هل سمع أحدكم بقصة الرجل الذي صبغ الأرض أمام عتبة باب داره بخطوط
صفراء لامعة. وحينما سألاه جاره عن سبب ما يفعل، قال له إن هذه
الخطوط الصفراء ستبقي الفيلة بعيداً عن بيته. وحينما رد الجار
مستغرباً: "ولكن ليس هناك فيلة!" أجابه: "بالضبط! وهذا دليل على أن
الخطوط الصفراء ناجحة." على هذا المنوال تصر إدارة بوش على أن
"الحرب على الإرهاب" كانت ناجحة باعتبار أن الولايات المتحدة لم
تتعرض لأي عمل إرهابي على أرضها بعد 11 سبتمبر.
من وجهة نظري الشخصية، لا أعتقد أن هناك من يرى بأن نظرية "الخطوط
الصفراء" ناجحة فعلياً حينما يتعلق الأمر بحرب بوش على الإرهاب.
والأمر الأرجح من غيره بفارق كبير هو أن 11 سبتمبر كان عملاً
إجرامياً منفصلاً شبيهاً بتفجير مدينة أوكلاهوما عام 1995.
كما أن الزعم بأن هناك ما يسمى "خلايا نائمة" مختبئة كان يبدو
قابلاً للهضم قبل سبع سنوات من الآن. ولو كانت هذه الخلايا النائمة
موجودة أصلاً فيبدو وكأنها كانت في سبات شتوي طويل لأنها
الاحتمالات تقول إنها كان من المفترض أن تصحو وتنفذ خططها الخبيثة
لو كانت ترغب بذلك فعلاً.
لقد قلت ما يلي في كتاباتي عام 29001 وها أنا أعيده من جديد: كان
ينبغي التعامل مع هجمات 11 سبتمبر على أنها عمل إجرامي. يومها كسبت
الولايات المتحدة تعاطف كل أمة على وجه الأرض. الناس في كل مكان،
والمسلمون بينهم، خرجوا إلى الشوارع تعبيراً عن حزنهم على الضحايا.
ولكن بدلاً من التعويل على تلك النوايا الطيبة وبدلاً من التعاون
مع باقي الدول للإمساك بمدبري تلك الهجمات، اختار جورج بوش أن يلوح
براية "مطلوب حياً أو ميتاً" قبل أن يغزو أفغانستان للإيقاع بأسامة
بن لادن.
لقد فشلت الحرب على الإرهاب فشلاً ذريعاً. حتى اليوم، لم يوقع أحد
بأسامة بن لادن ولا بمساعده المصري أيمن الظواهري، بل إنهم لا
يعرفون حتى اليوم أين يوجد الاثنان. وعلى الرغم من الآلاف المؤلفة
من القوات الأمريكية والأطلسية المتمركزة في باكستان، فإنهم فشلوا
حتى في الإمساك بزعيم طالبان، الملا عمر.
وفي واقع فإن تحقيق نصر عسكري حاسم أمر ليس بالإمكان وفقاً لما
تذكره تقارير كثيرة تأتي من أولئك الموجودين في الميدان ومنهم
البريغادير البريطاني مارك كارلتون سميث والسفير البريطاني في
أفغانستان شيرارد كوبر كاولز ووزير الدفاع الأسترالي جويل
فيتزجيرالد. بل إن كارلتون سميث وفيتزجيرالد يعتقدان أن السبيل
الوحيد المتاح هو التفاوض مع المعتدلين من قادة طالبان.
في السابق كانت الولايات المتحدة وإلى حد أقل حلفاؤها يرون أن
القوة المفرطة يمكن أن تحقق أي شيء. غير أن الأحداث أثبتت خطأهم
المرة تلو الأخرى. وثبت للجميع أن السبيل الوحيد لإحراز التقدم هو
العمل مع الآخرين وفتح قنوات الحوار حتى مع من يعتبرون أعداء. وهذا
هو بالضبط ما كانت الولايات المتحدة تفعله في العراق للتغلب على
نفوذ القاعدة، وخصوصاً في محافظات ديالى والأنبار لطرد المقاتلين
القادمين من خارج العراق.
ولكن هذا لا يمنع أن الفشل الحقيق للحرب على الإرهاب كان في جوهر
العقيدة وراءها. حينما أعلنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب،
هاجم خبراء اللغة فكرة هذه الحرب على تعلن على شيء مجرد. إذ ليس
هناك عالم من دون إرهاب، وهذا يعني أنها كانت حرباً لا نهاية لها.
ولكن سرعان ما تبين الحقيقة وهي أن "الإرهاب" في هذا السياق إنما
كان تسمية أو تورية يقصد بها "المتطرفون الإسلاميون".
وإذا ما وافقنا على هذا الطرح، حينها نصبح أمام دليل جديد على فشل
هذه الحرب. لا جدال في أن المتطرفين اليوم هم أكثر مما كانوا عليه
في 2001. ويعود هذا في وجه منه على أن الحرب على الإرهاب كانت
بمثابة الدعاية الإعلانية للقاعدة التي لم تكن معروفة سوى على نطاق
ضيق، حيث كانت تتشكل سابقاً من "الأفغان العرب" الذين قاتلوا مع
الأمريكان لطرد الاحتلال الروسي من أفغانستان.
ثم أتت الحرب على الإرهاب لتعطي هؤلاء المحاربين الذين أرهقتهم
الحروب منصة للظهور على المستوى العالمي. كما وفرت لهم أداة تجنيد
ممتازة جعلتهم يتكاثرون بأعداد لا تحصى من المجموعات المستنسخة
والجماعات الجديدة التي تعمل تحت اسم القاعدة في كل أرجاء العالم.
إن تقرير ما إذا كانت الحرب على الإرهاب ناجحة أم فاشلة ليس أكثر
من مسألة منطقية أو حسابية بسيطة. إذ لو كانت ناجحة لكان عدد
الأفراد الراغبين في الإضرار بالغرب والمصالح الغربية قد انخفض بشك
لا يستهان به. غير أن هذا لم يحدث. بل على العكس، حيث أخذت هذه
الحرب منهجاً متوحشاً على كل الجبهات على نحو أثار الغضب حتى في
نفوس من كانوا أنصاراً للغرب.
وما يؤسف له أيضاً هو أن الحرب على الإرهاب قد قلصت ما كان يتمتع
به الناس العاديون من حريات مدنية. إذ تحت شعار هذه الحرب راحت
الحكومات تقضم بالتدريج حقوق مواطنيها وأصبح السفر من دولة لأخرى
يواجه قواعد وإجراءات تتدخل في أدق الخصوصيات وأصبح لدى الحكومات
الصلاحيات لتتنصت على هواتف الناس وتراقب بريدهم الإلكتروني وتجمد
أصولهم وحساباتهم المصرفية وتحتجزهم لفترات أطول دون توجيه اتهام
لهم. كما حرضت على التزمت ضد الإسلام والعنصرية ضد العرب.
كان بالإمكان إدارة هذه الحرب بطريقة مختلفة. إذ بدلاً من الغزو،
كان بمقدور الولايات المتحدة دس عملاء سريين لها في أفغانستان بهدف
الاقتراب من ابن لادن للإمساك به وبأعوانه لمحاكمتهم. كان بالإمكان
إدارتها بهدوء وفاعلية أكثر، لا غوانتانامو ولا أبو غريب، لا تعذيب
ولا قصف جوي للأعراس ولا تعريض المجندين لإصابات بالغة.
لو كانت الحرب أديرت بذلك الشكل لربما استبقت الولايات المتحدة
مكانتها الرفيعة التي كانت تتمتع بها قبل 11 سبتمبر في العالم
وعززت جو الثقة العالمية. ولكن بدلاً من بناء قرن أمريكي جديد،
فتحت الحرب على الإرهاب الباب أمام ظهور عالم جديد متعدد الأقطاب
تكثر فيه القوى الناشئة المتصارعة ودول تتوق لضمان امتلاك أسلحة
نووية.
حري بنا أن تعلم درساً مهماً من كل ما حدث، وهو أننا حينما نحارب
عدواً يجب علينا أن نكون في غاية الحرص لئلا نتحول إلى أعداء
أنفسنا.
|