الثلاثاء، 16 أبريل 2024

فتى من الشندغة

بقلم جوانا أندروز

والدي، أحمد بن محمد الحبتور (إلى اليسار) مع أخوالي وجدّي لأمي، أحمد بن خلف العتيبة (الرابع من اليسار)
خور دبي
تقع واحة ليوا عند حدود صحراء الربع الخالي القاحلة

فتتح‭ ‬خلف‭ ‬أحمد‭ ‬الحبتور‭ ‬مؤخراً‭ ‬معرضًا‭ ‬دائمًا‭ ‬عن‭ ‬حياته‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ "‬رحلة‭ ‬حياة‭ ‬خلف‭ ‬أحمد‭ ‬الحبتور‭". ‬تأخذ‭ ‬الزوار‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬تفاعلية‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬مجموعة‭ ‬الحبتور‭.‬

يستعرض‭ ‬المعرض‭ ‬مجموعة‭ ‬محطات‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الحبتور‭ ‬الشخصية‭ ‬والمهنية‭. ‬جوانا‭ ‬اندروز‭ ‬تسلط‭ ‬الضوء‭ ‬للقراء‭ ‬عن‭ ‬بداية‭ ‬المعرض‭ - ‬فتى‭ ‬من‭ ‬الشندغة،‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬ببداياته‭ ‬المتواضعة‭.‬

نشأت‭ ‬كالمحارب‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬مليء‭ ‬بالعقبات‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬بقائك‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتوفر‭ ‬حتى‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬الأساسية‭. ‬قمنا‭ ‬بحفر‭ ‬آبار‭ ‬للمياه‭ ‬الملوثة‭ ‬الموبؤة‭ ‬بالحشرات‭. ‬كنا‭ ‬نصطاد‭ ‬الحيوانات‭ ‬أو‭ ‬الأسماك‭ ‬وغالباً‭ ‬كنا‭ ‬ننام‭ ‬جوعى‭. ‬

ما‭ ‬أجمل‭ ‬المنزل

في‭ ‬طفولتي،‭ ‬كان‭ ‬بيت‭ ‬العريش‭ ‬الصغير‭ ‬المحاذي‭ ‬للشاطئ‭ ‬يبدو‭ ‬واسعاً‭. ‬كان‭ ‬الأثاث‭ ‬الوحيد‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مراتب‭ ‬رقيقة‭ ‬وأغطية‭ ‬ووسائد‭ ‬وبساط‭ ‬يدوي‭ ‬الصنع‭. ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬سرير‭ ‬واحد‭ ‬لا‭ ‬ينام‭ ‬أحد‭ ‬عليه‭. ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬من‭ ‬السنة،‭ ‬كانت‭ ‬أمواج‭ ‬ضخمة‭ ‬تبلّل‭ ‬فراشنا‭ ‬بالماء‭. ‬وفي‭ ‬أوقات‭ ‬أخرى،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬الحر‭ ‬الشديد‭ ‬والرطوبة‭ ‬والعواصف‭ ‬الرملية‭ ‬والبعوض‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬داء‭ ‬الملاريا‭.‬

كانت‭ ‬الكهرباء‭ ‬حلماً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭. ‬كنّا‭ ‬نأكل‭ ‬بأيدينا‭ ‬من‭ ‬صينية‭ ‬واحدة‭ ‬موضوعة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬وكان‭ ‬المرحاض‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حفرة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬المنزل‭. ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المشقّات،‭ ‬كنّا‭ ‬نشعر‭ ‬بالامتنان‭ ‬على‭ ‬النذر‭ ‬اليسير‭ ‬الذي‭ ‬نمتلكه‭. ‬كنّا‭ ‬سعداء‭. ‬تعلّمت‭ ‬ألا‭ ‬أحكم‭ ‬أبداً‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬بحسب‭ ‬مقتنياتهم،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬تنضح‭ ‬به‭ ‬قلوبهم‭ ‬من‭ ‬ذهب‭.‬

أبراج الرياح

كان‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬والتجّار‭ ‬الأثرياء،‭ ‬وتجّار‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬والمسؤولون‭ ‬الأجانب‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬أبراج‭ ‬رياح‭ (‬تُعرَف‭ ‬بـ‭ ‬ابيت‭ ‬مرجانب‭) ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬المرجاني‭ ‬وحجر‭ ‬الكلس‭ ‬ومؤلّفة‭ ‬من‭ ‬طوابق‭ ‬عدّة،‭ ‬وكانت‭ ‬تُشيَّد‭ ‬حول‭ ‬باحة‭ ‬في‭ ‬الوسط‭. ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأبراج‭ ‬تضم‭ ‬أجنحة‭ ‬واسعة‭ ‬للنساء‭ ‬ومجالس‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬استقبال‭ ‬الضيوف‭. ‬بعض‭ ‬بيوت‭ ‬العريش‭ ‬الأكثر‭ ‬تطوراً‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬تبريدها‭ ‬أيضاً‭ ‬بواسطة‭ ‬أبراج‭ ‬رياح‭ ‬بسيطة‭.‬

الجذور

كان‭ ‬والدي‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬الحبتور‭ ‬رجلاً‭ ‬أبيّاً‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬قبيلة‭ ‬المرر،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬فروع‭ ‬قبيلة‭ ‬بني‭ ‬ياس‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬أصولها‭ ‬إلى‭ ‬واحة‭ ‬ليوا‭ ‬عند‭ ‬أطراف‭ ‬صحراء‭ ‬الربع‭ ‬الخالي‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الصحارى‭ ‬الأعلى‭ ‬حرارة‭ ‬والأكثر‭ ‬جفافاً‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭. ‬يتحدّر‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬الإماراتية‭ ‬الأكثر‭ ‬نفوذاً‭ ‬من‭ ‬واحة‭ ‬ليوا،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تلك‭ ‬العائلات‭ ‬تشعر‭ ‬بارتباط‭ ‬عاطفي‭ ‬مع‭ ‬أرض‭ ‬أجدادها‭.‬

أفراد‭ ‬عائلة‭ ‬الحبتور‭ ‬الموسّعة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الفرع‭ ‬الذي‭ ‬أنتمي‭ ‬إليه،‭ ‬يجمعهم‭ ‬رابط‭ ‬النسب‭ ‬بالأسرة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أبوظبي‭ ‬ودبي،‭ ‬وكذلك‭ ‬بعائلات‭ ‬مرموقة،‭ ‬منها‭ ‬#العتيبة‭ ‬والمجرن‭ ‬والشعفار‭ ‬والغيث‭ ‬والمزروعي‭ ‬والسويدي‭.‬

لم‭ ‬أنجح‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬أصل‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬تُعرَف‭ ‬به‭ ‬عائلتي،‭ ‬الحبتور،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬رئيس‭ ‬شرطة‭ ‬دبي‭ ‬السابق‭ ‬وأحد‭ ‬الرؤساء‭ ‬السابقين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حل‭ ‬هذا‭ ‬اللغز‭.‬

العائلة

والدي‭ ‬أحمد،‭ ‬وهو‭ ‬نجل‭ ‬شيخ‭ ‬ديني‭ ‬مرموق،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صخرتي‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬أيضاً‭ ‬صديقي‭ ‬المفضّل‭. ‬علّمني‭ ‬السباحة،‭ ‬وركوب‭ ‬الخيل‭ ‬والجِمال،‭ ‬والصيد،‭ ‬والرماية‭. ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يدعني‭ ‬أغيب‭ ‬عن‭ ‬نظره،‭ ‬وكان‭ ‬يصطحبني‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬أسفاره‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬والهند‭. ‬كان‭ ‬تاجراً‭ ‬صغيراً‭ ‬للؤلؤ‭ ‬والذهب،‭ ‬وقد‭ ‬علمني‭ ‬قواعد‭ ‬التجارة‭ ‬الأساسية‭ ‬وزرع‭ ‬لديّ‭ ‬عشقاً‭ ‬دائماً‭ ‬للشِّعر‭.‬

كنت‭ ‬أجلس‭ ‬مدهوشاً‭ ‬وأنا‭ ‬أصغي‭ ‬إليه‭ ‬يلقي‭ ‬قصائد‭ ‬بقلم‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭. ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬قصائد‭ ‬جميلة‭. ‬ليتني‭ ‬دوّنتها‭. ‬أتذكّر‭ ‬فقط‭ ‬بضعة‭ ‬أبيات‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬كتبها‭ ‬للشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬آل‭ ‬مكتوم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمرّ‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬عصيبة‭:‬

جاني‭ ‬قول‭ ‬عجيبي،‭ ‬حيّ‭ ‬عدد‭ ‬الأنسام

ما‭ ‬زعزعت‭ ‬المغيبي،‭ ‬وتله‭ ‬سوت‭ ‬جتام

من‭ ‬صب‭ ‬مستصيبي،‭ ‬ما‭ ‬يلتذ‭ ‬بمنام ‭ ‬ يشكو‭ ‬هجر‭ ‬الحبيبي،‭ ‬ومزايدة‭ ‬الأوهام

شانك‭ ‬لا‭ ‬تستجيبي،‭ ‬وتدرك‭ ‬مقام

لا‭ ‬تسمع‭ ‬السبيبي،‭ ‬ومزايدة‭ ‬الأوهام

سر‭ ‬للمُحِب‭ ‬يطيبي،‭ ‬واعطه‭ ‬لين‭ ‬الكلام ‭   

 ‬أصبر‭ ‬على‭ ‬التعذيبي،‭ ‬

واخضع‭ ‬وصِر‭ ‬جتَّام‭...‬

كان‭ ‬منزلنا‭ ‬البسيط‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬سعف‭ ‬النخيل‭ ‬يعد‭ ‬حصناً‭ ‬كبيراً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا،‭ ‬ويسوده‭ ‬الحب‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭. ‬كانت‭ ‬الكرامة‭ ‬وعزة‭ ‬النفس‭ ‬هم‭ ‬ثروتنا‭. ‬لطالما‭ ‬ردّد‭ ‬والدي‭ ‬على‭ ‬مسامعي‭: ‬احين‭ ‬تقابل‭ ‬أحدهم‭ ‬أيّاً‭ ‬كان،‭ ‬إيّاك‭ ‬والنظر‭ ‬أرضاً‭ ‬بل‭ ‬انظر‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬عينيه‭  .‬

 

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم