خلف أحمد الحبتور شخصية معروفة ومحترَمة في منطقة الخليج وخارجها. رجل الأعمال العصامي الذي حوّل خطوةً خطوة شركته الصغيرة الى أمبراطورية، هو من أصول متواضعة، وقد حافظ على تواضعه ولم يُغيِّره عالم الشهرة والمال. وها هو رئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور المعروف بمواقفه الصريحة والجريئة يكشف كل شيء عن حياته مع صدور سيرته الذاتية التي طال انتظارها . فيما يلي تقرير لجوانا أندروز
ما إن صدر كتاب "خلف أحمد الحبتور: السيرة الذاتية" حتى تهافت الناس على شرائه. وإلى جانب الإقبال الشديد، تقرّر اعتماده كمرجع مهم يجب تدريسه في المنشآت الثقافية في الإمارات. والأسباب واضحة جداً.
وقد أُطلِق الكتاب الصادر باللغتين العربية والإنجليزية في حفل خاص أقيم في منتجع وسبا الحبتور جراند يوم الثلاثاء 13 نوفمبر. واطّلع الحضور الذي ضمّ 350 شخصاً معظمهم من عائلة الحبتور وأصدقائه الذين قدِموا من مختلف أنحاء العالم، على الكتاب الذي يروي سيرة الحبتور منذ طفولته التي عاشها في كوخ مصنوع من سعف النخيل وصولاً إلى المحاولات الكثيرة التي بذلها لبناء عمل ناجح لإعالة أسرته وإيجاد مكانه في الحياة.
وكان بين المدعوّين سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي في دولة الإمارات، عضو الكونغرس الأمريكي السابق بول فيندلي، الدكتورة رفيعة عبيد غباش، الرئيس السابق لجامعة الخليج العربي في البحرين ومؤسِّس متحف المرأة في دبي، أحمد الجارالله، رئيس تحرير صحيفتَي "السياسة" و"عرب تايمز" الكويتية، إلى جانب شخصيات أخرى مرموقة.
يتذكّر الحبتور الذي شهد على بعض نقاط التحوّل الأكثر محوريّة في التاريخ، محطّات حياته على خلفيّة الأحداث العالمية الكبرى، فيتوقّف في سيرته الذاتية عند ولادة اتّحاد دولة الإمارات في العام 1971، وحرب الخليج في مطلع التسعينات، وهجمات 11 سبتمبر، والكثير من الأحداث الأخرى. ويكتب عن القلق الذي شعر به بعد اجتياح صدام حسين للكويت.
"لم أعرف الخوف الحقيقي إلا بعد أن أدركت أن طموحات صدّام قد تتعدّى حدود الكويت إلى بلدان أخرى، وقد غمر هذا الشعور أهل الإمارات جميعاً، وإن كانوا لم يقرّوا بذلك. وكنت كل يوم، حين أصحو من النوم لأؤدّي صلاة الفجر، أنظر من النافذة إلى السماء الملتحفة بردائها الأسود والأرجواني بانتظار بزوغ الشمس، ويتهيأ لي أحياناً عند رؤية أي ضوء متحرّك أنّ صاروخاً اتجه صوبنا، ووصلت بي الحال إلى الارتعاد خوفاً عند سماع صوت فرقعة عادم شاحنة".
فشل ونجاح
يتحدّث الحبتور أيضاً في سيرته الذاتية عن آماله وأحلامه، ويروي كيف تحدّى الصعاب بفضل تصميمه واجتهاده في العمل، ليصبح رئيس مجلس إدارة واحدة من كبرى المجموعات في المنطقة.
ليس الحبتور ممّن يستسلمون، ولا يهاب مواجهة الصعاب. يقول "لا يتحقّق النجاح بسهولة. لقد تسلّحت بمبادئ قويّة، وثقة لا تتزعزع بالنفس، وقدرة جريئة لتحمل المخاطر".
ويتابع "استلهمت الكثير من الحكمة من مؤسّسَي دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم اللذين كان لهما الأثر الكبير في مسيرتي إلى النجاح".
أثنى الحبتور أيضاً في كتابه على والده "الحنون". فقد كتب "كان أحمد بن محمد الصخرة التي أتّكئ إليها منذ اليوم الذي بدأت أمشي وأتكلّم فيه. لا أعتقد أن هناك ولداً في العالم أُنعِم عليه بكل الحب الذي حظيت به في صغري. كان "أبويَ" يعشق أولاده جميعاً، لكن ولسبب ما، أحبّني أكثر من إخوتي. نادراً ما كان يدعني أغيب عن نظره. ربما رأى فيّ نسخة مصغّرة عنه، أم "شبلاً من ذاك الأسد"، لأننا كنّا متشابهَين جداً في الخصال والشكل الخارجي".
وقال الحبتور "استغرقت كتابة سيرتي الذاتية أكثر من عامَين؛ كان مشروعاً طويلاً تطلّب الكثير من الوقت. يسرّني أنه أبصر النور، وأنا سعيد جداً بمشاركة هذا العدد الكبير من الأشخاص في إطلاقه".
رحلة عبر الزمن
بدأ الحفل بعرض صور فوتوغرافية سوداء وبيضاء رائعة تُظهر رحلة خلف الحبتور في الحياة. وقد حظينا بفرصة نادرة لرؤية صور الحبتور على مر السنين برفقة أشخاص مثل المغفور له سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس وصاحب فكرة إتحاد الإمارات العربية المتحدة؛ والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي يعود إليه الفضل في تحويل دبي من مجموعة مستوطنات صغيرة إلى مدينة حديثة ومركزاً تجارياً؛ والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الإمارات؛ والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
يتوجّه الحبتور في سيرته الذاتية التي شاركت في كتابتها ليندا س. هيرد، بالشكر إلى "التفكير القيادي الطليعي للآباء المؤسّسين". ويضيف "أُتيحَت لنا فرصة بناء بلد متميّز يستحقّ احترام المجتمع الدولي وإعجابه. لقد تحقّق ذلك، ولله الحمد، وأصبحت لدينا الآن دولة تحظى بتقدير كبير".
ويظهر في صور أخرى مع رائد الفضاء الأمريكي باز ألدرين (ثاني رجل مشى على سطح القمر)، والملكة البريطانية إليزابيث الثانية، الصديقة الشخصية لعائلة الحبتور التي تهوى رياضة البولو، ومع الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر الذي ظهر أيضاً في الصور على جدران المعرض. وقد امتلأت القاعة بالأصدقاء وكبار الشخصيات، وكان واضحاً الاحترام الشديد الذي يكنّونه للحبتور، والذي تجلّى أكثر فأكثر في الكلمات النابعة من القلب التي ألقاها أصدقاؤه المقرَّبون.
وبعد توجّه المدعوّين إلى القاعة الرئيسة، تم عرض ثلاث مقتطفات من الكتاب. كشف المقتطف الأول بأسلوب ظريف كيف أن آل الحبتور لا يزالون غير أكيدين حتى يومنا هذا من جذور اسم العائلة. إحدى النظريات التي طرحها أحد الأصدقاء وهو "الراحل جاك بريجز، الذي كان آخر مأمور شرطة أجنبي في دبي، أنّ الحبتور يعني «صياد الثعالب القصير». ولا داعي للقول إنني لم أكن مسروراً جداً بهذه المعلومة. أعجِبت بقسم «صياد الثعالب»، لكن بحقّ الله، مَن منا يودّ أن يُلصق به لقب «القصير»؟!"
والمقطع الثاني طرحه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي قال للحبتور ذات يوم في لبنان قبل بضع سنوات "أنت يمني. لدينا في اليمن عشيرة كبيرة من الحبتور، يفوق عدد أفرادها الستة آلاف شخص. لا شكّ في أنهم أقرباؤك.» سألته "هل هم أغنياء؟ أجاب "ليسوا أغنياء، لكنهم على قدر وافر من العلم". فأردفت ممازحاً "في هذه الحالة، من الأفضل أن أتركهم لك. ليست لديّ غرف كافية في الفندق لاستضافتهم جميعاً".
تحية ملَكية
وكان أوّل المتحدثين سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان الذي أغدق الثناء على الرجل الذي عرفه منذ الطفولة: "خلف الحبتور شخصية وطنية فريدة ومتميّزة... نُقدّر هذا الكتاب ونعتزّ كثيراً بهذا المؤلّف".
وأضاف "الكتاب ومؤلّفه يُقدّمان إلى القارئ العربي في كل مكان سيرةً ذاتيةً وظيفية، بأسلوبٍ شيّق، وعبارات سلِسة، ما إن تبدأ قرأته إلا وتجدُ نفسك مشدوداً إليه، مرتبطاً به... هنيئاً للقارئ العربي في الإمارات وفي كل مكان، هذا الكتاب القيّم الذي يقدّم خبراتٍ متراكمة، ويبثّ إلينا المعاني والأفكار برؤىً متفتّحة وملاحظات دقيقة".
وألقى الكلمة الثانية في الحفل عضو الكونغرس الأمريكي السابق بول فيندلي، الذي قطع المسافة من مدينة جاكسونفيل في ولاية إلينوي للمشاركة في الحفل على الرغم من عمره الواحد والتسعين. انتُخِب فيندلي، وهو صديق للحبتور، نائباً لأول مرة في العام 1961، وخدم 22 عاماً في الكونغرس.
وبعد كلمته، استمع الحضور إلى مقتطف الثاني من الكتاب يتحدّث عن خلف الحبتور، الشاب الرصين والقوي العزيمة الذي تعلّم درساً قيِّماً في الحياة. يروي كيف تقدّم بطلب للعمل مترجماً في شركة جيولوجية أمريكية عندما كان في الرابعة عشرة من عمره: "إلى جانب صغر سني، وقلة مؤهلاتي وخبرتي، واجهت مشكلة بسيطة، ففي ذلك الوقت لم أكن أتقن أكثر من كلمتين أو ثلاث باللغه الإنجليزية. لم أصدق نفسي عندما وظفوني. لكنني كدت أن أقدم استقالتي عندما طُلِبَ مني رئيسي في العمل أن أكنس أرض المختبر. بالطبع كنت أمانع، فحمل رئيسي المكنسه وبدأ بكنس الأرض بنفسه. وقفت أراقبه، فيما كان الغضب يمزقني من الداخل، محدثاً نفسي: إذا كان رئيسي في العمل مستعدا للقيام بأعمال التنظيف، فمن أنا لكي أتذمر؟ وفي تلك اللحظة عرفت معنى التواضع. لن يحط أي إنسان من قدره إذا أدى عملا مشرفاً، وينظف الفوضى التي يسببها.
والكلمة الأخيرة كانت للدكتورة رفيعة عبيد غباش، الرئيس السابق لجامعة الخليج العربي في البحرين، ومؤسِّس متحف المرأة في دبي.
الفشل ليس خياراً
المقتطف الأخير من الكتاب الذي تم عرضه على الحاضرين، يحكي قصّة النجاح الذي لم يكن تحقيقه سهلاً بالنسبة إلى الحبتور. فالكاتب يروي لنا كيف ناضل لتحويل أفكاره الكثيرة، وكيف رفض الاستسلام على الرغم من أنه وصل إلى حافّة الإفلاس في أكثر من مرّة.
ولم يكن مقدراً لمشروع الحبتور للخيام أن يبصر النور، حيث خطّط لاستيراد خيم اسكندينافية جميلة، وجمع ملبغاً كافياً من المال لتسديد ثمنها. لكن لدى وصولها، اكتشف أن الخيَم تتّسع لشخص واحد، وأصبح موضع سخرية من أصدقائه.
قرّر لاحقاً فتح مصنع للصابون. لكنّ مصيره كان الفشل منذ البداية. فهو لم يتمكّن من الحصول على امتياز من شركة معروفة، فقرّر تنفيذ المشروع بمفرده إلى أن أصيب الزبائن بالبثور والطفح الجلدي. لكن هذه التجربة علّمته درساً قيّماً في الحياة: "أننا لم نفكر في المشروع ملياً". وأضاف يقول المثل العربي "لا يتعلم المرء إلا من كيسه". وقد تعلمت من كيسي بالفعل.أنصح الناس دوماً بالتركيز على الأعمال أو المهن التي يعرفون كل تفاصيلها، أو التي تهمّهم وتعنيهم بشكل خاص. وكم تمنّيت لو أسدى إليّ أحدهم تلك النصيحة، ووفّر عليّ درساً مكلفاً وقاسياً."
في ختام الحفل، اعتلى خلف الحبتور خشبة المسرح، وحوّل الأنظار نحو صديقه بول فيندلي الذي كرّمه بمنحه جائزة تقديريه للأعوام التي أمضاها في خدمة العالم العربي، وتبرّع بمبلغ لمؤسّسة لوسي فيندلي التي تحمل اسم زوجته الراحلة.
وكان الحاضرون ينتظرون بفارغ الصبر للحصول على نسختهم من الكتاب. وهكذا عند انتهاء الحفل، فُتِحَت أبواب القاعة وتوجّه المدعوّون نحو البهو حيث تقدّموا بأعداد كبيرة نحو خلف الحبتور للحصول على توقيعه على نسختهم.
كان واضحاً أن هذا الرجل المحبوب جداً هو شاهدٌ على حكمة الآباء المؤسّسين للإمارات، وأنّه يُعتبَر كنزاً وطنياً. إنها بالفعل ليلة لا تُنتسى.