، شنت روسيا غزواً شاملاً لجارتها جورجيا رداً على العمليات العسكرية الجورجية في أوسيتيا الجنوبية وتعرضت لانتقادات أمريكية وغربية كثيرة على هذا العمل. العلاقات الروسية الأمريكية تمر في مرحلة صعبة كما هددت روسيا مؤخراً بتوجيه صواريخها نحو أهداف في الاتحاد الأوروبي رداً على الدرع الصاروخي الذي تريد واشنطن إقامته في بولندا وتشيكيا.

التطورات المتوقعة: بخلاف معظم دول العالم لم يبد على روسيا أنها سعيدة بفوز أوباما في الانتخابات الأمريكية. وتعاملت معظم وسائل الإعلام الروسية مع الحدث على أنه أمر ليس بالمهم كما كان رد فعل الحكومة الروسية بارداً. وتشعر روسيا بأنها قد تضررت كثيراً نتيجة سياسات إدارة بوش المتعطشة للقوة وبالتالي فإن من الطبيعي أن تكون متشككة تجاه القدم الجديد. وعليه فإن الأمر سيكون متروكاً لأوباما لإعادة الدفء إلى العلاقات الأمريكية الروسية ولتطمين موسكو بأنها لن تعود مستقبلاً لتكون إحدى أهداف أمريكا. ولكن هذا لا يبدو أمراً محتملاً لأن أوباما لم يعارض الدرع الصاروخي الذي أراده بوش أو الجهود الحثيثة من جانب الجمهوريات السوفييتية السابقة للالتحاق بحلف الأطلسي.

مشكلات إفريقيا

بدأت محكمة جرائم الحرب الدولية في يوليو الماضي مساعيها لإدانة الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم حرب مزعومة في دارفور. غير أن قضاة المحكمة طلبوا من المدعى العام تقديم مزيد من الأدلة قبل أن يصدروا مذكرة توقيف بحق الرئيس. غير أن الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي عبروا عن معارضتهم لتوجيه هذا الاتهام للبشير.

وفي زيمبابوي ما يزال التوصل لاتفاق على تقاسم السلطة بين الرئيس روبرت موغابي وزعيم المعارضة مورغان تزافنيري يواجه المصاعب نتيجة الخلافات على توزيع المناصب الوزارية بين الجانبين.

أما القضية الإفريقية الأكثر إلحاحاً فهي الصراع في الكونغو بين القوات الكونغولية الحكومية ومتمردي التوتسي وهو لصراع الذي حذرت الأمم المتحدة من أنه قد يتوسع ليشمل كافة المنطقة بما في ذلك رواندا إن لم احتواؤه.

التطورات المتوقعة: ما يزال رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون حتى الآن هو من يقود الجهود الدولية في إفريقيا. وهو خصم لدود للرئيس موغابي وحذر من إمكانية إرسال قوات حفظ سلام بريطانية وأوروبية إلى الكونغو. كما يعمل براون بشكل وثيق مع قطر لإقناع البشير للمشاركة في المحادثات بخصوص دارفور. وبالنظر إلى أصول أوباما، يعتقد بأن براون سيحظى الآن بحليف قوي لإحداث تغيير في هذه المنطقة.

الأزمة المالية

تذكرنا تراجعات الأسواق والأزمة المصرفية بما حدث في 1939. سيتذكر الناس 2008 بأنه عام الصدمة العالمية حينما تحول الازدهار فجأة إلى تشاؤم. إذ فيما تقف معظم اقتصادات الغرب على حافة الكساد وأسواق الأسهم أصبحت غير قابلة لتوقع حركتها وفيما تتصاعد أرقام البطالة وتتعاظم أزمة خسارة الناس لمساكنهم، قررت الحكومات أن تجمد الديماغوجية الرأسمالية وتتدخل لمنع إفلاسات شاملة.

التطورات المتوقعة: سنشهد الكثير من الخسائر قبل أن نعود لنرى مكاسب. 2009 سيكون عاماً صعباً حيث يتوقع صندوق النقد الدولي بأن تصبح بعض أغنى دول العالم ضحية الكساد.

غابوا ولكن ليس عن الذاكرة

وأخيراً يجب أن نتذكر أولئك الرائعين الذين رحلت أجسادهم عن عالمنا لتبقى ذكراهم حاضرة في قلوبنا لسنوات طويلة مقبلة. في يوليو الماضي ودعت السينما العربية ابنها المحبوب يوسف شاهين عن عمر 82 عاماً. كما رحل عن عالمنا أيضاً في أغسطس الماضي الشاعر الفلسطيني محمود درويش عن 67 عاماً والذي عاش طوال حياته في صراع مع الاحتلال الإسرائيلي لبلاده.

وشهد 2008 أيضاً رحيل الممثلة الشهيرة ديبورا كير التي اشتهرت بدورها في فيلم "الملك وأنا" والممثل شارلتون هيستون نجم "بين هور" والممثل هيث ليدجر نجم "جبل بروكباك" نجم الشطرنج بوبي فيشر وكاتب الخيال العلمي آرثر كلارك والممثل وسائق سيارات السباق وصاحب الأعمال الخيرية بول نيومان والموسيقي إسحق هايس وأب علم التأمل ماهاريشي ماهيش يوغي.

نتمنى لهم ولعام 2008 أن يرقدوا بسلام!
 


 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289