الشندغة

5 | 137 العدد | الشندغة تعـي المملكـة وحلفاؤهـا فـي مجلس التعـاون الخليجـي جيـداً المـآرب التي يسـعى الملالـي الإيرانيـون خلـف تحقيقها. الهـدف وراء قيـام إيـران بتسـليح الحوثييـن الشـيعة فـي اليمـن وتمويلهـم كان إقامـة رواق عسـكري يتيـح للحـرس الثـوري الإيراني والميليشـيات المواليـة لإيـران الوصول إلـى الحـدود الجنوبيـة للسـعودية. كان لا بـد مـن وضـع حـد لهـذه المحاولـة، وهو أحد الأسـباب وراء اضطـرار التحالـف الـذي تقوده السـعودية إلـى التحرك. مـن هـذا المنطلـق، أريـد أن أحـذّر قادة دول مجلـس التعـاون الخليجـي مـن الخطـر المسـتفحل الـذي قـد يلحـق بهم، والذي يتعـرّض لـه ميـزان القوى فـي المنطقة بسـبب إيـران. تلقّيـت، منـذ بضعة أيام، خريطـة صادمـة حقاً. تُظهـر الخريطـة أن طهـران تفرض هيمنتهـا علـى مسـاحات شاسـعة فـي العراق وسـوريا، إلـى جانـب فرضهـا سـطوتها عملياً في لبنان، كما أنها تنسّـق مع قوات الأسـد في مسـعى متعمّد لشـق طريق آمن على كلـم عبـر البلـدان التـي تربط 1800 طـول طهـران ببيـروت، مـا يُتيـح للنظـام الإيراني تزويد "حزب الله" وسـواه من الميليشـيات الخاضعـة لـه بالأسـلحة الثقيلـة مـن دون أية عراقيـل تعتـرض طريقه. بعدمـا نجـح طيّارونـا وجنودنا الشـجعان علـى الأرض فـي منـع إيـران من شـق طريق عبـر اليمـن، يعمـد النظـام الإيراني خلسـةً إلـى تعزيـز حضـور الحرس الثـوري ومقاتلي "حـزبالله" فـي سـوريا حيـث حققوا مكاسـب مهمة ضد تنظيم داعش وسـواه مـن التنظيمـات مـن الطينة نفسـها. فـي غضـون ذلـك، اعترفـت الدولة العراقية بشـرعية "الحشـد الشـعبي"، وهو عبارة عن تنظيمات شـيعية شـبه عسـكرية تقاتل بالوكالـة عـن إيـران – وتتـراوح أعـداد عناصره – وذلـك علـى 140000 و 60000 بيـن الرغـم مـن ولائـه لخامنئـي ومقتدى الصدر، وآيـة الله علـي السيسـتاني المولـود فـي إيران والمقيـم فـي النجف. وقـد حظـي أولئـك العقائديون المناهضـون للسـنّة علـى شـرعية إضافيـة من الولايـات المتحـدة التـي يعمد "مستشـاروها العسـكريون" وقواتهـا الخاصـة إلى التنسـيق مـع تلـك الميليشـيات المواليـة لإيـران في إطـار المسـعى الـذي يبذلـه العـراق من أجل تحريـر المناطـق الواقعـة فـي شـمال البلاد من احتـ ل داعش. يتشـارك العراق حدوداً مع السـعودية، وقـد يأتـي وقـتٌ تعمـد فيـه إيران إلى اسـتمالة المتشـدّدين العراقييـن وتجنيدهـم لمسـاعدتها فـي محاولـة غـزو المملكة العربية السـعودية. تـزداد إيـران عدوانيـة يومـاً تلو الآخر. فالدولـة الراعيـة الأكبـر للإرهـاب فـي العالم لم تعـد تحـاول التخفّـي حـول قنـاع ودود من أجـل تهدئـة مخـاوف المجتمـع الدولي. رداً علـى إعـ ن الرئيـس دونالـد ترامب بأنـه يفكّـر فـي مـا إذا كان سـيُقدم علـى سـحب الولايـات المتحـدة أم لا مـن الاتفـاق النـووي، ورداً علـى الجولـة الجديـدة من العقوبـات الاقتصاديـة التـي فرضتهـا وزارة الخزانـة الأمريكيـة علـى إيـران، هدّد الرئيس الإيراني المسـمّى معتدلاً، حسـن روحاني، بأنـه بإمـكان بـ ده أن تعيـد إطـ ق برنامجها النـووي "فـي غضـون سـاعات". هل يتحدّث عـن البرنامـج النـووي الـذي لطالما أصرّ المسـؤولون الإيرانيـون علـى أنـه محض سلمي؟ في عهد "السـيد اللطيف"، سُـحِقت الأقليـات ومجموعـات المعارضـة السـنّية في إيـران تحـت الأقدام. بحسـب آخـر التقارير الصـادرة عـن منظمـة العفـو الدولية، "ظلّ عـرب الأحواز، والأتـراك الأذربيجانيون، والبلـوش، والأكـراد والتركمـان عرضـةً لتمييز شـديد ومتجذّر...". ينتقد التقرير بشـدّة سـجل إيران في حقوق الإنسـان: "لا يزال الجَلْد والبتر وسـواهما من العقوبات القاسـية (مثل التسـبب بالعمى للأشـخاص) ممارسات سـائدة" يتعـرّض لهـا المعتقلـون، و"ينتظر ما جانيـاً مـن فئـة الأحداث تنفيذ 78 لا يقـل عـن حكـم الإعدام بحقهم". كنـت آمـل بـأن يبادر الإيرانيون الذين التي أسـفرت 1979 خاب ظنهم من ثورة عن إطاحة الشـاه، إلى الانتفاضة لاسـتعادة السـيطرة على بلادهم، وقد نصحتُ القادة العـرب بتقديـم المسـاعدة لهم تحقيقاً لهـذه الغايـة. لكـن يبـدو أن عـدداً كبيراً من الإيرانييـن خائـف علـى حياتـه وحريته إلى درجـة أنهـم يعجـزون عن التحرك ضد الفاشـيين الذيـن يُحكمـون قبضتهم على البـ د ومقدّراتهـا وعلـى حياة الإيرانيين بمختلـف جوانبها. عندمـا انتفـض ثلاثـة ملايين إيراني 2009 تحـت مظلـة "الحركـة الخضراء" عام احتجاجـاً علـى إعـادة انتخاب محمود أحمـدي نجـاد لولايـة ثانية، اعتمدت إدارة أوباما سياسـة النأي بالنفس. وكما كشـفت الأحـداث لاحقـاً، كان بـاراك أوباما يعمل خلـف الكواليـس مـن أجل التوصل إلى اتفـاق نـووي، ولـم تكـن لديـه أية رغبة في تغييـر النظـام الإيرانـي. لقـد تودّد إلى الملالي عبـر توجيـه رسـائل إليهـم لطمأنتهـم، تـارِكاً الشـعب الشـجاع الذي نزل إلى الشـارع للاحتجـاج، يواجـه مصيره وحيداً. أمـا السياسـة التـي ينتهجهـا خلفه في الملـف الإيرانـي فهـي مجـرد وعيد وتبجّح من دون مضمـون فعلـي. تعـمّ الفوضـى في البيت الأبيـض، والسياسـة الخارجيـة التي يتّبعها الرئيـس الأمريكـي عبـارة عـن خليط ظرفي مشـوّش يتغيّر بحسـب مزاجه، هذا إذا لم يعهـد بـه إلـى وزارة الخارجيـة والبنتاغون. السـؤال الأساسـي المطروح هو الآتي: هل تسـتطيع دول الخليج الاعتماد على الولايات المتحدة التي تطبّق سياسـة "أمريـكا أولاً" وتُبـدّل كثيـراً فـي مواقفها، وهل يمكـن التعويـل علـى قـادة العالم، وبينهم حلفاؤنـا الأوروبيـون، للدفـاع عنا؟ ماذا لو نجحـت العصابـات الإيرانيـة في اختراق الأراضـي السـعودية، هـل نتوقّـع رؤية الجنود الأمريكييـن يهبّـون لنجدة المملكة؟ لا أعرف الجواب، لكنني لسـت مطمئناً البتّة على ضوء الاسـتعداد الذي أظهره ترامـب للتضحيـة بمئـات آلاف اليابانيين والكورييـن الجنوبييـن مـن أجل شـطب كوريا الشـمالية عـن الخريطـة إبـان تهديد الرئيس الكوري الشـمالي، كيم جونغ أون، لجزيرة غوام الأمريكية. ولسـت مطمئناً أيضاً إزاء قيام إيران باسـتمالة الدولتَيـن الصديقتيـن، تركيا وقطر، اللتين أعتبر أن شـعبَيهما يشـكّلان عائلة واحدة مع شـعوب بلداننا. يوم الخميس، أعلنت قطر أنها سـوف تسـتأنف علاقاتها مع إيران، وتُعيد سـفيرها إلى طهران. وتخطط تركيا وإيران معاً لعمل عسـكري مشـترك ضـد المجموعات الكردية. ينبغـي علـى الريـاض وحلفائها الموثوقين إعداد اسـتراتيجية دفاعية متعددة المسـارات تقوم على تشـارك الاسـتخبارات، والمراقبة، والدفاع الصاروخي. تتسـلّل إيران إلى دول الخليج بواسـطة الجواسـيس والخلايا النائمة منذ عقود، بهدف إسـقاط الحكومات. حان الوقت كي تشـرب من الـكأس التـي جرّعتها للآخرين. ويجـب أن يُطلَـب مـن البلدان المتردّدة أن تحسـم موقفها وتعلن بوضوح في أي جهةٍ تقف. تزامناً، يجب سـحب الاسـتثمارات من الدول التي تغرّد خارج السـرب وقطع العلاقات الديبلوماسـية معها. تسـرح إيران وتمرح منذ فترة طويلة جداً من دون أن يردعها شـيء على الإطلاق. لسـت من المعجبين برئيس الوزراء الإسـرائيلي بنياميـن نتنياهـو، لكنه يدرك جيداً الخطر الذي تجسّـده إيران لبلاده والمنطقة. فقد صرّح مؤخراً للمراسـلين: "مما لا شـك فيه أن جلب الشـيعة إلى الميدان السـنّي سـتكون له تداعيات وخيمة كثيرة علـى صعيـدَي اللاجئيـن ووقوع أعمال إرهابية جديدة على السـواء"، متعهّداً بالتحـرك. إنـه متنبّـه جيـداً لما يجري. آمل بـأن يكـون قادتنـا مدركين بالدرجة نفسـها للسـيناريو الذي ينكشـف أمام عيوننا والذي قـد يكـون كارثيـاً ومدمّـراً، وذلك قبل فوات الأوان.

RkJQdWJsaXNoZXIy NDU3MzA=