مارغريت تاتشر هي المرأة الأولى والوحيدة التي تولت منصب رئاسة وزراء بريطانيا، واستمرت في الحكم مدة هي الأطول في المملكة المتحدة في القرن العشرين. جوانا أندروز تحيي المرأة الحديدية التي توفيت في الثامن من أبريل عن عمر سبعة وثمانين عاما.ً
غيّرت البارونة #مارغريت_تاتشر وجه بريطانيا. لقد وصلت رئيسة الوزراء المحافظة إلى الحكم في العام 1979 حين كانت البلاد تمرّ بفترة عُرفت بـ"شتاء الاستياء"، وكانت مشلولة نتيجة التحرّكات النقابية والإضرابات الوطنية، وحين كانت الحرب الباردة ترخي بظلالها القاتمة على أوروبا.
بدت مهمتها في "10 داونينغ ستريت" حيث مقرّ رئاسة الحكومة، شاقة؛ فولايتها بدأت على وقع ارتفاع معدّل التضخم، وبلوغ نسبة البطالة مستوى عالياً، وكانت النقابات عصيّة على الترويض – أو هكذا كان يُعتقد – إلى أن وُجِد من يقف في وجهها.
لم يكن هناك من مجال للمساومة لدى تاتشر، فقد جرّدت النقابات من صلاحياتها ونفوذها، وعمدت في نهاية المطاف إلى خصخصة الصناعة البريطانية؛ من الفولاذ إلى الغاز، ومن الاتصالات السلكية واللاسلكية إلى المياه. وقد أدّت هذه الخطة إلى جمع عشرات مليارات الجنيهات الاسترلينية التي كانت البلاد بأمسّ الحاجة إليها. إلاّ أن تاتشر لم تتوقّف عند هذا الحد، فهي لم تحدث ثورة في المنظومة الاجتماعية في بلادها فحسب، بل ذهبت أبعد من ذلك بكثير. وقد أسهمت، بالتعاون مع حليفها المقرّب #الرئيس_الأمريكي_رونالد_ريغان الذي جمعتها به "علاقة مميّزة"، في جعل الغرب يكسب الحرب الباردة عبر إسدال الستارة على الإمبراطورية السوفياتية المتداعية. كما عارضت بشدة توثيق العلاقات السياسية مع أوروبا.
وحين غزت الأرجنتين #جزر_فوكلاند في 2 أبريل 1982، لم تتردد تاتشر في إرسال فرقة خاصة من 25 ألف جندي لاستعادة السيطرة على المستعمرة الصغيرة التي تبعد ثمانية آلاف ميل عن بريطانيا. وقد استمر النزاع 74 يوما. وساعد الانتصار في #جزر_فوكلاند، في ترسيخ صورة تاتشر وسمعتها في الداخل والخارج. وهكذا وُلدت "التاتشرية" بكل ما للكلمة من معنى.
ليس مستغرباً أن تنهال إثر وفاتها، المواقف المشيدة بها من كبار الشخصيات حول العالم.
فقد قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون "لم تتولَّ #مارغريت_تاتشر فقط قيادة بلدنا، بل أنقذته، وأعتقد أن اسمها سينطبع في التاريخ بأنها أعظم رئيسة وزراء عرفتها بريطانيا في فترة السلم"، مضيفاً "لقد أسهمت تاتشر في نهوض بريطانيا بعدما كانت ترزح تحت وطأة الصعوبات. تمتعت بحس وطني عال خلال رئاستها للوزراء. فحين ظنّ الناس أن بريطانيا لن تكون عظمى مجدداً، برهنت أنهم على خطأ".
أما الرئيس باراك أوباما فرأى "أن العالم فَقَد بطلة من أبطال الحرية العِظام، وأن الولايات المتحدة الأمريكية خسرت صديقة حقيقية"، معتبراً "أنها أعطت أمثولة لبناتنا بأنه يمكن تحطيم حواجز التمييز أياً تكن".
وبدوره اعتبر الزعيم السوفياتي الإصلاحي #ميخائيل_غورباتشوف الذي قدّم تعازيه بوفاة تاتشر، أنها "كانت سياسية من الوزن الثقيل وشخصية لافتة"، قائلاً "ستبقى في ذاكرتنا وفي التاريخ".
لكن للأسف أحيت المجموعات الفوضوية احتفالات عند شيوع نبأ وفاتها، وكان تعامل المناهضين لتاتشر مع الخبر عبر شبكات التواصل الإجتماعي مثيرا للصدمة. واحتلت أغنية "دينغ دونغ! ماتت الساحرة" من فيلم "ساحر أوز" لعام 1939، المرتبة الثانية في قائمة الأغاني بعد 74 عاماً من بثها لأول مرة وسجلت أيضا زيادة في مبيعات الأغنية بصوت إيلا فيترجرالد كما غنتها في العام 1961
مرحلة الجيش الجمهوري الإيرلندي
لم تتهاون تاتشر مطلقاً مع الإرهاب، وقد تحوّلت سريعاً إلى الهدف رقم واحد على لائحة الاستهداف من الجيش الجمهوري الإيرلندي. وفي الساعة 2:45 من فجر يوم 12 أكتوبر من العام 1984، كانت قد أنهت للتو عملها في غرفتها في فندق "غراند أوتيل" في برينغتون، حين انفجرت قنبلة في المكان مسبّبةً دمارا كبيرا في المبنى ومخلّفةً خمسة قتلى في عداد أصدقائها وزملائها المشاركين في مؤتمر حزب المحافظين. وعند الرابعة فجرا خرجت تاتشر من بين ركام الانفجار لتعلن أن المؤتمر سينطلق كما هو مقرّر بعد خمس ساعات. وقد كانت على الموعد، فأطلّت بثقة وتحدٍّ على المنصة عند التاسعة والنصف صباحاً، وأكّدت في كلمتها الافتتاحية أن "كل المحاولات لإسقاط الديمقراطية عبر الإرهاب ستفشل".
وفي اليوم عينه قال الجيش الإيرلندي الجمهوري في بيان "لم يحالفنا الحظ اليوم، ولكن تذكّروا أنه يكفي أن يكون الحظ حليفنا مرة واحدة. أما أنتم فسوف تحتاجون إلى أن يسعفكم الحظ دائماً. امنحوا إيرلندا السلام ولن يكون هناك مزيد من الحروب". وقد أدركت تاتشر أنها كانت محظوظة جداً، فقد قالت للمراسلين "لم يكونوا يريدون لي أن أبقى لأشهد على هذا اليوم".
السيدة البريطانية الأولى
لم تكن تاتشر نفسها تحلم بأن تصبح رئيسة وزراء. أنّى لها ذلك وقد كان الرجال يهيمنون في مطلع السبعينيات على الساحة السياسية في بريطانيا. وهي نفسها قالت ذات مرة "لم أفكّر يوما في إمكان وصول امرأة إلى رئاسة الوزراء خلال حياتي". وقد أثبتت بنفسها أنها كانت مخطئة. فالمرأة الأولى والوحيدة التي تولت رئاسة وزراء بريطانيا فازت في ثلاثة انتخابات متتالية.
استُخدِمَت أوصاف مثل الشجاعة والتشدّد والغطرسة والصرامة، للحديث عن تاتشر التي حصلت بفضل قوتها وقدرتها على اتخاذ القرارات الصعبة، على لقب "#المرأة_الحديدية" – الذي كان الروس قد استخدموه أولاً.
نشأتها
لم ترَ #المرأة_الحديدية النور في عائلة ثرية ونافذة. فقد وُلدت مارغريت هيلدا روبرتس في العام 1925 في مدينة غرانثام في مقاطعة لينكولنشاير في زمن الركود الكبير. وهي كانت الابنة الصغرى لألفريد الذي كان يملك متجر بقالة في زاوية الشارع. لقد تلقّت تحصيلاً علمياً مكتملاً، فقد درست فن الخطابة في المدرسة، ولاحقاً درست الكيمياء في جامعة أكسفورد، وهو ما يُعَدّ إنجازاً كبيراً لامرأة تتحدّر من أصول متواضعة في ذلك العصر. وفي جامعة أكسفورد انضمت إلى "جمعية المحافظين" حيث سطع نجمها سريعاً وارتقت سلّم المراتب.
تزوجت ماغريت رجل الأعمال الثري دنيس تاتشر الذي يكبرها بعشر سنوات، ورُزقا في العام 1953 بتوأم؛ كارول ومارك. وهي أكدت مراراً أنه لولا مساعدة زوجها ودعمه، لما تمكّنت من تحقيق كل هذه الإنجازات. وقد استمر زواجهما خمسين عاما إلى حين وفاته في العام 2004.
وحين خضعت في النهاية للضغوط المطالِبة باستقالتها من منصب رئاسة الوزراء في نوفمبر 1990, غادرت للمرة الأخيرة "10 دوانينغ ستريت" برفقة زوجها، في مشهد شهير علق في الأذهان حيث جلست تبكي في المقعد الخلفي لسيارتها الليموزين.
وفاة تاتشر
كان الوضع الصحي للبارونة تاتشر متردّيا على مدى العقد الماضي إثر وفاة زوجها. فقد أصيبت بفقدان الذاكرة لفترة قصيرة وتعرّضت لجلطات دماغية.
أُقيمت لها جنازة احتفالية ضخمة في كاتدرائية القديس بولس، أقرب إلى جنازة رسمية كاملة. وكان ونستون تشرشل آخر سياسي حظي بهذا الشرف في العام 1965.
تترك #مارغريت_تاتشر إرثاً عظيماً، وهي ستبقى في الذاكرة إلى الأبد صاحبة إرادة قوية وبطلة من أبطال الحرية. ولا يمكن لأحد، سواء أحبّها أم كرهها، أن ينكر أنها كانت شخصية سياسية بارزة وزعمية تيار فاعلة تركت بصمة دائمة في العالم.