يوم السبت، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي إن التزام أمريكا الأمني "حيال شعب الخليج ودوله راسخ لا يتزعزع". ودعت إلى اتّخاذ "خطوات عمليّة ومحدّدة لتعزيز أمننا المشترك، مثل مساعدة جيوشنا على تحسين قدرتها على العمل معاً، والتعاون في الأمن البحري والدفاع الصاروخي، وتنسيق التصدي للأزمات فيما بين دول الخليج".
قد يبدو كلامها مطمئِناً للبعض في منطقتنا؛ وقد ينام البعض الآخر قرير العين لمعرفته أن واشنطن تقترح حمايتنا بواسطة درع صاروخي. قد تسألون، أنّى لنا أن نعترض والقوة العظمى الوحيدة تريد أن تأخذ دول الخليج تحت جناحَيها الجبّارَين، ولا سيما في هذه المرحلة التي تشتدّ فيها المخاطر؟ لكن في رأيي، إن من يفكّرون بهذه الطريقة عليهم أن يعيدوا النظر في حساباتهم.
كان لتصريح كلينتون وقعٌ عليّ، إنما ليس بالطريقة التي أرادتها هي. فأنا لم أشعر على الإطلاق بالامتنان أو الراحة، بل على العكس اجتاحني شعور قويّ بالانزعاج، فها هي أمريكا تعيد الكرّة من جديد. وقد عدت بالذاكرة على الفور إلى التسعينيات عندما التقيتُ في مباراة "ودية" لكرة المضرب مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ريتشارد مورفي الذي كان آنذاك مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة؛ وكنّا قد لعبنا مرّات عدة معاً من قبل.
وكان برفقة السيد مورفي السفير الأمريكي في الأردن روسكو سيلدون سودارث. فيما كنّا نرتاح بين شوط وآخر، تحوّل اتّجاه الحديث نحو علاقات أمريكا مع بلدان الخليج؛ وقد قال مورفي أمراً جعل الغضب يعتمل في داخلي. فقد أعلن باعتزاز "لقد عهد البريطانيون إلينا [أي الولايات المتحدة] مسؤولية حماية الخليج العربي".
كانت لعبارته هذه وطأة كبيرة علي، فسألته "من أعطاكم تلك السلطة؟" أجاب أن المملكة المتحدة سلّمت منطقة الخليج إلى أمريكا. فعاجلته بالرد "غريبٌ أننا نحن الشعب الذين نعيش هنا آخر من يعلم"، وسألته إذا كان حكّام المنطقة قد وافقوا على مثل هذا الترتيب، مع أنني كنت واثقاً من أنهم لم يفعلوا.
بعد مرور قرابة العقدين من الزمن ، كنت آمل أن الأمور تغيّرت. تتمتّع دول مجلس التعاون الخليجي برخاء اقتصادي، وحكم مستقرّ، وقد أُنعِم الله عليها بكفاءات وخبرات غنيّة كما أنها قويّة عسكرياً. أنا مع التعاون مع القوى الكبرى ولكن من دون أن نربط مصائرنا بهم.
تلك القوى متقلِّبة؛ فهي تتحرّك بحسب ما تمليه مصالحها الذاتية فقط، كما حصل عندما سمحت بريطانيا لشاه إيران بأن يستولي على الجزر التابعة للإمارات العربية المتحدة. لقد رأينا كيف سلّم البيت الأبيض وبريطانيا العراق إلى نظام موالٍ لإيران يصنّف السنّة العراقيين كمواطنين من الدرجة الثانية. إذا كان هذا ما حلّ بالعراق الذي، يُعد من أكبر الدول من حيث المساحة وتعداد السكان، من يدري ماذا سيكون مصيرنا إذا تركناه في أيدي الآخرين الذين يسعون إلى تحقيق مصالحهم الذاتية!
قال لي دبلوماسي أمريكي تربطني به علاقة صداقة "لا يهمّنا من يحكم في دول مجلس التعاون الخليجي ما دام النفط يتدفّق إلينا". لا شك في أن الوضع أكثر تعقيداً الآن إذ إن نسبة النفط الذي تستورده الولايات المتحدة من الخليج العربي لا تتعدّى 16 في المئة؛ واليوم، تسعى الحكومة الأمريكية إلى السيطرة على الصادرات النفطية للمنطقة كي تُبقي منافسيها المتعطّشين للطاقة مثل الصين والهند تحت رحمتها.
ألم نتعلّم، نحن شعوب الخليج وحكوماته، أيّ درس من اجتياح العراق واحتلاله بقيادة الولايات المتحدة، والذي لم نستطع فعل شيء لمنعه؟ فإلى جانب كونه مذلا، فإن هناك ثمة مجازفة في الاعتماد على بلد آخر، ولو كان بلداً صديقاً، للدفاع عنا. ماذا يحصل إذا وقع خلاف بيننا في المستقبل؟ إما نُضطر إلى دفن مبادئنا وطأطأة رؤوسنا، وإما نصبح في موقع ضعيف وهش إزاء الحامي الذي تحوّل عدواً.
أولاً بريطانياً والآن الولايات المتحدة. فإذا قبلنا، والعياذ بالله، مبدأ أن أرضنا وشعوبنا أصبحوا سلعة تباع وتشترى، فمن يدري من سيفرض نفسه "رئيساً" علينا في المرّة المقبلة. ربما آيات الله الإيرانيون! قد تبتسمون، لكن يكفي أن نلقي نظرة على ما يجري في البحرين حيث زرعت طهران بزوراً سامّة قادرة على الانتشار إلى الدول المجاورة لولا الموقف الشجاع والحازم الذي اتّخذته الحكومة البحرينية بمساعدة السعودية.
ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتوحّد وتعزّز دفاعها المشترك ليس فقط من أجل الحفاظ على أمن شعبنا إنما أيضاً لتحمّل مسؤوليتنا في الدول المجاورة. من الجيّد أن السعودية وقطر تؤدّيان دوراً دبلوماسياً قيادياً على الساحة العالمية، لكن هذا بحده ليس كافياً.
ففي عالم مثالي، يجب أن يكون مجلس التعاون الخليجي مجهّزاً للتدخّل بهدف إنقاذ المدنيين السوريين، رجالاً ونساء وأطفالاً، الذين يذبحهم بشار الأسد وعصابته يومياً. على غرار الأمريكيين والأوروربيين والأتراك، يضغط قادة الخليج بالكلام والتصريحات على النظام، لكن القتل مستمر.
تحتاج المعارضة السورية إلى أكثر من مجرّد أقوال، إنها بحاجة إلى أسلحة ومستشارين عسكريين. سوريا بيتنا، بيتنا العربي، ولا يجب أن ننتظر موافقة روسيا والصين كي نتحرّك.
أكرّر ما كتبته في العديد من مقالاتي السابقة. يجب أن نكفّ عن أن نكون أعداء أنفسنا. إذا لم نتصرّف بحزم في الموضوع السوري، وإذا سمحنا لهذه الكارثة الإنسانية بأن تتواصل بلا هوادة، سوف تنتقل هذه العدوى إلى عقر دارنا عن طريق عملاء إيران في العراق ولبنان. المسألة هي أبعد من تحرير السوريين من الديكتاتورية؛ إنها تتعلّق أيضاً بإنقاذ دول مجلس التعاون الخليجي ولبنان من الذراع الإيرانية الطويلة والممتدّة.
كوني مواطناً في دول مجلس التعاون الخليجي، أطلب من قادتنا التشاور مع شعوبهم؛ لا يكفي أن يتشاوروا مع الأشخاص في الدوائر المقرّبة منهم، بل يجب أن يصغوا أيضاً إلى الناس العاديين الذين يعشقون تراب بلادهم وهم مستعّدون للدفاع عنه بدمائهم وأرواحهم.
أتحدّث باستمرار مع أبناء الخليج عن هذا الموضوع. أعرف أنهم يحملون في أعماقهم قلقاً كبيراً جداً من التصريحات الإيرانية التخويفية، والمناورات الحربية، والاختبارات الصاروخية والتدريبات البحرية التي تجري عند عتبة بابهم حتى ولو حاولوا إخفاء الأمر. وما هو ردّنا على تلك التهديدات؟ لماذا لا نستعرض قوّتنا؟ هل ننتظر البنتاغون ليطلق تدريبات عسكرية بالنيابة عنّا؟
آمل أن يقيم سريعا قادتنا في مجلس التعاون الوضع الحالي في المنطقة والذي يتسم بحالة من عدم الاستقرار ويضعوا خطة عاجلة للتحرّك. وأتضرع إلى الله عز وجل أن يمدهم بالشحاعة كافية في قلوبهم، وقدرة لا تُقهَر على الصمود كي يرفعوا رؤوسنا عالياً ويمنحونا الأمن الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه. بالعودة الأن مرة أخرى إلى السيدة كلينتون أعتقد أن ردنا الوحيد عليها يجب أن يكون "شكراً، لكننا لسنا بحاجة إليكم".