الخميس، 18 أبريل 2024

على اللبنانيين أن يدعموا إخوانهم السوريين المحاصرين

بقلم خلف أحمد الحبتور

Shutterstock ©

أحدثت المحاولات التي تبذلها المعارضة السورية للإطاحة بالرئيس بشار الأسد واعوانه شرخاً في صفوف اللبنانيين.

فالأكثرية تتعاطف إلى حد كبير مع المتظاهرين ضد النظام. أما ألاقلية الحاكمة فتدعم بقوّة النظام السوري فيما نجد فريق ثالث متخوّف من انتشار العنف عبر الحدود، يغمض عينَيه اَملاً في أن يتلاشى الخطر بكل بساطة. وتنحرف الحكومة اللبنانية خارج سرب غالبية الدول الأعضاء في الجامعة العربية، فقد نأت بنفسها رسمياً عن الإدانات الصادرة في مجلس الأمن الدولي ضد حملة القمع التي يشنّها النظام السوري والتي حصدت آلاف الأبرياء حتى الآن.

حان الوقت ليدرك اللبنانيون أن ما يحصل في سوريا يتجاوز الانتماءات السياسية الشخصية. في ديسمبر الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أن حصيلة القتلى وصلت إلى 5400، ويتواصل قتل المدنيين على أيدي قوّات النظام ففي الأسبوع الماضي وحده لقي 210 أشخاص مصرعهم في غضون أربعة أيام.
فلقد توجّهت أعداداً هائلة من اللاجئين السوريين إلى تركيا وليبيا، وهربت أعداد لا تحصى إلى المنطقة الجبلية في شمال لبنان حيث تستضيفهم عائلات محلية.

وقد غادر عدد كبير من أنصار الأسد البلاد وقام أخرون بالإختباء وسط المدنيين، أو يخضعون للإقامة الجبرية. لقد فهموا الرسالة بوضوح وهم بالطبع يخشون تعرّضهم للانتقام عندما تسقط الحكومة.

إزاء حجم الهمجية التي يمارسها النظام السوري بحق شعبه في حين أن من واجبه حمايته وخدمته، لم يعد الرئيس واعوانه مناسبين للحكم، وأكثر من ذلك، فما كان نزاعاً سياسياً داخلياً في البداية تحوّل إلى أزمة إنسانية يتحتّم على المجتمع الدولي أخلاقياً أن يتدخّل لحلّها.

من جانبها قامت الجامعة العربية بخطوة صائبة عندما سحبت مراقبيها اقتناعاً منها بأنه ليست لدى الأسد نيّة للالتزام بخطّتها الرامية إلى إنهاء العنف وإطلاق عملية انتقالية في سوريا. وشريط الفيديو الذي يجري تداوله عبر الإنترنت عن مراقب في الجامعة العربية يدخل مسجداً في مدينة حمص ليجد جثّة “شهيد” في الخامسة من العمر يمزّقها الرصاص، هو خير شاهد على ما يجري هناك.

يبدو لي أن لبنان مخطئ تماماً في عرقلته إرادة الجامعة العربية والأمم المتحدة اللتين تبذلان جهوداً من أجل إحلال السلام في هذا البلد المجاور الذي يقف على شفير الحرب الأهلية. الأجدر باللبنانيين أن يكونوا رأس الحربة في الحملة ضد الأسد بدلاً من أن يقفوا محايدين كما فعلت سويسرا خلال الحرب العالمية الثانية.

لا يستطيع لبنان أن يبقى حيادياً لأن السوريين واللبنانيين يتشاطرون التاريخ والثقافة وروابط الدم العائلية. اللبنانيون والسوريون أشبه بأسرة واحدة؛ لا شك في أن هناك بعض التوتّر في العلاقات بين الجانبَين كما يحدث في أي عائلة، لكن في الأزمنة العصيبة، يجب أن ترصّ العائلات صفوفها، كما حصل عندما شنّت إسرائيل هجمات جوّية على لبنان عام 2006، ففتح السوريون منازلهم وقلوبهم للبنانيين الهاربين من النزاع.

هؤلاء السوريون أنفسهم الذين استضافوا العائلات اللبنانية يتكبّدون الآن معاناة لا تطاق.

إلى جانب الاعتبارات الإنسانية القوية التي تستوجب من لبنان أن يلقي بثقله كاملاً خلف الشعب السوري، ترتكب الحكومة اللبنانية خطأ بالرهان على فرس خاسرة.

عندما تتسلّم المعارضة السورية مقاليد السلطة، وأنا على يقين من أنها ستفعل عاجلاً أم آجلاً، سوف يتأثّر مستقبل العلاقات اللبنانية-السورية سلباً بالدعم الذي يظهره لبنان للنظام الذي يقمع هؤلاء المعارضين.

سوف ينطبع ذلك في ذاكرة الأحزاب المعارضة السورية و”الجيش السوري الحر” الذي تأسّس حديثاً. فسيتذكّرون أولئك الذين تجمهروا ضدّهم في لبنان، بما في ذلك الذين تصرّفوا بطريقة معيبة وقاموا بتسليم السوريين الهاربين إلى الجيش السوري.

تأخّر الوقت قليلاً، لكن لم يفت الأوان كي يصحّح اللبنانيون موقفهم. ليس هذا من أجل إخوانهم السوريين فحسب، وإنما أيضاً من أجل الشعب اللبناني.

أناشد اللبنانيين أن يضعوا السياسة والمصالح المذهبية جانباً ويساندوا السوريين التوّاقين إلى التخلّص من عبودية السلطوية كما فعل التونسيون والمصريون والليبيون واليمنيون. عليهم أن يشجبوا الشخصيات العامة التي تعلن دعمها للنظام السوري على حساب طالبي الحرّية.

الوقت يداهم لبنان حكومةً وشعباً، عليهم أن يهبّوا فوراً لمساعدة اللاجئين السوريين وحمايتهم، فهم يعانون من نقص المواد الأساسية في الجبال في الشمال وفي سهل البقاع حيث تهبط الحرارة في الليل إلى درجتين مئويتين تحت الصفر. على الحكومة أن تدعم الشعب السوري في سعيه للحصول على الحرية وحقوق الإنسان، ويجب أن تعتذر لوقوفها إلى جانب من يقتلون السوريين ويمارسون التعذيب بحقهم.

ينبغي على اللبنانيين العاديين أن يتجاهلوا الزعماء الطائفيين الذين يعملون من أجل مصالحهم الذاتية، ويفتحوا قلوبهم ومنازلهم للاجئين السوريين.

لقد استُعبِد اللبنانيون على أيدي الأحزاب السياسية والسياسيين والزعماء القبليين لأكثر من قرن. متى سيحسمون أمرهم وينتصرون لمبادئهم ولبنانيتهم في خدمة الخير والحق؟ لا يجوز أن نسير مغمضي ألاعين خلف القادة من دون مسائلتهم في قراراتهم.

إن من حق الشعب أن يطالب بقيادة وطنية مخلصة تضع مصلحة لبنان فوق جميع الإعتبارات وتتبنى أجندة لبنانية خالصة.

فضلاً عن ذلك، إذا اختار اللبنانيون فعل الصواب، سوف تُعزَل روسيا والصين وتُحرَجان بسبب وقوفهما ضد الشعب السوري الذي يرفض الخضوع لحاكم طاغية.

تلحق هاتان القوّتان أذى كبيراً بالعرب تحقيقاً لمآربهما الخاصة، وأنا أدعو إلى مقاطعة إسلامية/عربية للواردات الصينية والروسية إلى أن تتوقّفا عن دعم الديكتاتوريين.

نحيّي تركيا على انتقادها لتصرّفات حليفها السوري منذ البداية. ولكنني آمل في أن تتوقّف أنقرة عن القول وتنتقل إلى الفعل.

ونحيّي أيضاً قطر على موقفها الأخلاقي الواضح والصريح. إذا كانت قطر قادرة على إظهار هذه المهارات القيادية المثيرة للإعجاب على الساحة العالمية، فليس هناك ما يمنع لبنان والذي يتعذّر فصله عن جارته الشمالية ، من فعل الشيء نفسه.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم