الأحد، 22 ديسمبر 2024

صمود رغم المشقات

بقلم جوانا أندروز

APimages

الدكتور الشيخ #عكرمة_صبري هو كبير أئمة المسجد الأقصى المعروف بصراحته وجرأته. تاريخ المسجد حافل بالمحطات والصراعات، لكنه صمد في امتحان الزمن. فالمسجد الذي شُيِّد قبل قرون عدة ويقع في قلب المدينة القديمة في القدس المحتلة من إسرائيل، يخضع لإدارة الأوقاف الإسلامية بقيادةٍ أردنية-فلسطينية. يلقي الشيخ صبري خطباً في المسجد الأقصى المبارك منذ عام 1973. واليوم، بعد أكثر من 40 عاماً، تكشف جوانا أندروز بعض المحطات في ماضي المسجد المضطرب والآمال التي يعقدها الشيخ صبري على المستقبل.

للمسجد الأقصى المبارك أهمية تاريخية كبيرة في العالم الإسلامي، ويبذل الشيخ الدكتور #عكرمة_صبري قصارى جهده لإحياء مكانته من جديد باعتباره يحتل المرتبة الثالثة بين الأماكن المقدسة في الإسلام، فضلاً عن أهميته التربوية. لكن التنفيذ صعب في ظل العوائق الكثيرة.

فقد واجه المسجد مشقّات جمّة؛ دمّرته زلازل في الماضي، ويتعرّض اليوم لهجمات متكرّرة من المتطرّفين اليهود الذين يحاولون ادّعاء السيادة على هذا المقام الإسلامي.

المشكلة هي أن الديانة الهيودية تعتبر أن الموقع حيث يوجد المسجد الأقصى المبارك هو المكان الذي كان يقوم عليه معبد سليمان سابقاً، ويخشى الفلسطينيون أن تعمد إسرائيل إلى تقسيم المسجد الأقصى تماماً كما قسمّت مسجداً آخر في الضفة الغربية حيث تفرض السلطات تناوباً على استخدامه بين المسلمين واليهود.

انتهاك الحقوق

يقول الشيخ صبري، إن التحدّي الرئيسي الذي يواجهه يومياً هو وجود "الاحتلال الإسرائيلي الظالم"، مضيفاً: "إن المخاوف التي تهدد المسجد الأقصى المبارك تتمثل في أطماع اليهود بالأقصى، واقتحامات ساحاته وسيطرة شرطة الاحتلال على الأبواب الخارجية للأقصى".

قبل بضعة أشهر، حتى نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي، موشيه فيغلين، انضم إلى مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين الذين اقتحموا المسجد الأقصى عنوة عن طريق باب المغاربة، تحت حراسة مشدّدة من القوات الإسرائيلية. وقد نُقِل عن الشيخ صبري الذي يحظى باحترام واسع ويُعرَف بآرائه الصريحة عن إسرائيل، قوله بأن الجدار الغربي للمسجد الأقصى لم يكن يوماً ولن يكون أبداً ملكاً لليهود، "فقد اعترفت الأمم المتحدة عام 1930 بأن الجدار الغربي هو وقف إسلامي". وقد حذّر الشيخ صبري من أن المسجد "هو خط أحمر".

يقول: "إن الهجمات التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون المحتلون على المسجد الأقصى المبارك هي بشكل يومي بحراسة الأجهزة الأمنية بهدف فرض واقع جديد في باحات الأقصى، وهي ما يعرف بالتقسيم الزماني". لقد ناشد الشيخ صبري الفلسطينيين مراراً وتكراراً تكثيف وجودهم داخل المسجد الأقصى لحمايته - والدفاع عنه ضد أي عدوان يهودي.

ويلفت إمام المسجد الأقصى إلى أنه في حين تفرض إسرائيل قيوداً شديدة على دخول المصليين الفلسطينيين إلى المسجد - الأمر الذي يعتبره انتهاكاً واضحاً لحقهم في حرية العبادة - تسمح للمستوطنين الإسرائيليين بالدخول.
في أغسطس 2014، أورد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنه شهِد على منع النساء الفلسطينيات والرجال دون سن الخمسين من دخول المسجد.

وقد سبق أن تعرّض الشيخ صبري، وهو متزوّج وله خمسة أبناء، للمنع من دخول المسجد على أيدي الجيش الإسرائيلي. يروي: "لقد قرر الاحتلال الاسرائيلي الظالم بإبعادي عن المسجد الأقصى المبارك ثلاث مرات بهدف أن لا ألقي خطبة الجمعة وبهدف أن لا ألتقي بالمصلين المسلمين وذلك بتهمة التحريض والإخلال بالأمن العام حسب زعم السلطات المحتلة".

ففي نوفمبر 2009، مُنِع من دخول المسجد لمدة ستة أشهر إبان عودته من الديار الحجازية لأداء مناسك الحج. ثم فُرِض عليه حظر لمدة ستة أشهر أيضاً في مايو 2010، حتى قبل انتهاء مدّة الحظر الأول. وسرعان ما أعقبه حظر إضافي لمدة شهرين في مطلع العام 2011.

يقول الشيخ صبري إن قرارات الحاكم العسكري الإسرائيلي "استندت إلى قانون الطوارئ البريطاني الظالم الذي صدر عام 1945م وذلك إبان الاستعمار البريطاني الغاشم على فلسطين".

يضيف: "إن سلطات الاحتلال الاسرائيلي تستغل هذا القانون الظالم ضد الشعب الفلسطيني المرابط"، مشيراً إلى أنه اتُّخِذت قرارات أخرى لمنعه من السفر، "بحجة أن لا أتصل بأي جهة معادية للاحتلال حسب زعمهم".

ويقول إنه في إحدى الحالات لم يتم تبليغه حتى بقرار المنع: "فوجئت بهذا القرار حين وصولي إلى الجسر الحدودي في مايو 2007. وتكرّر الأمر من جديد في مناسبات عدّة بعد بضعة أعوام".

ويلفت إلى أنها قرارات تعسفية لا تستند إلى أي دليل أو حجة، وليس فيها قرارات محاكم، قائلاً: "إنما تعتمد السلطات المحتلة على قانون ظالم يعرف بقانون الطوارئ الذي صدر عام 1945م في عهد الاستعمار البريطاني الغاشم على فلسطين وذلك ضد أهل فلسطين، والآن يقوم الاحتلال الاسرائيلي بتطبيقه علينا بشكل عام، وعلى الأسرى بشكل خاص".

شخصية مؤثّرة

الشيخ صبري ليس فقط إمام وخطيب المسجد الأقصى، فهو أيضاً رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، وعام 1994 عيّنه رئيس "منظمة التحرير الفلسطينية"، الراحل ياسر عرفات، مفتياً عاماً للقدس وضواحيها والديار الفلسطينية. من واجباته استقبال المواطنين، وحل مشاكلهم، وفي حال الضرورة، إصدار الفتاوى التي تخصّهم.

ولد في مدينة قلقيلية الفلسطينية عام 1939 لعائلة عُرِفت بالتديّن وحب العلم. وقد سار على خطى المرحوم والده الذي كان أيضاً خطيباً في المسجد الأقصى المبارك، وشغل مناصب عدّة منها قاضي بيت المقدس، وعضو محكمة الاستئناف الشرعية، وعضو مؤسس للهيئة الإسلامية العليا في القدس.

شغَف الشيخ صبري بالعلم واضح للعيان. أتمّ دراسته الثانوية في مدينة نابلس، ثم نال بكالوريوس في الشريعة الإسلامية واللغة العربية. وعام 1989، حصل على شهادة الماجستير في الشريعة من جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر في تخصّص الفقه عام 2011.

لعب التعليم دوراً أساسياً في مسيرة حياته. يروي: "إن قصة نجاحي بدأت من اختياري لمهنة التعليم في بداية حياتي العملية والتي أُعدّها أشرف مهنة إنسانية".

بدأ الشيخ #عكرمة_صبري حياته العملية مدرِّساً في ثانوية الأقصى الشرعية (المعهد العلمي الإسلامي سابقاً). وبعد حرب يونيو عام 1967، تولّى إدارة مدرسة ثانوية الأقصى الشرعية، ويروي عن تلك المرحلة: "اضطرت المدرسة إلى الانتقال من بناية التنكزية بعدما استولت عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى بناية دار الأيتام الإسلامية في البلدة القديمة قبل أن يستقر بها المقام في أروقة المسجد الأقصى المبارك في باب الأسباط".

أظهر حضوراً مميزاً خلال عمله في ثانوية الأقصى الشرعية حيث برزت أنشطة المدرسة وأصبحت رادفاً لدور القرآن الكريم في القدس وضواحيها، وكانت أول دار للقرآن الكريم قام بتأسيسها عام 1972.

سيرته الذاتية حافلة بالمناصب المهمة، منها مدير الوعظ والإرشاد في الضفة الغربية ومدير كلية العلوم الإسلامية في أبو ديس. الشيخ صبري هو مؤسس هيئة العلماء والدعاة في فلسطين عام 1992 ورئيسها ورئيس مجلس الفتوى الأعلى في فلسطين وعضو مؤسس في رابطة مؤتمر المساجد الإسلامي العالمي بمكة المكرمة، وانتُخِب رئيساً للهيئة الإسلامية العليا في القدس عام 1998.

وفي رصيده أيضاً عدد كبير من المؤلفات منها مذكرات في الحديث من ثلاثة أجزاء وكانت مقرَّرة لسنوات طويلة في المناهج التي يتم تدريسها لطلبة المدارس الشرعية في الضفة الغربية. ووضع أيضاً العديد من البحوث في مواضيع متنوّعة سبق أن قُدّمَت من خلال المؤتمرات والندوات.

غياب المجتمع الدولي

يعتبر الشيخ صبري أن "حوار الأديان فكرة إيجابية، والهدف منه توحيد الجهود والمواقف السياسية ودعم الشعوب المستضعفة". لكنه يضيف: "أما المعتقدات فلكل أتباع دين معتقداتهم الخاصة بهم. أما الظلم الذي يقع على الشعوب المستضعفة فإنه بسبب المواقف السياسية المستبدة من قبل الدول الاستعمارية، ومن واجب رجال الدين الضغط على هذه الدول المستبدة للتراجع عن سياستها التعسفية".

ويعتقد أنه بإمكان الدول العربية أن تؤدّي أيضاً دوراً أساسياً في مساعدة جيرانها: "على كل دولة عربية أن تعرف واجبها، وإن الله عزّ وجل سيحاسب كل من يقصّر بحق القدس والأقصى".

يقول الشيخ صبري إنه بإمكان حوار الأديان أن يؤدّي دوراً حيوياً، لكن المطلوب هو أفعال وليس مجرد أقوال. ويلفت في هذا الإطار إلى الوعود التي أُطلِقت في مؤتمرات القمة التي تعقدها جامعة الدول العربية برصد 500 مليون دولار سنوياً لمدينة القدس، لكنه يردف أنها ظلّت حبراً على ورق ولم تُصرَف تلك المبالغ.

ولم يعد الشيخ صبري يعوّل على المجتمع الدولي، قائلاً: "لا أريد شيئاً من المجتمع الدولي لأنني لا أثق بالمواقف الدولية لأن السياسة الأمريكية هي التي تهيمن على المجتمع الدولي، مع الإشارة إلى أن السياسة الأمريكية تقف إلى جانب سلطة الاحتلال الإسرائيلي زوراً وبهتاناً، وتدعم إسرائيل مادياً وعسكرياً وسياسياً".

ويختم قائلاً: "فقدت المؤسسات الدولية مصداقيتها".

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم