في حين تعتبر منطقتنا مهد الحضارات والقلب النابض لثلاثة ديانات
توحيدية عظيمة ولكن لسوء الحظ فإن النزاعات تحيط بها من كل حدب
وصوب وتعتبر الإيديولوجيات المتناقضة والطموحات الإقليمية
التنافسية وتحقيق المصالح الإستراتيجية والسيطرة على المصادر
الغنية بعض العوامل التي تسهم في ذلك. وتعتبر الدول التي تشكل مجلس
التعاون الخليجي صغيرة نسبياً إلا أنها مزدهرة والأكثر جذباً
للطامعين ولهذا السبب فإن الأمور أصبحت حاسمة ومصيرية للحفاظ على
بقائنا و البحث عن تحالفات حقيقية من أجل رد أي عدوان محتمل على
دولنا.
ومثالياً ترغب كل دولة في العيش بسلام مع جيرانها إلا أنه يتعين
على رب العائلة الرد على الجار الذي يقوم برمي القمامة على عتبة
بابه أو يقوم بالأفعال المشينة على جدار بيته وفي هذا المقام فإن
الأمم من واجبها ويتعين عليها الرد على أي عدوان أو عمل عدائي
تتعرض له. فكم هو جميل أن ترى العالم من حولك وردياً وأن تعتقد
ببساطة بأن لكل شخص من حولك لديه نوايا طيبة إلا أنه لا يمكننا
توقع مثل هذا الأمر في عالم تتناقص فيه المصادر و الثروات
الطبيعية.
أوقفوا إرهاصات التهديد من قبل إيران! أوقفوا التلاعب بنغمات الفعل
ورد الفعل الدبلوماسية! حيث يوجد حقيقة حتمية لا بد من مواجهتها
سواء أرغبنا بذلك أم أبينا ألا وهي أن احتمال وقوع المنطقة في
القبضة العسكرية لإيران يزداد يوماً بعد يوم ، وتعتبر هذه العملية
بطيئة ومخطط لها بعناية. وقد تمكنت طهران من خلالها من إقناع قادة
دول مجلس التعاون الخليجي بأنه لا يوجد لديها خطط توسعية أو خفية
وإنما مشاعر أخوية لجيرانها العرب إلا أنه لا يمكننا أخذ مثل هذه
التأكيدات بمعناها الظاهري.
فتاريخ 26 يوليو الماضي، هاجم نائب وزير الخارجية الإيراني مونشهر
محمدي شرعية دول مجلس التعاون الخليجي متنبأ لها بالزوال حيث قال
تعتبر أزمة شرعية الحكومات والأنظمة التقليدية هي الأزمة القادمة
والتي من المتوقع أن تسيطر بصورة رئيسية على " الخليج الفارسي" حيث
تعتبر الظروف الحالية غير قابلة للاستمرار".
مما لاشك فيه بأن هذا التصريح يعتبر بمثابة إهانة وتصريح كهذا ممكن
أن يحمل جملة من التفسيرات ومن الممكن تفسيره على أنه تهديد. وفي
كل الأحوال لا يعقل أن يصدر هكذا تصريح ممن يدعي بأنه صديق
ولم يتواني الأمين العام لمجلس دول تعاون الخليج العربي سعادة عبد
الرحمن بن حمد العطية بالرد بحزم علي ذلك التصريح حيث جاء في رده :
"تعبر دول مجلس التعاون الخليجي عن خيبة أملها وقلقها العميق بخصوص
مثل هذه التصريحات غير المسؤولة ولذا فأنها تتوقع توضيح فوري من
قبل نائب وزير الخارجية الإيراني بخصوص هذا التصريح حيث أن مثل هذه
التعليقات المريبة لا تساعد على بناء الثقة بين دول المنطقة وعلى
العكس من ذلك فإنه من شأنها أن تثير النزاعات وتغرق المنطقة في
دوامة من الأزمات الخطيرة ......".
إننا نثمن تصريح الأمين العام إلا أن أصوات قادتنا يجب أن تدوي
وبدون أي تأخير لتؤيد الرد الذي صرح به العطية، ففي واقع الحال
مسؤول إيراني رفيع المستوى شن هجوما غير مسبوق ودون أي استفزاز على
أنظمتنا السياسية وحقها في الحكم.
وبصدد هذه المسألة فأن الصمت الذي يسود مراكز القوة في طهران
يدفعنا للاستنتاج بأن التصريح المهين لنائب وزير الخارجية الإيراني
تم تمريره والمصادقة عليه من أعلى المستويات.
لقد حان الوقت لحكوماتنا لأن تتبنى موقف حازم وواضح تجاه طهران
لأنهم كلما امتنعوا عن الرد على مثل هذه الإهانة، كلما منحوا إيران
الفرصة على التجرأ علينا أكثر. فمن يدري إلى أين ستمتد ذراع إيران
في الوقت القادم بعد أن أضحي لها نفوذ راسخ وقوي في كل من العراق
وسوريا ولبنان وغزة.
لا يتعين الآن علي الدول الأعضاء بمجلس دول التعاون الخليجي
الاكتفاء بالتكلم بصوت واحد، وإنما يتعين عليهم السعي للحصول على
توضيح من حلفائهم وذلك من أجل الوقوف على مواقفهم تجاه نقاط الخلاف
فيما بين كل من إيران والعالم العربي بما في ذلك الاحتلال الإيراني
المستمر للجزر الإماراتية.
وفي السنوات الأخيرة، عملت العديد من الدول الأعضاء في مجلس
التعاون الخليجي عن كثب مع الولايات المتحدة كحليف استراتيجي من
أجل العمل على مكافحة الإرهاب حيث اعتبرت هذه الدول واشنطن حليفاً
لها إلا أنه لا يتعين أن يكون مثل هذا التعاون من جانب واحد. ألم
يحن الوقت لأن تعترف الولايات المتحدة بالخليج العربي وليس "الخليج
الفارسي"؟
لنرجع قليلا إلى الوراء ففي عام 1935 طُلب من العالم تسمية "بلاد
فارس" باسمها الجديد "إيران" وتلي ذلك ثورة عام 1979 حيث أصبحت
تسمى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي مثل هذه الحالة لماذا تصر
إيران على استخدام عبارة "الخليج الفارسي" بدلا من الخليج
الإيراني؟ هل من الممكن أن يكون لكلمة "بلاد فارس" أصداء
الإمبراطورية؟
في الحقيقة، فإن معظم دول الخليج غير مختلفين مع الإيرانيين على
تسمية الخليج وفقاً لما يرغبوا به بنفس الطريقة المعتمدة في تسمية
الممر المائي الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا والمسمى "القناة
الإنجليزية" أو " لا مانش" وذلك بالاعتماد على ضفة القناة التي
تكون متواجداً فيها في تلك اللحظة، إلا أن إيران ترى في ذلك مسألة
كبيرة استدعت استنفار كافة وسائل الإعلام المسموع والمرئي وحتى
الإعلام الإلكتروني.
يتعين على حكوماتنا أن تتخلى عن تحليها بالصبر الذي استمر بما فيه
الكفاية من أجل توجيه رسالة لإيران تفيد فيها أنه في الوقت الذي
نسعى فيه لإقامة علاقة ودية ومسالمة مع جيراننا علي الجانب الأخر
من الخليج ، فإننا لا نريد أن يتم تجاهلنا ووضعنا جانباً. بصورة
فردية، من الممكن أن نكون صغار ولكن كجماعة سنكون أقوياء ومؤثرين
كما يجب علينا ألا نغفل أنه يوجد لدينا حلفاء أقوياء ترتبط مصالحهم
مع مصالحنا.
من الممكن للأصدقاء أن يذهبوا أو يأتوا إلا أن الجيران باقون هنا.
يتعين على جميع الدول المعنية أن تعي هذه الحقيقة بكل أبعادها
وجوهرها لما فيه صالح شعوبنا والعلاقات التي التاريخية التي
تربطها.
|