ظل الشِّعر النبطي لفترة طويلة ميزة من مزايا الحياة اليومية في شبه الجزيرة العربية، فهو يعود إلى القرن السادس عشر. وندي كريستي تطلعنا على نهضته في العصر الحديث.
الشِّعر النبطي يعود من جديد. فهذا النوع من الشعر الذي انتشر في العصور القديمة يكتسب شعبيّة من جديد بفضل الجهود التي تبذلها الحكومة للحفاظ على تراثه، وبرنامجٍ تلفزيوني شعبي عن الشِّعر النبطي أعاد إحياء الاهتمام به في أوساط الجيل الجديد من العرب.
غالباً ما يوصَف الشِّعر النبطي بأنه «شعر الشعب» أو «الشعر البدوي»، ويُعتبَر النوع الأكثر غنى في الآداب الشعبية، وبأنه يعكس واقع الحياة اليومية في شبه الجزيرة العربية. وقد أدّى دوراً مهماً في التاريخ على مدى مئات، لا بل آلاف السنين. وفي بعض الحقبات، إنه السجل التاريخي الوحيد الذي انتقل عبر الأجيال.
تقليد نابض بالحياة
يلفّ الغموض أصول الشِّعر النبطي، لكن هناك نظريات عدّة حول مصدره. تقول إحداها إنه بدأ في مكان يُدعى «نبط» قرب المدينة المنوّرة. وتعني هذه الكلمة «الاشتقاق من» أو «الحصول على معنى كلمة انطلاقاً من كلمة أخرى». وتعتبر نظرية ثانية أن مصدره قد يكون قبيلة الأنباط القدامى الذين عاشوا في بترا وأجزاء أخرى في الشمال الغربي لشبه الجزيرة العربية. إلا أنه لهذا الشِّعر العربي القديم جداً جذور قويّة في منطقة الخليج.
هذا النوع من الشِّعر فريد في أسلوبه. يُكتَب باللغة المحكيّة (الحياة اليومية)، بما يتناقض تماماً مع الشِّعر العربي الكلاسيكي. يجمع الشعراء النبطيون بين النزعة الفنّية واللغة العامّية الواضحة، وتكون لهم عادةً تجربة مباشرة في الموضوع المطروح.
من أشهر الشعراء النبطيين الأوائل ابن ضاهر الذي عاش في رأس الخيمة في القرن السادس عشر، ولا تزال أعماله تؤثّر في الشِّعر اليوم. ويُعتبَر سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس الوزراء وحاكم دبي، من أفضل رموز الشعر النبطي الحديث: هناك تسجيلات له يلقي فيها بعضاً من قصائده عبر موقعه الإلكتروني (www.sheikhmohammed.co.ae). كتب الشيخ محمد عن مواضيع كثيرة - منها السياسة والحب - فيُقدّم لمحات عن فلسفته في الحياة:
ســود الّليـالـي مَـــعَ صَـلْـفَـاتْ الأيّـامــي
نــاخــذ مـجـادمـهــا ونــتـــرك تـوالـيـهــا
نمشـي علـى دَربْ مـا تـوطـاه الأقـدامـي
وِانْ وِعْرِتْ الأرض يعجبني المشي فيه
الشِّعر النبطي يلقى رواجاً من جديد
ساعد اهتمام الشيخ محمد بالشعر النبطي بصعود شعبيته. ففي مطلع هذا العام، شاهد ملايين الأشخاص في مختلف أنحاء العالم العربي، الشاعر الإماراتي راشد أحمد الرميثي يفوز بخمسة ملايين درهم إماراتي (1.3 مليون دولار أمريكي) في الموسم الخامس من برنامج تلفزيون الواقع «شاعر المليون» على قناة أبو ظبي.
تقول الصحافية الإماراتية تالا الرماحي «البرنامج أشبه بـ»أمريكان آيدول» العالم العربي. إنها طريقة مهمة جداً للترويج للثقافة المحلية والحفاظ عليها وعلى الإرث المحلي، لا سيما في عصر العولمة حيث تشعر الشعوب أن ثقافتها باتت مهدّدة».
ويشرح أستاذ الاتصالات في جامعة الشارقة في الإمارات، محمد عايش «إنه الأكثر شهرة من الشِّعر في الخليج».
وقد ساهم افتتاح مركز الشارقة للشعر الشعبي وأكاديمية الشعر في أبو ظبي - وهي منشأة جديدة تقدّم دروساً في الشعر النبطي - في اجتذاب الشباب العرب أيضاً.
لقد شهد الشِّعر النبطي نهضة، وبات يحتل مكانة مهمّة في مجتمعنا اليوم. لم يعد شيئاً من الماضي، بل شكل من أشكال الفن المعاصر وجزءاً لا يتجزأ من التقاليد والثقافة، ويعبّر عن بعض المسائل الاجتماعية والسياسية الأكثر إلحاحاً في المنطقة، مع نفحة من الفكاهة أحياناً.