تبلغ مساحة صير بني ياس 87 كيلومتراً مربعاً مما يجعلها أكبر جزيرة طبيعية في الإمارات العربية المتحدة. ولكن ليس كبر المساحة هو ما يجعل صير بني ياس التي تبعد عن البر 250 كيلومتر قبالة ساحل أبوظبي وجهة لا غنى عن مشاهدتها. هناك يمكن للزائر أن يرى أكثر من 35 موقعاً أثرياً تؤكد أن هذه الجزيرة كانت مأهولة بالبشر في كل حقبة من حقب البشرية. ولكن حتى هذا الغنى التاريخي لا يشكل أهم مواطن الأهمية التي تتمتع بها الجزيرة.

لقد كانت للرؤية بعيدة النظر لإنسان كبير لأراد أن يوفر موطناً آمناً للحياة البرية سواء كانت من الجزيرة العربية أو آسيا أو إفريقيا هي التي جعلت من صير بني ياس وجهداً يقصدها الزوار من مختلف أرجاء العالم. جزيرة صير بني ياس هي تجسيد لحلم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الرئيس السابق لدولة الإمارات حيث حول هذه الجزيرة الصحراوية القاحلة إلى موئل لمجموعة كبيرة من أنواع الحيوانات البرية.

في البداية تم تخصيص جزيرة بني ياس لتكون محمية ومنتجعاً خاصاً للحياة البرية مخصصاً للفصائل الحيوانية الآسيوية والإفريقية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان، أما اليوم فقد أصبحت الجزيرة جزءاً من تجربة بيئية وحيوية شديدة الخصوصية. على هذه الجزيرة تسرح قطعان من 23 فصيلة من الحيوانات من بينها الزرافات ومجموعة متنوعة من الظباء وأحد أضخم القطعان في العالم من المها العربي المهدد بالانقراض. أما فصائل الطيور فتضم النحام والنوارس والغاق والدجاج البري وبط البلبول البري وبط الشولر وأبو ساقين أسود الجناح وبط الحذف وزقزاق السرطان وطائر النكّات والبلشون الرمادي.

ومن الخصائص المهمة لصير بني ياس هو أنها موطن للعديد من الفصائل المهددة بالانقراض أو التي تناقصت أعدادها إلى مستويات حرجة وفقاً لتصنيف الاتحاد العالمي لحماية الحياة البرية. ومن بين هذه الحيوانات السلاحف البحرية وغزلان الصحراء والظباء السوداء وخراف الأورية البرية والمها العربي.

يوجد أقدم ذكر لجزيرة صير بني ياس في وثائق تاجر المجوهرات الرحال غازبارو بالبي من مدينة البندقية (قرابة عام 1590 للميلاد) والتي وصفها بأنها جزيرة يصيد الغواصون اللؤلؤ في جوارها. وبعد ذلك بأكثر من قرنين من الزمان أتى ذكر هذه الجزيرة ببعض التفصيل في سجلات ضباك البحرية البريطانية الذين مسحوا مياه الخليج العربي الأدنى في العقدين الثاني والثالث من القرن التاسع عشر.

سميت الجزيرة بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة بني ياس الذين استوطنوا الجزيرة واستخدموها منطلقاً لرحلاتهم في البحر ومرفأً لسفنهم ومكاناً وفيراً لصيد السمك واللؤلؤ. وكان المغفور له الشيخ زايد قد اختارها بداية الأمر مكاناً لقضاء العطلات مع أبنائه بما يتماشى مع ما جرت عليه العادة بين القبائل العربية في السابق للاستمتاع بنسائم البحر الباردة في فصول الصيف الحارة.

غير أنه بدأ بعد ذلك نتيجة حبه الشديد للحياة البرية والبيئة بإطلاق فصائل من حيوانات الجزيرة العربية المهددة في الجزيرة مثل غزلان الصحراء والمها. ومع الوقت تحولت الجزيرة إلى محمية خاصة قبل أن يصار إلى افتتاحها أمام العامة أخيراً على أمل أن توفر لهم فهماً لما كان عليه المشهد الطبيعي في المنطقة قبل آلاف السنين من الآن حينما كانت تشبه سهول السافانا الإفريقية وتشترك مع القارة الإفريقية المجاورة بالكثير من أنواع الحيوانات.

وإلى جانب إطلاق العديد من الفصائل المحلية وغير المحلية من الحيوانات والطيور، فقد بدأ المغفور له أيضاً برنامجاً لتشجير الجزيرة زرعت خلاله حوالي 2.5 مليون شجرة ونبتة وبينها حوالي 18 ألف نخلة وكروم من الزيتون.

طوال أربعين عاماً بقيت صير بني ياس منتجعاً أميرياً لا تمكن زيارته إلا بدعوات خاصة لأولئك المحظوظين الذين حصلوا على الفرصة للتجول في الجزيرة. غير أن شكلاً جديداً من سياحة الطبيعة والمغامرات بدأت تظهر في أبوظبي بعد افتتاح فندق ومنتجع جزر الصحراء الفاخر وفيه 64 غرفة فندقية في أكتوبر من العام الماضي.

وبالنظر إلى التحفظ الشديد الذي كانت تبديه الحكومة إزاء فتح جزيرة بني ياس أمام العامة، لم يكن من المستغرب أن نعرف أن بناء الفندق استغرق 10 سنوات كاملة. غير أن إطلاق هذا الفندق نهاية الأمر كان بمثابة إعلان نهائي بوضع جزيرة بني ياس على خريطة السياحة العالمية.

تتوفر أمام زوار هذا الفندق والمنتجع الساحلي- الذي يتمتع بلمسة توحي بأنه بيت شيخ يتصف بألوانه البسيطة في الداخل- مجموعة متنوعة من النشاطات والمغامرات مثل جولات بسيارات الدفع الرباعي ومنتزه الحياة البرية العربية الذي يؤوي أضخم قطيع للمها العربي في العالم وجولات بقوارب الكاياك في غابات القرم والغوص السطحي في المياه المحمية الغنية بالحياة الفطرية وتسلق تلال الجزيرة القديمة مشياً أو على الدراجات العادية.

كما أن بدء رحلات جوية مرتين أسبوعياً بين أبوظبي والجزيرة أوائل هذا العام أصبح يوفر سهولة إضافية في الوصول إلي هذه الوجهة السياحية الجديدة للنخبة.

جزيرة صير بني ياس التي عرفت طويلاً بأنها محمية طبيعية ذات طبيعة خاصة ليست كباقي الوجهات السياحية في منطقة الخليج العربي. وهناك يمكن للزائر أن يتلمس آثار ترحال أهل البحر في الأيام الخوالي منذ عهود السلاطين والمستكشفين التي تلقي على الجزيرة هالة من الغرابة والإبهام. كما أن الآثار التي تعود للعصور الحجرية توشي المشهد العام القاسي للجزيرة لتكون شاهدة على حضور أقوام غابرين لم تكشف حضاراتهم بعد.

نتيجة للنجاح الكبير الذي حققه برنامج إكثار الحيوانات الذي أطلقه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان أصبحت الفصائل المحلية الأصيلة في المنطقة العربية تسرح في المنتزه الوطني للفصائل العربية إلى جانب مياه الجزيرة اللازوردية مثلما تسرح حيوانات الزرافات واللاما والنعام والغزلان بحرية فيما تتجول ثدييات أخرى داخل المناطق المخصصة لها. وتضم الجزيرة أكبر قطيع من 500 رأس من ظباء إيلاند الأضخم في العالم و30 زرافة والظباء السوداء التي تستوطن الهند وباكستان ونيبال وخراف الأورية البرية وهي خراف ذات صوف بني محمر ذات قرون ضخمة تستوطن إيران وكازاخستان وجنوب غرب باكستان إلى جانب خراف شمال إفريقيا البرية.

أما طيور النحام الحمراء فهي من المخلوقات المقيمة الساحرة على شواطئ الجزيرة ومصاطبها الرملية التي تتغلغل بين غابات القرم. كما تعتبر الدلافين وأبقار البحر والسلاحف البحرية من الزوار التي تتردد على صير بني ياس باستمرار.

ولعل أشهر مستوطني الجزيرة هو المها العربي الذي كان يعتبر على شفا الانقراض قبل بضع عقود من الزمن فقط. أما اليوم فتحتضن الجزيرة 400 رأس من أصل 2500 رأس ما تزال موجودة في كل العالم حيث تتمتع بالحماية في قطاع كبير من الجزيرة مخصص لها على سفوح جبل وحيد حيث تجول فيه حرة على مساحة تزيد على عدة كيلومترات مربعة من المساحات الطبيعية. ويواصل القطيع النمو بفضل تكاثره الطبيعي على الجزيرة.

يشكل المنتزه الوطني للحياة البرية العربية أكثر من نصف مساحة الجزيرة حيث يمكن استكشافه على أفضل وجه بمرافقة واحدة من الجولات السياحية لمدة ساعتين. والحيوانات المفترسة الوحيدة التي تستوطن المكان هي بعض القطط البرية والضباع التي تم إدخالها لتوفر نوعاً من "التنظيف الطبيعي" باعتبارها تقتات على الجيف.

والجزيرة توفر أيضاً موئلاً للعديد من فصائل الطيور المهاجرة والمقيمة أيضاً. وفي كل عام تتجمع طيور النحام الأكبر الملونة بأعداد كبيرة في السبخات الشاطئية إلى جانب أعداد كبيرة من الفصائل الأصغر حجماً التي تؤوي لغابات القرم. كما تجتذب بحيرة صناعية أعداداً كبيرة من البط والطيور المائية كما تستخدم أنواع عديدة من الطيور البحرية الجزيرة كمنطقة استراحة خلال هجرتها السنوية.

وحولت البساتين التي زرعت في صير بني ياس الجزيرة القاحلة إلى جنة غناء حيث تكثر أشجار التفاح والبرتقال والأجاص والزيتون لتؤكد أن الجهود المتواصلة يمكن أن تحول أكثر الأراضي الجرداء إلى بيئة خضراء معطاء.

ويجري حالياً تنفيذ برنامج إحصائي لدراسة حيوانات ونباتات الجزيرة. وحين الانتهاء منه ستتمكن الجهات المسؤولة من إعادة تخطيط توزع الحياة البرية لتقرير ما إذا كان من الواجب إطلاق المزيد من فصائل الحيوانات في صير بني ياس للسيطرة على أعداد الحيوانات بما يمكن من الحفاظ على حياة برية مستدامة.

حالياً لا يسمح بالقيام في رحلات نهارية على الجزيرة مع أن ذلك ربما يصبح مسموحاً به قريباً. كما لا يسمح للزوار أيضاً أن يأتوا للجزيرة بسياراتهم الخاصة أو حتى دراجاتهم العادية وذلك لحماية التوازن الحيوي الهش فيها. والطريقة الوحيدة لاستكشاف الجزيرة هي عبر الجولات بمرافقة أدلاء سياحيين والتي تتضمن رحلات سفاري وغيرها من النشاطات التي يوفرها فندق ومنتجع جزر الصحراء.

بمقدور كل الراغبين في الهروب من ضجيج المدن والاستمتاع بهدوء الطبيعة الوادعة أن يجدوا في صير بني ياس العطلة الأسبوعية المثالية على نحو يجمع بين الطبيعة والحياة الفطرية والتراث والاستمتاع بفرص استكشاف ما وهبه الله لأرض تتميز عن غيرها من بقاع الأرض.
 


 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289