إنه لعارٌ شديد أن الأشخاص الذين يناشدون العالم من أجل مساعدة نحو 1.3 مليار نسمة في العالم يعانون من #الفقر المدقع، غالباً ما تضيع مناشداتهم سدىً ولا يلقون آذاناً صاغية. يكثر الضجيج والصراخ حول الإرهاب، ولا ضير في ذلك، لكن الحقيقة هي أن العوامل المرتبطة بالفقر تحصد أعداداً أكبر من الضحايا.
يعش نصف سكان العالم تحت خط #الفقر الذي يختلف من بلد إلى آخر. والبلدان الأكثر تضرراً هي البلدان النامية في #أفريقيا وآسيا، لكن 40 مليون أمريكي، وسبعة ملايين بريطاني، ونحو ربع مواطني الاتحاد الأوروبي يُصنَّفون أيضاً في خانة الفقراء.
قال رئيس جنوب #أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا: "ما دام هناك فقر وظلم ولامساواة شديدة في عالمنا، لا يستطيع أيٌ منا أن يرتاح فعلاً". ليت ذلك كان صحيحاً فحسب بل قد أصبح الفقراء، للأسف، غير مرئيين ولا صوت لهم، يراهم عالمنا لكنه يتجاهلهم ولا يكترث بهم وكأنهم مصدر إزعاج يشوّه المنظر الطبيعي أو عبءٌ على المكلّفين.
تفضّل الحكومات الإنفاق على المعدّات والتجهيزات العسكرية بدلاً من العمل على إيجاد طرق لتحسين أوضاع مواطنيها المحرومين من المساكن اللائقة والطعام الصحي والكهرباء والمياه النظيفة، وانتشالهم من براثن البؤس والعوز.
إنها سلوكيات غير أخلاقية من جانب الحكومات، لا بل أيضاً متشبّثة في ضلالها وقصيرة النظر. وما حصل في بلدان كثيرة على مر العقود خير دليل على ذلك، فالمنسيّون ينزلون عاجلاً أم آجلاً إلى الشارع لإطاحة القادة.
كيف لنا أن ننسى أن إقدام بائع متجوّل تونسي على إحراق نفسه بعد مصادرة عربته كان الشرارة الأولى التي أشعلت الانتفاضات العربية، والتي ما زلنا نشعر بتداعياتها حتى يومنا هذا في #ليبيا وسوريا واليمن.
علاوةً على ذلك، للفقر العديد من التداعيات الجانبية فضلاً عن الجوع والمرض؛ فمن المعلوم أنه يؤجّج العنف المنزلي، ويتسبّب بهجر الأولاد، وعمالة الأطفال، والعبودية، وظهور العصابات الإجرامية، والإدمان على المخدرات – وكذلك تفشّي الأرهاب، بحسب العديد من الخبراء.
إذاً ماذا عسانا نفعل حيال هذا الواقع؟
لقد حققت أهداف الألفية بعض النجاح، لكن وتيرتها شديدة البطء بحيث إنها لا تقدّم المعونة اللازمة للأشخاص الذين يداهمهم الوقت ويتخبطون كي يتمكّنوا من البقاء والاستمرار. تبذل الهيئات التابعة للأمم المتحدة والجمعيات الخيرية قصارى جهدها، لكنها تعاني من النقص في التمويل بسبب الإنهاك الذي يشعر به المانحون. لقد اضطُرّ برنامج الأغذية العالمي إلى خفض الحصص الغذائية التي يوزّعها على اللاجئين السوريين، كما أنه عمد مؤخراً إلى خفض المعونات الغذائية التي يوزّعها على مئتَي ألف لاجئ في أوغاندا إلى النصف.
يمكن إيجاد حل لمشكلة #الفقر المدقع شرط أن تتوافر لدينا إرادة جماعية وأن نكون مستعدّين للتفكير بطريقة غير تقليدية. ففي الوقت الذي يملك فيه الأشخاص الثمانية الأكثر ثراءً في العالم ثروة تساوي تلك المملوكة من نصف سكان الأرض مجتمعين، يجب أن يُنظَر إلى مساعدة المحرومين بأنها واجب أخلاقي وديني. يقول البابا فرنسيس: "لا يمكننا أن ننتظر أكثر لمعالجة الأسباب البنيوية للفقر، من أجل شفاء مجتمعنا من مرضٍ لا يؤدّي سوى إلى أزمات جديدة".
من الحلول التي يمكن تطبيقها على مستوى العالم فرض ضريبة للقضاء على #الفقر بالاستناد على المعتقدات الدينية، ما يقتضي تعاوناً وثيقاً بين حكومات الدول والسلطات والجهات الدينية تحت رعاية الأمم المتحدة. خلصت تقارير صادرة عن الاتحاد الأوروبي وجامعة الأمم المتحدة والمعهد العالمي للتنمية والبحوث الاقتصادية، إلى أن الضريبة العالمية ليست ممكنة تقنياً وحسب إنما أيضاً مستحبّة.
مبدأ ربع العشر أو العشر الذي يفرض على المسلم وهب نسبة مئوية من أمواله حسب نوعها لمساعدة الفقراء والمساكين هو الركن الثالث في الإسلام ومن ركائز اليهودية والمسيحية. ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" سورة التوبة الآية 103.
تفرض #التوراة / العهد القديم على المؤمنين وهب عشرة في المئة من مداخيلهم إلى الفقراء. أنا أعتقد أن الالتزام بالمبادئ الدينية واعتمادها ركيزةً لجهودنا سيأتي بثماره إذا جرى التقيد بالمنهجية الآتية:
- إنشاء منظمة مستقلة ("المنظمة") تشرف عليها لجنة يجري اختيارها عن طريق التناوب وتتألف من ممثّلين عن الدول الأعضاء، على أن تكون مهمتها تحديد المناطق التي تعاني من العوز، وذلك بالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة المختلفة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية وأصحاب الأيادي البيضاء والحكومات.
- تحصل "المنظمة" على الإيرادات من خلال فرض ضريبة فقر عالمية عبر اقتطاع نسبة مئوية محددة من إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء، مع تدعيمها إلى حد كبير بواسطة فرض ضريبة القضاء على #الفقر بالاستناد إلى المعتقدات الإيمانية والمبادئ الدينية.
- تؤكّد منظمة "أوكسفام" أن فرض ضريبة على نصف الأموال المخبّأة في الملاذات الضريبية، والتي تصل قيمتها إلى 32 تريليون دولار، كفيل بتوفير مبلغ أكبر بمرتَين من المبلغ المطلوب للقضاء على #الفقر في العالم.
- يكفي فرض ضريبة سنوية بنسبة اثنَين في المئة من إجمالي الناتج المحلي على الاقتصادات الأربعة الأكبر في العالم – الولايات المتحدة (16.77 تريليون دولار)، والصين (9.24 تريليون دولار)، واليابان (4.92 تريليون دولار)، وألمانيا (3.73 تريليون دولار) - للحصول على نحو تريليون دولار سنوياً.
- يُفرَض على الدول العلمانية المشارِكة إطلاق حملات إعلامية بالتنسيق مع السلطات الإسلامية والمسيحية واليهودية وسواها من السلطات، للتشديد على أهمية وإيجابيات فرض ضرائب إضافية من أجل مساعدة الفقراء.
- يجب تشجيع المصارف والشركات المتعددة الجنسيات والصناديق الخيرية والجمعيات الإنسانية والسلطات الدينية والأثرياء على التبرع وبذل قصارى جهودهم من أجل تعزيز هذا المجهود العالمي.
آمل حقاً بأن يأخذ صنّاع القرار المرموقون من القطاعَين العام والخاص الذين يشاركون في القمة العالمية للحكومات في دبي، الاقتراحات أعلاه على محمل الجد. فعلى غرار تهديد التغير المناخي الذي دفع 190 دولة إلى التوقيع على خفض انبعاثات غازات الدفيئة، يمكن أن تساهم مكافحة #الفقر يداً بيد في هدم الجدران الافتراضية التي تنصب حواجز بيننا.
من النقاط الأخرى التي يجب التوقف عندها المنافع الفعلية التي يمكن أن يحققها الاقتصاد بفضل تعزيز التعليم وتحسين المهارات، وذلك لناحية خفض أعباء الرعاية الاجتماعية عن كاهل الدولة والزيادة في عدد دافعي الضرائب/المستهلكين.
من المهم أن نعبّر عن احترامنا وتعبدنا للخالق عز وجل من خلال الصلاة والصوم، لكن إذا واصلنا تجاهل أوامره التي دعا من خلالها الأقوياء إلى مساعدة الضعفاء، فنحن نمارس إذاً معتقداتنا الدينية بطريقة انتقائية. إذا فتحنا قلوبنا وجيوبنا، نستطيع اجتراح المعجزات. فلنبادر إلى ذلك فوراً!