قد يكون المسؤولون عن تطبيق القوانين في المملكة المتحدة متساهلين مع مدمني المخدرات والأشخاص الذين يظهرون سلوكا مخلا بآداب المجتمع، فهذا شأن يخصّهم ويمكنهم التعامل معه بالطريقة التي تلائمهم. إذا كانت #بريطانيا ترى أنه من المناسب تدليل المجرمين أو إعطاء الأفضلية لحقوقهم على حساب حقوق الشعب، فمن حقّها كدولة سيادية أن تقرّر السياسات التي تريد اتّباعها كأي دولة مستقلة. لكن دعوني أسمّي الأمور بأسمائها: الدولة التي تعتقد أنه بإمكانها تصدير المجرمين إلى الإمارات العربية المتحدة ويُخيَّل إليها أنهم سيُعامَلون برفق، عليها أن تعيد النظر في حساباتها.لهم قوانينهم ولنا قوانينا التي لا تهدف فقط إلى حماية الإماراتين إنما أيضاً ملايين المغتربين الذين اختاروا العيش والعمل في هذه البلاد، والذين يأتون إلى هنا لعلمهم أن الإمارات هي من آخر الملاذات الآمنة المتبقّية على وجه الأرض، حيث يستطيع المقيمون التجوال في أي وقت من النهار أو الليل من دون أن يهابوا أي شيء على الإطلاق.
هل يستطيع سكّان لندن أو مانشستر أو كارديف أو غلاسغو أن يقومو بالشئ نفسه؟ بالتأكيد لا! حتى نزلاء الفنادق ليسوا بأمان. يوم الأحد الماضي تعرّض لص بال رب لث اث مواطنات إماراتيات أثناء نومهنّ مع أولادهن في فندق خمس نجوم على مقربة من "ماربل آرتش" في لندن؛ وإحداهنّ حالتها حرجة.يجب إنزال أقصى درجات العقوبات بالفاعل، لكن في بلدٍ حيث تتفوّق حقوق المجرمين على حقوق الضحايا، لن أصدّق حتى أرى ذلك بأمّ عينَي.
إذاً بدلاً من تسليط الضوء على الإيجابيات الكثيرة التي تجعل بلادنا في موقع متصدّر عالمياً، يبدو أن بعض وسائل الإعلام البريطانية تضمر، لأسباب غريبة، نوايا معادية للإمارات تنمّ أحياناً عن رغبة جامحة في الانتقام والتشفي. وقد تحوّلت دبي على وجه الخصوص هدفاً لتلك الوسائل الإعلامية ، خلال الركود الاقتصادي العالمي عام 2008 عندما توقّع العديد من كتّاب مقالات الرأي البريطانين أن تتحوّل الإمارة سريعاً صحراء مقفرة وفقرة؛ وقد سال لعاب بعضهم لمجرد التفكر في الأمر.
لم يتحقق ذلك السيناريو السوداوي وسقطت توقّعاتهم، لذلك حوّلوا أنظارهم الآن إلى ما وصفوه ب"المعاملة المثيرة للصدمة" التي لقيها، بحسب زعمهم، بريطانيون يمضون عطلتهم في الإمارات. لقد ترّف هؤلاء وكأن شواطئنا هي غرف نومهم الخاصة، وكأن جزيرة نخلة الجميرة مستوطنة للعراة والعربدة والسُّكر، وكأن إمارة دبي هي مرتع لمدمني المخدرات. ليست كذلك ولن تكون كذلك أبداً - ولن نعتذر على تمسّكنا بقيمنا. هل يمكن أن تمرّ مثل تلك الارتكابات مرور الكرام في سلفريدج أو هارودز أو في محيط قلعة ويندسور؟
أولادنا هم كنزنا؛ ثقافتنا وتقاليدنا محفورة في قلوبنا؛ ويجب صون كرامتنا والحفاظ عليها. وكل من لا يستطيع التقيّد بقوانيننا البسيطة أو ليس مستعدّاً لذلك، مع العلم بأنها تعكس القانون العام المطبَّق في مختلف أنحاء العالم، ليس مرحّباً به عندنا. إذا كان الإعلام البريطاني يعتقد أننا سنشيح بنظرنا عن الخائبين الذين يعرّضون للخطر شبابنا وأولاد المواطنين البريطانين الذين نعتبر أنفسنا مسؤولين عن سلامتهم، فهو مخطئ جداً. تربط علاقة تاريخية عريقة بين الشعبَين الإماراتي والبريطاني. طوال عقود، كان حاملو جوازات السفر البريطانية المسافرين الوحيدين الذين يستطيعون الحصول على تأشيرة دخول عند النقاط الحدودية الإماراتية؛ يشعر البريطانيون هنا وكأنهم في ديارهم. وعلى المستوى الحكومي، تجمع روابط قوية بين المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة. بيد أن هذا الدفء في العلاقات والاحترام المتبادل يحتاجان إلى تدعيم مستمر، لاكنه لا يمنحان وزارة الخارجية البريطانية والإعلام البريطاني تفويضاً مطلقاً للحكم على/ انتقاد جهودنا الآيلة إلى حماية مجتمعنا من الانحطاط. لن نسمح بوجود سكّيرين ينامون في صناديق من الكرتون تحت أنفاقنا أو يتقيّأون في شوارعنا. نرفض التعامل برفق مع تجّار المخدرات الذين يتسكّعون أمام مدارسنا وجامعاتنا لتسميم حياة شبابنا. ونتوقّع أن تبقى الحياة الخاصة لأي ثنائي في دائرة الخصوصية، وألا تخرج إلى العلن.
عناصر الشرطة الإماراتية مدرَّبون جيداً ويُفيدون من الإمكانات المتطوّرة المتاحة لهم. خلافاً لقوات الشرطة في عدد كبر من البلدان في منطقتنا، الشرطة عندنا بعيدة عن الأضواء. لا تتدخّل في الحياة اليومية للسكّان الذين يلتزمون بالقانون، وقد خضعت للتدريب في مجال العلاقات العامة كما في أساليب التفاعل باحترام مع الناس. وقد فازت شرطة دبي في مطلع هذا الشهر بسبع "جوائز تفوّق" قدّمتها لها حكومة دبي؛ هذا فضلا عن حصولها على العديد من الجوائز محلياً وإقليمياً وعالمياً. لكن من يتصفّح صحيفة "تلغراف" أو "الغارديان" يُخيَّل إليه أن عناصرها هم أشخاص امتهنوا التعذيب يرمون المجرمين في زنزانات "لأتمها الجراذين". كل من يعيش في دبي يدرك أن تلك الاتهامات التي تتصدّر العناوين الرئيسة هي بغاية السخافة.
هل تصدّق تلك الصحف فعلا الروايات المشينة للمجرمين المدانين مفضّلةً إياهم على السلطات في دبي، أم ماذا؟ بعد توقيف "ثلاثة سياح بريطانين في عطلة" بتهمة حيازة وتعاطي المخدرات، نزلت صحيفة "تلغراف" مقالاً منحازاً بعنوان "الجرذان والقذارة والصعقات الكهربائية"، واستشهدت، في جزء كبير منه ،بكلام محام من جمعيةReprieve فقد قال هذا الأخير محذّراً: "أنا على يقين من أن هذه القصة ستبقى مطبوعة في ذاكرة الناس - لا سيما عندما يفكّرون في الحجز لتمضية عطلتهم". آسف لأنني سأخيّب أمله، لكن الإمارات العربية المتحدة تشهد زيادة في أعداد الزوّار البريطانين. لقد تم العفو عن البريطانين الثلاثة بناءً على طلب تقدّم به رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون.
الخبر الذي نُرِاه مؤخراً في صحيفة "الغارديان" عن التجربة التي يزعم البريطانيان أحمد زيدان وحسنين علي أنه عاشاها في الإمارات بعد توقيفه ا بتهمة حيازة وتعاطي المخدّرات، هو الذي دفعني إلى الكتابة عن هذا الموضوع. بطبيعة الحال، ادّعيا البراءة، كما يفعل الجميع، متذرّعَين بأنه ا أُرغِمو على توقيع اعترافات مكتوبة باللغة العربية. إنه لا يستخدمان الحيلة نفسها التي لجأ إليها البريطانيون الثلاثة الذين تم العفو عنهم. ويزعمان أيضاً أنه تعرّضا للتعذيب وسوء المعاملة، ومجدداً صدّقت وزارة الخارجية البريطانية هذه الأكذوبة، بحسب الوثائق المسرَّبة.
إذاً يستطيع أيٌّ كان في المملكة المتحدة أن يأتي إلى هنا ويرتكب عملاجرمياً ثم يزعم أنه تعرّض للتعذيب ويحصل على "بطاقة خروج من السجن"، فيما يبذل ديفيد كامرون قصارى جهده لإعادته إلى دياره. ولا أحد يكترث لما تتعرّض له الشرطة الإماراتية من تشويه مستمر لسمعتها بواسطة هذه الترّهات التي لا أساس لها من الصحة. العام الماضي، تلقّت محكمة بريطانية تُحقّق في سلوك جنود بريطانين في العراق، أكثر من ألف إفادة من شهود يقولون إن الجيش البريطاني انتهك القوانين الدولية ومارس تعذيباً منظّما . رفعت منظّمة حقوقية ألمانية وشركة محاماة بريطانية الملف إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وقد انطلق الشهر الماضي تحقيق علني في مزاعم عن قيام الجنود البريطانين بقتل عشرين عراقياً عزّلاً، وتعذيب خمسة آخرين، والتمثيل بجثث ضحاياهم.
يستطيع البريطانيون أن يمضوا عطلة لا تُنتسى في الإمارات التي توفّر لهم طقساً رائعاً وبحراً دافئاً وشواطئ رملية خلاّبة ومنشآت رياضية ووسائل ترفيهية فضلا عن تجربة التسوّق المميّزة والأطباق الشهية والمنوّعة. أما من يسعون وراء إشباع رغبات منافية لقيم المجتمع أو خلف نشوة مصطنعة، الأشخاص المتخَمنون من تحقيق مآربهم إلى درجة أنهم لا يدركون روعة الحياة الحقيقية، فمن الأجدى بهم أن يُلازموا منازلهم. الأمر بهذه البساطة!