حينما
تتحول أحاديث الناس في منطقتنا عن موضوع الأزمة المالية الراهنة
فإن السؤال الأكثر سخونة اليوم يدور عن المرشح الذي سيكون الرئيس
المقبل للولايات المتحدة الأمريكية: "هل تفضل ماكين أم أوباما
لدخول البيت الأبيض؟" وبطبيعة الحال فإن لكل منا رأيه الشخصي في
الموضوع، ولكن في هذا الوقت الذي يعاني فيه العالم كله من الاضطراب
فإن رؤيتي تعتمد على السياسات أكثر منها على الشخصيات. وأي إنسان
لديه القدرة على قيادة العالم بعيداً عن الكساد والغموض يستحق أن
أختاره.
ما على أي منا سوى أن يفتح التلفزيون على أي محطة ليدرك أن الإنسان
العادي في مشارق الأرض أو مغاربها قد صحا على واقع وجد فيه أن أزمة
عالمية تهدد بيته وعمله ومدخراته واستثماراته وأعماله. ولهذا أجدني
أطلب من أصدقائي الأمريكيين الذين أقدرهم كثيراً أن يختاروا
الرجل
الذي يطرح عليهم الخطة الأفضل للخروج من هذا الواقع حينما يدلون
بأصواتهم في 4 نوفمبر المقبل.
لا أحد يجادل في أن شخصية المرشح أمر له دوره، غير أن الناخب سيفلح
حقاً حينما يدرك أن التصويت للرئيس يختلف عن اختيار ملكة جمال
أمريكا. وأن الرجل الذي سيختاره الأمريكيون هذه المرة سيكون بيده
القرار، وبكل ما في الكلمة من معنى هذه المرة، لافتداء أو تدمير
ليس مستقبل الأمريكيين فحسب بل والمليارات الآخرين من إخوتهم في
الإنسانية. ولهذا أتمنى من الأمريكيين أن يصوتوا بما تمليه عليهم
عقولهم وليس عواطفهم.
شأن كل أهل هذا الجزء من العالم، لا شيء سيدخل السرور على قلبي
بالطبع من اختيار زعيم أمريكي غير متشرب بالانحياز لإسرائيل ومستعد
للعمل من أجل تحقيق حل الدولتين أو حتى ما هو أفضل من ذلك وهو
تحقيق السلام الشامل وفقاً لمبادرة السلام التي طرحتها المملكة
العربية السعودية عام 2002. ولكن بالحكم على الأمور بناء على ما
سبق، يبدو مثل هذا الأمر أشبه بأن تقوم شركة طيران الإمارات بعرض
رحلات فضائية عبر المجرات.
لقد علمتنا مرارات التجارب السابقة أن الرؤساء الأمريكيين، وبغض
النظر عن ميولهم الشخصية، مكبلون بأساسيات السياسة الخارجية
لواشنطن والتي يعتبر بعضها ثابت لا يمكن تغييره. ويتعين عليهم كلهم
التصرف ضمن حدود معينة مرسومة لخدمة المصالح الأمريكية ويخضع كلهم
للقيود المفروضة من تركيبة الكونغرس وجماعات الضغط ونتائج
الانتخابات بقدر أو بآخر. والمفارقة هي أن بعض هؤلاء ينقلب ليصبح
من أصدقاء العرب بعد أن يغادروا البيت الأبيض.
ضمن هذه الحدود تجد بعض الرؤساء أكثر سوءاً من غيرهم. وعلى سبيل
المثال فقد عانيت الأمرين عبثاً لأتذكر شيئاً محموداً يقال في
سنوات جورج بوش الابن الثماني التي قضاها في الرئاسة. وليسأل كل
منا نفسه هذا السؤال: "هل العالم اليوم أفضل حالاً مما كان عليه
حينما تسلم بوش الرئاسة من سلفه بيل كلينتون؟"
كما خلصت إلى أن السياسة الخارجية لهذه الإدارة قد تسببت بأضرار
فادحة وعواقب وخيمة مدمرة لم تكن متوقعة. وقائمة الفشل تطول.
على سبيل المثال لم يحقق غزو أفغانستان في 2001 أياً من أهدافه
المعلنة. فأسامة بن لادن وزعيم طالبان الملا عمر ما يزالان طليقين.
كما أن عدداً متزايداً من العسكريين والساسة قد وصلوا لقناعة بأن
تحقيق النصر في هذه الحرب غير ممكن. ثم أرادنا البيت الأبيض في 2003 أن نصدق بأن غزو العراق قد تكلل
بالنجاح المطلق. وكان علينا أن ننسى بعد الغزو الذرائع التي سيقت
لتبريره وأرادوا منا بدل ذلك أن نهنئهم على النتائج الطيبة
المفترضة التي حققتها الحرب.
أتمنى لأخوتي العراقيين كل خير. غير أن التاريخ بما سجله من قتل
وانقسامات بينهم سيكون حكماً قاسياً على هذه الحرب. ومن المنظور
الأمريكي فقد كان للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين عاقبة غير
متوقعة وهي أن تصبح إيران أكثر قوة.
ثم ماذا عن فلسطين؟ وكم من التقدم أنجزه بوش لتحقيق وعده الذي
أعلنه في "خريطة الطريق" عام 2003 بحل هذه القضية عبر قيام دولتين
فلسطينية وإسرائيلية؟ لا شيء! لا بل أسوأ من اللاشيء، إذ نتيجة لحماسه المحموم في فرض
الديمقراطية وإصراره على أن ينظم الفلسطينيون انتخابات تشريعية تحت
مراقبة دولية، فازت حماس بموقع شرعي في القيادة. وعندها، وفور
تقديم التهاني للشعب الفلسطيني على انتخاباته الحرة والعادلة، سارع
الأمريكيون والأوروبيون برفض خيار الشعب الفلسطيني على نحو تسبب
بصراع على السلطة بينهم وحرم عملية السلام من أي قوة فلسطينية
تدعمها.
وإن ذهبنا إلى لبنان لوجدنا أن الولايات المتحدة قد حققت إنجازاً
واحداً وهو تمرير قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو لانسحاب القوات
السورية من لبنان في 2005. ولكن ما إن نتقدم عاماً واحداً نحو
العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006 سنجد أن بوش تخلى عن
أصدقائه في الحكومة اللبنانية برفض الدعوة لوقف إطلاق النار حتى
وهو يرى قتل النساء والأطفال في لبنان دون رادع أو حسيب. وهذا ما
جعل حزب الله يخرج من هذه الحرب أكثر قوة من ذي قبل.
لنكون منصفين تماماً، لا يمكن أن نلقي باللوم عن كل علل العالم على
رجل واحد، ولكن هذا لا يمكن أن ينفي أبداً أنه في عهد بوش ولد
المجتمع الخاضع للمراقبة وتراجعت الحريات المدنية وضرب بمعاهدات
حقوق الإنسان عرض الحائط وأصبح التعذيب ممارسة قانونية.
كما شهدت السنوات الثماني الماضية انتشار أسلحة الدمار الشامل
وتحول ميزان القوى العالمي. فظهور روسيا التي تنبعث من تحت الرماد
وبزوغ الصين والهند كقوتين اقتصاديتين وعسكريتين يعنيان أن حلم
المحافظين الجدد بهيمنة أمريكية على العالم كله قد أصبح في حكم
الميت.
لا يسعني في ختام هذه السطور إلا أن آمل بأن الرئيس الأمريكي
الرابع والأربعين سيتحلى بالشجاعة لفعل كل ما بوسعه من أجل إعادة
الأمور إلى نصابها في عالمنا الذي نتشارك كلنا فيه. كما أتمنى على
الشعب الأمريكي أن يكون متعقلاً في قراره. فأمرنا جميعاً الآن هو
بيدكم.
خلف الحبتور
|