مياه الخليج العربي هي وطن، ليس فقط لأنواع مختلفة من السلاحف. ولكن لبعض الأنواع من أسماك القرش النادرة جداً. وكلاهما يعتمد على مشروع إعادة تأهيل السلاحف، دبي
السلاحف صغيرة وودودة وجميلة، من الصعب ألا نحبّها. ولا شك في أن رؤية سلحفاة في الخليج العربي تجربة رائعة.
في الواقع يضم الخليج العربي أربعة أجناس مختلفة من السلاحف: سلحفاة منقار الصقر، والسلحفاة الخضراء، والسلحفاة الضخمة الرأس، وسلحفاة أوليف ريدلي، وكلها تستوطن على طول الساحل الإماراتي. هذه السلاحف نادرة جداً إلى درجة أنها تشكّل قيمة كبيرة بالنسبة إلى المنطقة.
لكن في كل شتاء، يتكرّر المشهد المحزن نفسه حيث تجرف الأمواج مئات السلاحف إلى شواطئ الإمارات تحت تأثير الانخفاض في درجات حرارة المياه الذي بات شائعاً في الأعوام القليلة الماضية. فالبرد يجعل السلاحف تسبح ببطء ووهن، ونظراً إلى حجمها الصغير، ترزح تحت ثقل الهديبات التي تتمسّك بقوقعاتها.
السلاحف الأصغر التي لا يتجاوز عمرها بضعة أعوام، تتكبّد المعاناة الأكبر، وقد بدأ دعاة المحافظة على الحياة البرية يخافون على مستقبل هذه الأجناس في هذه المنطقة من العالم.
لكن في العام 2004 أُطلِق برنامج للمحافظة عليها تحت اسم "مشروع إعادة تأهيل السلاحف في دبي"، ويهدف إلى التصدّي لمفاعيل الاحتباس الحراري العالمي وإنقاذ السلاحف المائية في الخليج العربي. خلال العام الماضي وحده، تم تسليم 352 سلحفاة مائية إلى المركز بعد العثور عليها على الساحل الإماراتي.
يتّخذ المشروع من برج العرب ومدينة الجميرا التي تقع على الساحل في دبي، مقراً له، ويتم تنفيذه بالتعاون مع مكتب حماية الحياة البرّية في دبي.
تتولّى عيادة فالكون في دبي ومختبر أبحاث الطب البيطري المركزي توفير الدعم البيطري. وتقوم مجموعة الجميرا بتمويل تكاليف تأمين الطعام للسلاحف والعناية بها، والرقاقات الصغيرة التي توضَع تحت جلدها، والأدوية، وتُجمَع التبرّعات أيضاً من عدد من الجمعيات الخاصة والأفراد.
لكن الداعمين الأكبر هم الناس الذين ساعدوا من خلال حملات التوعية العامة على العثور على السلاحف المصابة على الشواطئ في دبي وتسليمها إلى المركز. وتختلف هذه السلاحف في حجمها.
يشرح وارن بافرستوك من مشروع إعادة تأهيل السلاحف في دبي ومدير المربى المائي في برج العرب "يمكن أن يتراوح وزن السلاحف الخضراء من كيلوغرام واحد إلى 150 كلغ، لكن ليس هناك متوسط للحجم. أحضروا إلينا سلحفتَين ضخمتي الرأس في العام 2011، الأولى تزن 65 كلغ والثانية 50 كلغ".
ويضيف "العدد الأكبر من السلاحف التي تصلنا إلى المركز هو من نوع سلحفاة منقار الصقر، وبفارق كبير عن باقي الأنواع.
هذا النوع أقل قدرة على تحمّل المياه التي تصبح أكثر برودة في أشهر الشتاء في دبي، وتتعطّل حركته".
يقول بافرستوك إن السلحفاة الأضخم التي عولجت حتى الآن في المركز هي سلحفاة خضراء بلغ وزنها 150 كلغ: "كانت ضخمة، واحتاجت إلى ستة أشخاص لحملها. وقد أطلقناها بعد بضعة أشهر من إعادة التأهيل، مع وضع جهاز لها لتعقّبها عبر الأقمار الصناعية. وخلال العام الجاري، أحضروا إلينا سلحفاة ضخمة الرأس وزنها 95 كلغ".
في العام 2011 وحده، عالج المركز سلحفاة أوليف ريدلي، وسلحفاتَين ضخمتي الرأس، و16 سلحفاة خضراء، و333 سلحفاة منقار الصقر، وبقي بعضها هناك لأشهر عدّة.
وقد أعاد المشروع حتى الآن إطلاق أكثر من 500 سلحفاة، ويُتوقَّع أن يصل الرقم إلى 750 بحلول نهاية 2012. توضَع رقاقة صغيرة لكل سلحفاة عند وصولها من أجل مراقبة تقدّمها ونموّها، وكذلك "نسبة عودتها" بعد إطلاقها. لكن حتى الآن، لم تتم إعادة أي سلحفاة إلى المركز، "وهذا مؤشر جيد جداً"، كما يقول بافرستوك الذي يتابع "إنه أثبات على أنها تعافت بصورة مُرضية".
وهذا النظام للتعقّب بواسطة الأقمار الصناعية مفيد أيضاً لقياس مدى اندماج السلاحف من جديد في موطنها الطبيعي بعد إعادة التأهيل.
بحسب النتائج الأولية للمشروع، قطعت إحدى السلاحف 8600 كلم، وهي مسافة كبيرة جداً، بعد 18 شهراً في العناية الفائقة. سبحت السلحفاة التي تدعى "ديبا" عبر المحيط الهندي، وكادت تبلغ الساحل التايلندي. وقد تمت مراقبة تقدّمها طوال الطريق، إلى أن نفدت البطارية في جهاز التعقّب.
إلى جانب السلاحف، يضم المربى المائي الذي هو جزء من مشروع إعادة تأهيل السلاحف في دبي، مجموعة مدهشة من الحيوانات البحرية الأخرى، بينها قرش الحمار الوحشي المهدّد أيضاً بالانقراض. في البداية اكتشف بافرستوك، وزميله ديفيد روبنسون، مساعد المدير في مربى برج العرب المائي، بويضات وضعتها أنثى قرش الحمار الوحشي وأُطلِق عليها لاحقاً اسم "زيبيدي" في العام 2007. يشرح بافرستوك "غالباً ما تضع الإناث البويضات حتى عندما لا يكون هناك ذكور لتلقيحها. لكن يجري التخلّص منها عادة".
يحصل التوالد العذري Parthenogenesis (وهي كلمة يونانية مؤلّفة من parthenos أي عذري وgenesis أي ولادة)، عندما تُضاعف خلايا البويضات الأنثوية صبغيّاتها ثم تنقسم إلى اثنين.
لقد تمكّنت أنثى القرش وحيدةً من إنجاب صغار بفضل هذه العملية حيث تؤدّي خلايا البويضات دور السائل المنوي الذكري وتقوم بتخصيب البويضة الأخرى فيما تندمج معاً من جديد لتوليد جنين مع مجموعتَين من الكروموسومات من الوالدة.
زيبيدي التي أُحضِرَت من منطقة البحر الأحمر، أنجبت 21 قرشاً منذ العام 2007 لا يزال ستّة منها على قيد الحياة.
يشرح روبنسون "كان معلوماً أن هذه العملية نُفِّذت من قبل على القرش، لكنه كان من سلالة مختلفة بالكامل عن قرش الحمار الوحشي؛ ولذلك الاختبار الذي قمنا به مثير جداً للاهتمام".
ويضيف "هذه هي القروش الأولى التي حصلنا عليها عن طريق التوالد العذري والتي لا تزال حيّة وتتمتّع بصحة جيدة"، مشيراً إلى أن هذا الإنجاز يشكّل اختراقاً بالنسبة إلى المشروع. في الواقع، لقد وُثِّقَت ولادة صغار القروش هذه في بحث علمي نُشِر في مجلة The Journal of Fish Biology.
يروي روبنسون "قرأنا وارن وأنا عن أول توالد عذري لقرش الرأس المغطى في العام 2001 في الولايات المتحدة، وهكذا قرّرنا عزل بويضات زيبيدي لنرى ما سيحصل؛ بعد ثلاثة أشهر، اكتشفنا أجنّة داخل بعض البويضات التي فقست بعد ذلك".
لا نعلم بعد إذا كانت القروش التي أنجبتها زيبيدي ستتمكن من إنجاب صغار هي أيضاً، لكن هذه القروش ليست مستنسخة، فهي تختلف جينياً بعضها عن بعض، كما تختلف عن والدتها. لديها جهاز تناسلي مكتمل، وهكذا فإن المرحلة المقبلة من الأبحاث تقوم على تزويجها ذكوراً لمعرفة إذا كانت قادرة على التوالد بطريقة طبيعية.
يضيف روبنسون "بالتأكيد نحن لا نسعى إلى ضبط عدد صغار القروش التي يتم استيلادها. يمكننا إرسال قروش الحمار الوحشي الموجودة عندنا في المربى المائي، إلى منشآت أخرى حول العالم، على أمل أن يساهم ذلك في خفض أعداد قروش الحمار الوحشي التي تؤخَذ من البحار والمحيطات. كما أنه يضعنا على الخريطة العالمية للمحافظة على الحياة البحرية".