الشندغة

9 | 136 العدد | الشندغة بدلاً من أن يتحسّـر الشـباب المصريون لأن بلادهم لم تصبح نسـخة عن أوروبا بين ليلة وضحاها، أو يسـارعوا إلى التقدم بطلبـات للهجـرة إلـى الولايات المتحدة، عليهم أن يشـمّروا عن سـواعدهم. بلادهم بأمس الحاجـة إلـى مـا يتمتعـون به من طاقة وروح مبـادرة وابتـكار... بلدهـم بأمس الحاجة إلى حبهـم، تمامـاً مثـل أمّ خرجـت للتو من العناية المركزة. لا أحـد يديـر ظهـره لوالدتـه أو والده عندما يكونان في وقت شـدّة. إذا لم نحب الأرض التـي تحتضننـا، فنحـن يتامى تماماً مثل اللاجئين الذين يهربون من سـوريا والعراق. لديّ شـغفٌ وتعلقٌ شـديدان بوطني الأم وأرضه منذ كان كل شـيء من حولنا رمالاً. لم تخرج الإمارات من قبعة سـاحر. لقد بنيناها معاً مدماكاً مدماكاً على أسـاس متيـن قوامـه الوحدة والإيمان والأمل. بإمكان المصريين أن يفعلوا الشـيء نفسـه، أو توخيّـا للدقّـة، بإمكانهـم أن يجعلـوا بلادهم تنعم بالوفرة وحسـن الطالع والازدهار من جديد، شـرط أن يتحلّوا بالصبر وأن تكون لديهم حكومة مسـتقرة. لقد كانت معركة شـاقّة، لكن البلاد تسـلك الآن من جديد مسـاراً إيجابياً؛ واقتصادها المتداعي يسـتعيد عافيته ببطء إنما بخطى واثقة. على سـبيل المثال، بلغت الاحتياطيات الأجنبية هذا الشـهر أعلى مليار 28.5 مسـتوياتها منذ سـتة أعوام، مع دولار. لقـد أدّى تعويـم الجنيـه المصري إلى زيـادة التضخـم، لكـن الجانب الإيجا بي هو أنه سـاهم في اسـتقطاب قدر كبير من الاسـتثمارات الخارجية التي سـجّلت زيادة في المئة في النصف الأول 39 "بنسـبة من السـنة المالية الراهنة"، بحسـب وكالة "رويترز". يهدف قانون الاسـتثمار الذي دخل حيز التنفيذ مؤخراً إلى تحفيز المسـتثمرين الأجانـب عبـر تقديم خفوضات ضريبية كبيرة وإنشـاء مناطق حرة معفيّة من الضرائـب والرسـوم الجمركيـة. ويشـهد القطـاع السـياحي معافـاة، علـى الرغـم مـن أن روسـيا والمملكـة المتحـدة تماطـ ن فـي إعـادة تسـيير الرحـ ت إلـى القاهـرة، بعدمـا جـرى تعليقهـا إبـان إسـقاط الطائـرة الروسـية مـن طـراز "متروجـت". الخبـر السـار فعـً هـو أن مصـر تخلّصـت مـن مشـكلاتها فـي قطـاع الطاقـة. لقـد أعلـن السـفير البريطا نـي لـدى مصـر، جـون كاسـون، أن شـركة النفـط البريطانيـة 13 سـوف تسـتثمر British Petroleum مليـار دولار لـ"جعـل مصـر القـوة العظمـى الجديـدة فـي مجـال الطاقـة". مـن المرتقـب أن ينطلـق فـي ختـام العـام الجـاري إنتـاج الغـاز فـي حقـل ظهـر الضخـم فـي البحـر المتوسـط الـذي ا كتشـفته الشـركة الإيطاليـة "إ نـي"، ويُتوقّـع فـي هـذا الإطـار أن تنتقـل البـ د مـن اسـتيراد الطاقـة إلـى تصديرهـا. ممـا لا شـك فيـه أن الطريـق لا يـزال طويـ ً. ففـي مـوازاة الإنفـاق علـى البنـى التحتيـة، ينبغـي علـى الحكومـة الاسـتثمار فـي الرأسـمال البشـري، لا سـيما فـي قطاعَـي التعليـم والرعايـة الطبيـة اللذيـن همـا دون المسـتوى المطلـوب، باعتـراف الرئيـس المصـري نفسـه. إنّ خفـض الدعـم الحكومـي للسـلع بصـورة تدريجيـة خطـوة منطقيـة تمامـاً مـن الناحيـة الاقتصاديـة، لكـن يجـب إنشـاء شـبكة أمـان فاعلـة للشـرائح الأشـد فقـراً فـي المجتمـع. والأهـم مـن ذلـك، يجـب التخلـص مـن ثقافـة الفسـاد والمحسـوبيات المستشـرية علـى نطـاق واسـع مـن أعلـى الهـرم إلـى أسـفله. ويجـب أن يتمتـع جميـع المواطنيـن بالمسـاواة فـي الفـرص انطلاقـاً مـن الموهبـة والكفـاءة. يكمـن الحـل الطويـل الأمـد فـي أيـدي المر بّيـن، وفـي البيانـات المتلفـزة عـن الخدمـة العامـة، وفـي فـرض عقوبـات صارمـة علـى المخالفيـن. تعمـل السلطـات علـى تغييـر الواقع الذي تعيشه البلاد. أخيـراً، أوجّـه نـداء قوياً إلى جميع المصرييـن لـزرع حـب الوطن في نفوس أبنائهم وبناتهم. أبقوا هذه الشـعلة متّقدةً ودعوهـا تتوهّـج، وإذا تحلّـت الحكومة بالصبر والعزيمـة الكافيَيـن، تمامـاً كما حصل في النصف الأول من القرن العشـرين، سـوف يسـير جميع المصريين أباةً مرفوعي الرأس وسـيرغب الجميع في التشـبّه بهم. ©Shutterstock

RkJQdWJsaXNoZXIy NDU3MzA=