أصبحت أهمية مسألة حوكمة الشركات تصبح أكثر ظهوراً للعيان منذ عام 2002 حيث أدت
سلسلة من حالات انهيار أسعار الأسهم والفساد إلى خسارة المليارات
وفتح تحقيقات جنائية. وشهد عام 2002 وحده سبعاً من أضخم 12 قضية
إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وبينهما قضيتا شركة
إنرون و شركة ورلدكوم.
حوكمة الشركات هي النظام الذي يحكم ويدير الشركة وهو نظام يوضع
لضمان أن تضع الشركة وتحقق أهدافها وأن تراقب وتقيم المخاطر وأن
تصل بالأداء لأفضل مستوى ممكن. وحوكمة الشركات هي مجموعة من البنى
والعمليات تتم عبرها إدارة الشركة والرقابة عليها (مبادئ منظمة
التعاون الاقتصادي والتنمية/ المؤسسة العالمية للتمويل- إدارة
حوكمة الشركات)
يعتبر تحديد دور كل من الإدارة ومجلس الإدارة أمراً جوهرياً لإرساء
بنية لحوكمة الشركة. كما يتطلب الأمر النزاهة من جانب كل أصحاب
المصلحة في الشركة ممن يمكنهم التأثير على أدائها العام. كما أن
تخفيف مخاطر سوء الإدارة عبر الرقابة والمحاسبة وضمان الإشراف
الفاعل على أعمال الشركة جزءاً لا يتجزأ من أي عملية صناعة قرار
أخلاقية ومسؤولة. وما يزيد الأمر أهمية هو أن الأثر الذي تخلفه
أفعال وقرارات الشركات أصبح أكثر تنوعاً من ذي قبل كما أن الحوكمة
الرشيدة تعترف بالمصالح المشروعة لكل أصحاب المصلحة في الشركة.
وقد وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مجموعة من المبادئ
لحوكمة الشركات بهدف توفير إطار للحوكمة الحصيفة. وتتضمن هذه
المبادئ: حقوق المساهمين وطريقة التعامل معهم، دور أصحاب المصلحة،
الإفصاح والشفافية، ومسؤولية مجلس الإدارة.
وبشكل عام في النموذج المتبع في حوكمة الشركات هو ذلك الذي أنتجته
الاقتصادات المتطورة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. غير أن
السياق المؤسسي في الاقتصادات الناشئة يجعل من تطبيق الحوكمة أكثر
كلفة ومواجهة للمشكلات. إذ أن غياب آليات حوكمة خارجية فاعلة يفرز
صراعات بين المساهمة المهيمنة ومساهمي الأقلية. كما أن الاقتصادات
الناشئة لا تتمتع عادة بحكم القانون الفاعل الذي يمكن التنبؤ به،
وهو ما يؤدي بالتالي إلى إفراز بيئة "حوكمة ضعيفة". وفي معظم
الحالات فإن ما تحاول هذه الاقتصادات فعله هو اعتماد الأطر
القانونية المعتمدة في الاقتصادات المتقدمة. غير أن البنى الرسمية
مثل أنظمة وإجراءات المحاسبة والإفصاح عن المعلومات وتداول الأوراق
المالية وتطبيقها هي إما أن تكون غائبة أو غير فاعلة أو معطلة.
إن بنى حوكمة الشركات في الاقتصادات الناشئة تشبه شكلاً تلك
المعمول بها في المتقدمة ولكن ليس في المضمون. وبشكل عام فإن حقوق
الملكية المتركزة في يد واحدة هي أكثر الخيارات الممكنة في مثل هذه
البيئة. وغالباً ما تكون المساهمة المهيمنة تتركز بيد عائلة أو
مجموعة أعمال أو كليهما. والشركة العائلية هي الحل الأمثل للتعامل
مع البيئة القانونية التي تواجه الشركات لدرجة أنه حتى الشركات
الكبيرة وذات البنية المعقدة تعتمد في شغل الوظائف على الأقارب.
ومع أن هذا الأمر ربما يوفر حلاً لبعض المشكلات، إلا أنه يتسبب
أيضاً بمشكلات جديدة مثل حنان الأهل، أي عدم القدرة على ضبط
الأبناء الذين يعملون في مناصب إدارية مهمة حين يكون أداؤهم
منخفضاً. وهذا الأمر نجده على وجه الخصوص في البلدان التي تعطي
ثقافتها التقليدية أهمية كبيرة للروابط العائلية.
وأخيراً فإن الشركات العائلية في الاقتصادات الناشئة تفتقر
للشفافية إن كان في قرارات مجلس الإدارة أو الفريق الإداري باعتبار
أنها لا ترى أنها بحاجة للإفصاح عنها علناً. وبالنتيجة فإن مساهمي
الأقلية غالباً لا يعرفون شيئاً عن الوضع الفعلي للشركة.
بيانات
تم الحصول على البيانات أدناه عن الشركات من خلال استبيان أجري عام
2006 للمؤسسات العاملة في دبي والأعضاء في غرفة صناعة وتجارة دبي.
حوكمة الشركات في الشركات المساهمة العامة
طلب من شركات المساهمة العامة الإجابة عما إذا كانت لديها أي أنظمة
مدونة تتعلق بقضايا حوكمة الشركات أو تلتزم بها من مثل الإفصاح
وتضارب المصالح وتخطيط انتقال الملكية بالوراثة وغير ذلك.
وتبين من الإجابات أن غالبية الشركات، أكثر من الثلثين (65%)،
تلتزم بأنظمة حوكمة الشركات.
كما تبين أن غالبية الشركات تجري اجتماعات منتظمة لمجلس الإدارة،
ولكن ليس كل الشركات. وكشف الاستبيان أن غالبية الشركات (82%) تتخذ
القرارات في اجتماعات لمجلس الإدارة تتم الدعوة لها أصولاً فيما
كان قطاع الإنشاءات هو الأقل التزاماً بهذه النقطة. كما أن حوالي
نصف الشركات (56%) فقط تجري تقييماً دورياً لأداء رئيسها التنفيذي،
وأكثر القطاعات التزاماً بهذه النقطة هي التجارة والسياحة (63%).
أما بخصوص الالتزام بالأنظمة فقد كشف الاستبيان عن غياب الوعي
والمعرفة بوجود أنظمة وإجراءات رسمية بين أوساط الشركات المساهمة
العامة (على سبيل المثال أكثر من 17% اختاروا ’لا أعرف‘). وهذا ما
يكشف ضعف مستوى الالتزام والتطبيق في الإمارات مثلما يكشف عدم
فاعلية الأنظمة وهو ما قد يوجد بيئة ضعيفة للحوكمة.
الحوكمة في الشركات العائلية
كشف الاستبيان أن حوالي نصف الشركات العائلية (56%) قد وضعت أنظمة
مدونة لحوكمة الشركة، وكانت شركات قطاعي التجارة والسياحة الأعلى
تسجيلاً في هذه النقطة (62%) مقارنة مع (49%) فقط في القطاع
الصناعي.
وعلى الرغم من أن القوانين في الإمارات لا تفرض على الشركات أن
يكون لها أنظمة رسمية للحوكمة فيها فإن حوالي نصف الشركات (52%)
تعتمد الفصل بين الملكية والإدارة. أما فيما يتعلق بتشكيلة مجالس
الإدارة، تبين أن الرئيس التنفيذي هو عضو في مجالس إدارة 71% من
الشركات العائلية كما أن خمسي هذه الشركات (41%) لديها مجالس إدارة
خاصة.
وعلى الرغم من أن غالبية الشركات العائلية التي شاركت في الاستبيان
قالت إنها تشرك المساهمين في عملية اتخاذ القرارات الإستراتيجية
(79%) فإن أقل من نصف عددها (46%) تعتمد إجراءات الهدف منها حماية
حقوق مساهمي الأقلية.
إن مفهوم حوكمة الشركات ليس مفهوماً على نطاق واسع بعد في
الإمارات. ولا تتعرض الشركات في الإمارات لأي ضغوط من أجل الالتزام
بممارسات الحوكمة الرشيدة. وربما يعود سبب ذلك إلى بنى ملكية
الشركات والنسبة العالية للشركات العائلية في الدولة.
والتحدي الرئيسي أمام قضية حوكمة الشركات في الإمارات يكمن في وجود
دور فاعل ومؤثر للحكومة والقطاع الخاص في نشر الوعي بقضايا حوكمة
الشركات. إذ أن حوكمة الشركات يجب أن تكون وسيلة لتحقيق الشفافية
ونمو السوق وليست كما ينظر إليها الآن على أنها مجرد عقبة مكلفة
تعترض نمو الشركات.
|