السبت، 21 ديسمبر 2024

عبدالله غول، لا تُهن ذكاءنا!

بقلم خلف أحمد الحبتور

© Shutterstock

يبدو أن #تركيا التي فقدت حظوتها لدى العديد من حلفائها العرب التقليديين، تسعى الآن إلى التودّد إلى إيران، على الرغم من الخلافات حول الملف السوري، وخير دليل على ذلك الزيارة التي قام بها مؤخراً #الرئيس_الإيراني حسن روحاني إلى أنقرة، وهي أول زيارة لرئيس إيراني إلى #تركيا منذ ثمانية عشر عاماً. صراحة، لا يهمّني إذا تبادل القادة الأتراك والرئيس الإيراني القبل والعناق وقرّروا رأب العلاقات بينهم، فهذا شأنهم الخاص، لكن ما أثار غضبي فعلاً هو رياء القادة الأتراك والإيرانيين في تعاطيهم مع دول الخليج، فهم يخفون مخطّطاتهم خلف كلام معسول. أظن أنني أتكلّم باسم جميع المواطنين الخليجيين تقريباً بتوجيه الرسالة التالية: "المعذرة عذراً، لكننا لن ننخدع بكلامكم المنمّق لأن الوقائع واضحة جداً للعيان وتتحدّث عن نفسها".

كشف أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لصحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة من لندن، أن الرئيس التركي شدّد خلال مباحثاته مع روحاني على الأهمية التي توليها أنقرة لأمن الخليج، قائلاً إن #تركيا "تلتزم أمن دول مجلس التعاون الخليجي ورفاهها وتطلّعاتها، من دون أي تدخّل خارجي في شؤونها الداخلية".

يا له من كلام مطمئن! الآن أصبح بإمكاننا نحن أبناء الخليج أن ننام قريري العين لعلمنا بأن #تركيا تحمينا. لكن لسوء حظ محترفي التضليل والخداع في #تركيا، لسنا سذّجاً إلى هذه الدرجة. فالرئيس غول يعي تماماً أن استقبال روحاني على السجاد الأحمر لن يلقى استحساناً في منطقتنا، لذلك لجأ إلى أساليب المكر والخداع باذلاً قصارى جهده كي يُظهر لمجلس التعاون الخليجي أن بلاده تهتم كثيراً بالحفاظ على العلاقات التجارية الثنائية وحسن النوايا. وكانت العلاقات بين #تركيا والسعودية، على وجه التحديد، قد تدهورت على خلفية احتضان أردوغان المستمر للإخوان المسلمين، فضلاً عن الإهانات التي وجّهها إلى الحكومة والجيش في مصر، لا سيما إعلانه بأن الرئيس السابق محمد مرسي لا يزال، في نظره، رئيس مصر. وقد أوضح الملك عبدالله في هذا الإطار، أنه لن يقبل بقيام دول أجنبية بمحاولات لتعطيل التقدّم في مصر، معتبراً أنه خط أحمر بالنسبة إليه.

لكن لنذهب بعيداً في مخيّلتنا ونفترض أن الرئيس التركي غول صادق في مشاعره. رداً على هذا السيناريو الافتراضي المستبعد جداً، أقول له مع فائق الاحترام إنه بإمكاننا أن نعتني بأنفسنا، ونحن نشكرك جزيل الشكر. 

لا نريد من أحد أن يتحمّل مسؤوليتنا، فنحن مسؤولون عن أنفسنا، ويتمتّع قادتنا بالمؤهلات اللازمة، وأكثر، لحماية شعبنا وأرضنا وحدودنا وشواطئنا. صدور مثل هذه التصريحات عن رئيس دولة أجنبية - لا سيما دولة تقع خارج منطقتنا وليست لديها أي أصول عربية - ينمّ عن قلة احترام لاستقلالنا وسيادة أراضينا.

بدلاً من القلق على أمننا أو ادّعاء ذلك ينبغي على #تركيا أن تكفّ عن حماية الإرهابيين وعن التآمر مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين للقضاء على مصر. على أردوغان وغول أن يهتمّا بشؤونهما الخاصة، فلديهما ما يكفي من المشاكل في الداخل مع تصاعد التململ المدني على خلفية الاتهامات بتفشّي الفساد على مستوى رفيع في الدولة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وقمع حرية التعبير.
قبل وقت غير بعيد، كان أردوغان محطّ إعجابٍ لقيادته منظومةً من الإسلام السياسي ساهمت في إحلال الاستقرار والازدهار في البلاد. لكن اتّضح لنا الآن أنه كان منذ البداية متطرّفاً في ثياب حمل، وأنه مستعدّ للتخلّص من كل من يجرؤ على تحدّيه وتهديده في منصبه. ويتبيّن لنا أنه لم يعد قادرا على ضبط نفسه والتحكّم بأعصابه، وقد ظهر ذلك جلياً عندما صفع أحد المشاركين في احتجاج لعمّال المناجم، فيما كان معاونوه يرفسون آخر بهمجية.

إنه لأمر مشين ومرفوض تماماً أن ينصّب شخص فاقد للسيطرة نفسه وصياً على دول الخليج - وكذلك يجب التعامل بحذر شديد مع صديقه الحميم الجديد حسن روحاني، على الرغم من كل الجاذبية الذي يتمتّع به على المستوى الشخصي، فهو من النوع الذي يثير الكثير من الريبة والشكوك. يُنعَت بأنه "رجل دين معتدل"، في حين أن صاحب القرار الحقيقي، وريث آية الله الخميني، موجود في قم. من يدري ما هي المؤامرات التي حاكوها خلف الأبواب المغلقة لتنفيذها ضد العرب!

يعاني المسؤولون في جمهورية إيران الإسلامية، شأنهم في ذلك شأن نظرائهم الأتراك، من الازدواجية في الخطاب. فالصورة المعتدلة التي يحاولون الآن إظهارها عن أنفسهم أمام المجتمع الدولي تهدف إلى تحقيق أمر واحد لا غير: دفع الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى رفع العقوبات المفروضة على بلادهم.

ففي حين كان روحاني يتودّد، قبل بضعة أيام، إلى مجموعة "خمسة زائد واحد" خلال المفاوضات حول البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم، ألقى علي خامنئي كلمة أمام حشد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين كان بعضهم يحملون لافتات كُتِب عليها: "أمريكا لا تستطيع فعل شيء". وقد استغلّ خامنئي المناسبة للتلميح بأن الرئيس أوباما جبان لا يتحلّى بالجرأة لخوض المعركة، مضيفاً أن الجهود التي بذلها "الشيطان الأعظم" من أجل "تركيع إيران" قد فشلت. أهذا هو البلد الذي تتفاوض معه الولايات المتحدة وسواها من القوى العالمية من أجل التوصّل إلى انفراج في العلاقات؟ ما الخطوة التالية التي ستتّخذها تلك الدول؟ هل ستمنح الرئيس السوري القاتل وسام الشرف؟

يدفع خامنئي مؤخراً باتجاه تعزيز أواصر العلاقات مع دول الخليج، أو بالأحرى رأب العلاقات التي تجمّدت بسبب لائحة طويلة من التدخّلات الإيرانية في الشؤون العربية، بدءاً من دعم إيران للمتمرّدين الشيعة في البحرين بهدف إطاحة النظام الملكي، مروراً بدعمها للحوثيين الشيعة في اليمن، وصولاً إلى هيمنتها على لبنان عن طريق عميلها "حزب الله" ومشاركة عناصر الحزب والحرس الثوري الإيراني في القتال إلى جانب قوات الأسد في سوريا. هذا فضلاً عن الاضطهاد الإيراني المتواصل لعرب الأهواز، مع العلم بأنه لا يحظى بتغطية إعلامية واسعة بقدر التدخلات الأخرى، فإيران تعاملهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة. لقد جُرِّدوا من حقوقهم منذ زمن الشاه، وتتعرّض ثقافتهم العربية للطمس، بما في ذلك عبر منعهم من إطلاق أسماء عربية على أولادهم. ينبغي على قادة الخليج أن يدافعوا عن حقوق هذا الشعب المتروك بدلاً من مصافحة المبعوثين الإيرانيين.

عداء إيران للأمة العربية حقيقة تاريخية. وهل من إثبات أقوى على ذلك من امتناع حسن روحاني عن حضور تنصيب الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي، ثم ظهوره في أنقره بعد بضعة أيام؟ لا يهمّني ما يخطط له الأتراك والإيرانيون، لكن أياً يكن، أرجو أن تتركونا وشأننا!

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم