أحدث كتاب جديد نشره بالغة العبرية مؤرخ يحاضر في جامعة تل أبيب هزة ضربت أسس إسرائيل كدولة للشعب اليهودي. ومنذ شهور يتصدر كتاب "متى وكيف اخترعوا الشعب اليهودي؟" للبروفسور شلومو ساند قوائم أكثر الكتب مبيعاً وينتظر ترجمته لعدد كبير من لغات العالم كما سيطرح في الولايات المتحدة أواخر هذا العام. وهذا الكتاب الذي امتدحه البعض ولعنه البعض قد فتح الباب أمام جدل فكري كبير وضرب على وتر حساس للكثيرين. عن الكتاب الجديد تكتب ليندا هيرد.
 

يهاجم كتاب "متى وكيف اخترعوا الشعب اليهودي؟" جذور العقيدة الصهيونية التي تقوم على التبشير بأن اليهود ليسوا مجرد أناس يعتنقون ديناً واحداً وينتمون إلى مجموعة ثقافية واحدة فحسب، بل هم شعب من النازحين يجمعهم أصل عرقي واحد.

غير أن البروفسور ساند يقول أن اليهود لا يشتركون بأصل عرقي وأن ما يسمى بوجودهم التاريخي على شكل "عرق قومي" متماسك ليس إلا مجرد أسطورة. ويؤكد على أن فكرة الشعب اليهودي اللاجئ الذي خرج بالقوة إلى بلاد الشتات قد فبركتها الأوساط الأكاديمية الصهيونية في القرن التاسع عشر لتكون ذريعة خيالية لتأسيس دولة يهودية.

ويعتقد ساند بأن اليهود يتشكلون من جماعات عرقية مختلفة لا تجمعها سوى المعتقدات الدينية. ويؤكد على أن أسلاف معظم اليهود اليوم قد دخلوا اليهودية حين كانت هذه الديانة تبشر بالتحول إليها.

ويقول إن التاريخ لم يشهد أبداً أي عملية كبيرة للنفي بالقوة من الديار المقدسة وهو ما أزعج بالطبع المتدينين اليهود. ويقول أيضاً بأنه لم يسبق أن وجد شعب يهودي، بل دين يهودي فقط. ويضيف أن اليهود الذين ينحدرون فعلاً من فلسطين المحتلة وما هي اليوم دولة إسرائيل لهم روابط عرقية مع الفلسطينيين أكثر من أي يهودي آخر. إذاً كيف أصبح اليهود منتشرين في مختلف أرجاء العالم؟

في النسخة الإنكليزية من صحيفة هآرتز الإسرائيلية يجيب توم سيغيف على هذا السؤال وهو يقدم قراءة للكتاب وملخصاً لنظرية ساند الجريئة بقوله:

"ينقل ساند الكثير من الأقوال الواردة في دراسات موجودة بالفعل، وبعضها مكتوب في إسرائيل، غير أنها منعت من أن تدخل دائرة الضوء. كما يصف مطولاً المملكة اليهودية في حمير في جنوب الجزيرة العربية واليهود البربر في شمال إفريقيا. والجالية اليهودية في إسبابيا تتشكل من عرب تحولوا إلى اليهودية ووصلتها مع العرب الذين الذين استولوا على إسبانيا من المسيحيين ومن أناس أوروبيي الأصل تحولوا إلى اليهودية أيضاً."

"يهود الأشكناز (ألمانيا) الأوائل لم يأتوا من إسرائيل ولم يصلوا أوروبا الشرقية من ألمانيا، بل أصبحوا يهوداً في مملكة الخزر في القوقاز. ويشرح ساند أصول الثقافة اليديشية بالقول: لم تكن بضاعة مستوردة من ألمانيا، بل نتيجة الاتصال بين نسل الخزريين والألمان الذين رحلوا شرقاً وبعضهم كانوا تجاراً... وهكذا نجد أن أناساً من شعوب وأعراق مختلفة، شقراً وسوداً، سمراً وصفراً، تحولوا لليهودية بأعداد كبيرة."

الكتاب ينكر القاعدة التي بنيت عليها دولة اليهود، إذ فيما هناك سوابق لشعوب مارست حقها في أن تكون لها دولتها القومية لم يعرف التاريخ سابقة لتأسيس دولة حصرية لمجموعة دينية.

والهدف من الكتاب بالفعل، مثلما يقول سيغيف، هو "دعم الفكرة القائلة بأن إسرائيل يجب أن تكون دولة لكل مواطنيها، يهوداً وعرباً وغيرهم، بخلاف هويتها المعلنة كدولة يهودية ديمقراطية." وهذا ما يوفر بعض الدعم لمن ينادون الآن بحل الدولة الواحدة.

لو أن مثل هذا الكتاب نشر في أي مكان آخر من العالم أو خطوه أي قلم غير قلم مؤرخ يهودي شهير، لوصف مباشرة بأنه عمل معاد للسامية. غير أن البروفسور ساند بمؤهلاته الكثيرة ليس هدفاً سهلاً.

ولد ساند في النمسا لأبوين يهوديين بولنديين هربا من الغزو النازي وأمضى سنوات نشأته في مخيم للاجئين قبل أن يهاجر مع عائلته إلى الدولة الإسرائيلية الناشئة في 1948. وهناك أدى الخدمة العسكرية وتخرج من جامعة تل أبيب بإجازة في التاريخ عام 1975. ثم أمضى عشر سنوات في باريس حصل خلالها على الماجستير والدكتوراه في التاريخ الفرنسي.

وعلى الرغم من المؤهلات الشخصية والعلمية التي يتمتع بها ساند، فإن منتقديه لم يكلوا عن مهاجمته. وقوبل كتابه للوصف بأشياء متباينة من مثل "حل نهائي للمشكلة اليهودية" و"دليل آخر على الاضطراب العقلي لدى اليسار الأكاديمي المتطرف في إسرائيل." ومع أن البروفسور إسرائيل بارتال، عميد كلية العلوم الإنسانية في الجامعة العبرية، قد هاجم الكتاب وشكك في دوافع مؤلفه إلا أنه يعترف بما يلي:

"ليس هناك من مؤرخ يهودي قومي سبق وأن حاول إخفاء الحقيقة المعروفة بأن حركات التحول لليهودية قد كان لها أثر كبير على التاريخ اليهودي في الحقب القديمة وأوائل العصور الوسيطة. وعلى الرغم من أن أسطورة النفي عن الوطن (فلسطين) موجودة في الثقافة اليهودية الشعبية، فإنها لا قيمة لها في الحوارات التاريخية اليهودية الجادة." إذاً، فالرجل لم يخطئ!

لا ريب في أن الجدل سيستمر طويلاً وما إن ينشر الكتاب بلغات أخرى، فإن الناطقين بغير العبرية سيتمكنون أخيراً من المشاركة فيه.
 


 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289