فيما دخل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عامه الستين، ما يزال الأمل
بالتوصل لتسوية سلمية بعيداً مثلما كان على الدوام. الجانبان غير
مستعدين لتقديم أي تنازل حين يصل الأمر للمسائل الحساسة مثل الوضع
النهائي لمدينة القدس وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى
ديارهم. والرأي السائد في أوساط المجتمع الدولي يتوقع قيام دولة
فلسطينية فعلية جنباً إلى جنب مع إسرائيل، غير أن عدداً متزايداً
من الأصوات أصبحوا يميلون إلى رفض فكرة الدولتين ويفضلون عليها
كياناً واحداً لشعبين. فمن هم هؤلاء الخارجون على فكرة الدولتين
والذين ربما غير مخطئين في هذا الطرح. ليندا هيرد تجيب عن هذا
السؤال.
يتصور دعاة الحل بدولة واحدة قيام دولة واحدة تجمع في داخلها كلاً
من إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة يتمتع فيها اليهود والعرب
بحقوق متساوية باعتبارهم مواطني دولة واحدة مع إبقائهم على
ثقافاتهم وتقاليدهم وأديانهم المختلفة. حينما طرحت هذه الفكرة
القائمة على مبدأ دولة واحدة بصوت واحد لكل شخص قوبلت بالشجب، غير
أن حوالي ربع الناخبين الفلسطينيين اليوم يدعمونها مثلما توصل له
مسح أجراه مركز القدس للإعلام والتواصل.
وكان تقرير سري تسرب العام الماضي قد كشف عن أفكار ألفارو دو سوتو،
المبعوث الأممي السابق، الذي قال إن فكرة حل الدولة الواحدة "تكتسب
مزيداً من الشعبية" نتيجة التآكل التنظيمي للسلطة الوطنية
الفلسطينية ولأن "عدداً متنامياً من الفلسطينيين والعرب
الإسرائيليين وحتى بعض اليهود من أقصى اليسار الإسرائيلي يعتقدون
أن الزمن قد تجاوز فكرة حل الدولتين."
المحلل السياسي الفلسطيني الأمريكي علي أبو نعمة هو من أقوى
الأصوات الداعية لحل الدولة الواحدة وقد وضع كتاباً بعنوان "دولة
واحدة: طرح جريء لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" كما شارك في
تأسيس موقع "الانتفاضة الأمريكية". وقال أبو نعمة لقناة الجزيرة
الإخبارية إنه آمن بحل الدولتين طوال سنوات عديدة على نحو جعله وجد
نفسه يمر بتحول أيديولوجي غير مريح خلال الانتفاضة الثانية.
ويشرح ذلك بالقول إنه اكتشف أن حل الدولتين وكل تلك المبادرات
الدبلوماسية كانت بعيدة عن حقيقة ما كانت إسرائيل تفعله على الأرض
وهو ما جعله يعتقد بأنها غير قابلة للتطبيق في الواقع. ويقول إنه
تعلم الكثير وقرأ أكثر عن جنوب إفريقيا وإيرلندا وفلسطين وهذا هو
ما استقر عليه رأيه.
ويرى أبو نعمة أن النموذج الأفضل هو جنوب إفريقيا ويؤكد بأن البيض
هناك لم يكونوا أكثر استعداداً ليعيشوا مع السود من استعداد يهود
إسرائيل ليعيشوا مع الفلسطينيين، وحقيقة أنهم كانوا مستعدين لفعل
ذلك كانت نتيجة للصراع.
وتقول فيرجينيا تيلي مؤلفة كتاب "حل الدولة الواحدة: تطور من أجل
السلام في المأزق الإسرائيلي الفلسطيني": "إن التقدم المتواصل غير
القابل للعودة عنه للمستوطنات في الضفة الغربية وغزة قد قتل الشروط
المطلوبة لقيام دولة فلسطينية مستقلة."
وتضيف: "حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو فكرة، أو
احتمال، قد تجاوزها الزمن، وموتها محاط بالغموض (وهو ما كان ربما
أمراً متعمداً) عبر استعراض يومي: بهرجة خريطة الطريق عديمة النفع
ونوبات الاغتيالات الإسرائيلية وعمليات التفجير الانتحارية
الفلسطينية والصراعات الداخلية الفلسطينية المؤسفة على السلطة
وتدمير البيوت وإحصاءات القتلى- كل تلك التبديات اليومية للصراع
التي كانت دوماًَ خارج نطاق السيطرة على الأرض."
وكان الكاتب والمفاوض الفلسطيني السابق أحمد سميح الخالدي قد قال
منذ عام 2003 إن "شارون وسابقيه قد فعلوا كل شيء لتحطيم أي احتمال
لاستقرار ممكن ومستدام على الأرض على بناء على أسس وطنية."
ويقول الخالدي: "حل الدولة الواحدة لا يتجاوز وحسب الصراع على
التاريخ والشرعية المتبادلة ولكن له أيضاً مضامين سياسية عملية.
بذلك يمكن للطرفين أن يستبقيا حق العودة ودون أن يكون ذلك على حساب
الآخر ودون أن يضطر المستوطنون الإسرائيليون لإخلاء الأماكن الذين
هم فيها الآن. وهكذا يمكن للقدس أن تكون حقاً عاصمة مشتركة لدولة
عربية ويهودية موحدة."
ويوافق الكاتب والصحفي طارق علي على أن الإسرائيليين قد جعلوا كل
البدائل الأخرى مستحيلة التطبيق. ويقول إن على الفلسطينيين أن
يقاتلوا من أجل دولة واحدة ويحولوا حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية
إلى حركة حقوق مدنية وتحرر عملاقة ترفض العنف.
ويضيف: "أي شيء آخر مصيره الفشل. أرى أن علينا أن نأخذ زمام
المبادرة ونقول: انهوا كل مهزلة المفاوضات هذه ومهزلة ذهاب محمود
عباس إلى الإسرائيليين ليتحدث كالتابع ومحاولته إجبار حماس على فعل
الشيء نفسه. إن هذا لا يخدم مصلحة أي طرف. إنه يزعزع مجمل القضية
الفلسطينية."
بل إن حتى أبرز المفكرين الفلسطينيين وهو إدوارد سعيد قد كتب ذات
مرة قائلاً إنه لا يرى سبيلاً آخر غير الشروع الآن في الحديث عن
المشاركة في الأرض التي وجدنا أنفسنا عليها سوية، عن المشاركة بها
بطريقة ديمقراطية فعلاً بحقوق متساوية لكل المواطنين."
كما أن الكاتب والمؤرخ والمحاضر في العلوم السياسية الإسرائيلي
إيلان باب هو أيضاً من دعاة الدولة الواحدة. ويقول: "علينا أن
نستيقظ من غفلتنا فمنذ اليوم الذي أعلن فيه أرييل شارون وجورج بوش
دعمهما لحل الدولتين أصبحت هذه الصيغة وسيلة خبيثة يمكن لإسرائيل
عبرها أن تواصل نظامها التمييزي داخل حدود 1967 واحتلالها للضفة
الغربية وتحويل قطاع غزة إلى غيتو."
غير أن أوري أفنيري، أحد أبرز منظري اليسار الإسرائيلي يعارض هذه
الفكرة بالكامل ويعبر عن رفضه لفكرة حل الدولة الواحدة لأنها لن
تنجح.
وفي مقال بعنوان "حل الدولة الواحدة رؤية اليأس" يقول: "إذا ما يأس
أحدهم من قطع بحر المانش سباحة فقرر بالتالي أن يقطع الأطلسي سباحة
يمكن اعتبار هذا القرار غريباً. وحينما يشعر صديقي الفلسطيني مايكل
طرزي باليأس من تحقيق حل الدولتين وبالتالي يدعو الآن لحل الدولة
الواحدة فلن أجد مثل هذا القرار أكثر واقعية. بعض الأفكار
الطوباوية الجميلة لم تثمر شيئاً وبعضها، مثل الشيوعية، قادت إلى
مآس كبرى لأنها كانت تتعارض مع الطبيعة البشرية."
وهناك إسرائيليون آخرون يعتبرون فكرة الدولة الواحدة تهديداً لا
يجوز التفكير به بل وحتى قضية محظورة يجب عدم الخوض بها أصلاً.
وهؤلاء يرون في الأمر كابوساً سكانياً سيفضي في النهاية إلى نهاية
الدولة اليهودية. وتصف مقالة على موقع "التقارير الصادقة"
الإلكتروني خيار الدولة الواحدة بأنه: "استراتيجيا مكشوفة لتدمير
الدولة اليهودية."
ويعتبر ألان ديرشوفيتز، المحامي اليميني المناصر لإسرائيل، حل
الدولة الواحدة مكيدة "مصممة لتدمير الدولة اليهودية وإبدالها
بدولة عربية إسلامية جديدة. وأولئك الذين ينادون بالدولة الواحدة
لن تجدهم ينادون بالشيء نفسه للهند أو يوغسلافيا السابقة أو أي
دولة أخرى كانت موحدة فيما مضى وانقسمت لأسباب عرقية أو دينية."
من جانبي لا أشعر بإمكانية يمكن لليهود والعرب أن يتعايشوا فيها
على جانب السواء أبداً. صحيح أنها فكرة جميلة غير أنها لن تتحقق
والسبب الأساسي في ذلك هو أن الصهاينة سيقاتلونها بأسنانهم
وأظافرهم. وإن كان لحل الدولة الواحدة أي قيمة فعلاً فهو لكونه
يمكن أن يكسب مزيداً من القوة ويضغط بالتالي على قادة إسرائيل على
نحو يجبرهم على اختيار أهون الشرين بالنسبة لهم وهو الدولة
الفلسطينية.
وفي الحقيقة فإن أياً من الحلين لن يكون دواء شافياً وشاملاً.
الدولة الواحدة ليس أكثر من حلم بعيد المنال وحل الدولتين الذي تنص
عليه خريطة الطريق سيجعل من فلسطين الجديدة دولة مقلصة ومجزأة
وجاهزة لإعادة غزوها في أي وقت. وبرأيي فإن عرض السلام الشامل
الوحيد الذي يمكن أن يكتب له النجاح الدائم هو ذلك الذي عرضته
الجامعة العربية في قمة بيروت عام 2002 والذي ينص على عودة إسرائيل
إلى حدود ما قبل 1967 مقابل تطبيع العلاقات مع كافة الدول العربية.
|