الشندغة

©APImages 5 | 136 العدد | الشندغة الناشطين سياسياً" للتقدّم بطلب الحصول على اللجوء في المملكة المتحدة، مع العلم أنها مؤسسة مصنفة إرهابية. الأب المؤسس للعقيدة الإرهابية هو سيد قطب الذي كان من أبرز المرجعيات الإخوانية. لقد وصلت ثقافة الصوابية السياسية في المملكة المتحدة إلى حدودها القصوى التي تلامس السخافة. تردّدت الشرطة في اعتقال عصابات باكستانية كانت تمارس الاستغلال طفل في بلدة روثرهام 1400 الجنسي بحق لأنها "لا تريد أن تعكّر صفو المركب الذي يقلّ على متنه جماعات متعددة الثقافات"، بحسب ما نقلته مجلة "فوربس" عن نائب في البرلمان البريطا ني. إنه جنون مطلق، وسعيٌ إلى الاسترضاء. هل يُعقَل أن الحكومة البريطانية لم تفتح عينَيها جيداً إلا بعد وقوع ثلاثة هجمات في غضون شهرَين! بعدما توضّحت الصورة جيداً، إليكم ما هو عليه الوضع الآن. على بريطانيا أن تواجه عدواً قاسياً لا يرحم في الداخل. بحسب تقرير نشره مؤخراً موقع "دايلي ميل"، "تبذل الاستخبارات العسكرية البريطانية تحقيق في 500 جهوداً حثيثة لمتابعة قضايا إرهابية في أي وقت من الأوقات، وقد أحبطت خمس مؤامرات في الأشهر الخمسة الماضية". لقد حذّرت الصحف البريطانية من عودة أعداد كبيرة من الجهاديين من سوريا والعراق حيث تتعرض جيوب "داعش" في الوقت الراهن للهجمات. ألف 23 ً تراقب الأجهزة الأمنية حاليا مشتبه به في أعمال إرهابية، بينهم مئات العائدين من سوريا. لا يتعدّى عدد الشرطيين بدوام كامل ألفاً في مختلف أنحاء البلاد. ولا 124 نحو يكونون جميعهم في المناوبة في الوقت نفسه. كيف يمكن أن نتوقّع منهم حماية كل الأهداف الناعمة من الهجمات؟ معظمهم عزّل. وفرقة عناصر الشرطة الذين تلقوا تدريباً خاصاً لمكافحة الإرهاب صغيرة نسبياً. يبدو أن ماي تعتقد أن الحل هو في تنظيم الإنترنت عبر استمالة مزوّدي الخدمات في هذا المجال وحملهم على مساعدة الحكومات في فك شِفرات الرسائل المشبوهة ووضع اليد على المواقع الإلكترونية التي يستخدمها المتطرفون لنشر أيديولوجيتهم والتخطيط لارتكاب أعمال إرهابية. إنها خطوة مهمة، لكنها طويلة المدى، ولن يتوا نى القتلة الذين يرتكبون جرائم جماعية عن إيجاد طرق بديلة للتواصل. أنا من أشدّ المؤمنين بأنه ينبغي على رئاسة الوزراء البريطانية اعتماد مقاربة أ كثر فاعلية، على أن تضع نصب عينَيها أن الحق الأول من حقوق الإنسان هو الحق في الحياة. حق المواطنين المسالمين في الحياة يجب أن يتقدّم دائماً على أي حقوق أخرى يدّعيها أشخاص يسلكون الطريق الذي يقودهم إلى الجحيم. مشتبه 23000 واقعياً، لا يمكن مراقبة به متآمر وحاقد على مدار الساعة، ويتعذر فك رموز رسائلهم المشفّرة. في هذه الحالة، ثمة حل أوحد يمكن أن ينقذ الأرواح. حاملو جوازات السفر البريطانية الذين يخضعون للمراقبة حالياً، يجب حجزهم في معسكرات اعتقال، ويُفضّل أن تكون في جزيرة غير مأهولة. في الواقع، لقد دعا أحد مساعدي المفوّضين في "سكوتلاند يارد" إلى وضع المتشددين في السجون. فكرة جيدة. احبسوهم وارموا المفتاح بعيداً. أما مَن يحملون جنسـية مزدوجة والأشـخاص غيـر البريطانييـن فيجب ترحيلهـم علـى الفـور مـن دون منحهم حـق الاسـتئناف، ويجـب نقـل ملفاتهم إلـى بلدانهـم الأم كـي يتمكّن المسـؤولون مـن التعامـل معهـم بالطريقـة التـي يرونها مناسبة. يجـب أن تتوقـف المملكـة المتحـدة وسـواها من الدول الأوروبية المسـتهدَفة عن توزيع جوازات السـفر عشـوائياً على الجميـع. فعـدد كبيـر من الأشـخاص الذين يحصلـون علـى هـذه الجـوازات لا يكنّـون أي ولاء للبلـد الـذي يمنحهـم جنسـيته. كثيـرون مـن البريطانييـن والفرنسـيين والبلجيكييـن مـن أبنـاء الجيلَيـن الثا نـي والثالث انقلبوا بضراوة ضد الأرض التي منحت أهلهم أو أجدادهم الممتنّين ملاذاً آمناً من الحرب أو الفقر. ويجب أيضاً التوقف عن منح الجنسية إلى أطفال الأجانب الذين يولَدون في الأراضي البريطانية. فضلاً عن ذلك، ينبغي على الاتحاد الأورو بي والولايات المتحدة أن يتصرّفا بحزم مع الدول المعروفة بتقديمها المال أو السلاح إلى التنظيمات الإرهابية أو المتطرفة، على غرار إيران وقطر؛ ويجب تجميد أصولها. والبلدان التي تغض النظر عن سابق تصور وتصميم بسبب سعيها وراء الاستثمارات الخارجية هي بلدان متواطئة، ويجب أن تخضع للمساءلة من شعوبها. فوجئت عندما أُطفئت الأنوار في برج إيفل إبان الهجمات على مجلس الشورى وضريح الخميني في طهران. غرّد عمدة باريس قائلاً بأن العاصمة الفرنسية "تتضامن" مع إيران. بالطبع، نتعاطف مع ضحايا الإرهاب بغض النظر عن جنسيتهم، لكن أليس في الأمر مبالغة؟ ألا يدرك عمدة باريس أن طهران هي الراعية الأكبر للإرهاب، وأنها ساعدت نظام بشار الأسد على سفك دماء مئات آلاف السوريين؟ ما زلت أستشيط غضباً أمام مشهد الرئيس الإيرا ني حسن روحا ني وهو ينعم باستقبال ملوكي في قصر الإليزيه فيما كان يحمل معه قائمة صفقات مربحة. بصراحة، تساور ني شكوك بشأن الواقعة برمتها. من المستغرب أن النواب الإيرانيين تابعوا جلستهم على وقع إطلاق النار في الخارج؛ إنه لأمر غريب فعلاً أن وسائل الإعلام مُنِعت من التقاط الصور للضريح الذي يُفترَض أن "أضراراً لحقت به". يُزعَم أن منفّذي الهجمات إيرانيون. ومن جهته، انتهز تنظيم "داعش" الفرصة وتبنّى المسؤولية. غير أن إيران سارعت إلى تحميل عدوّتها اللدود، السعودية، المسؤولية من دون أن تقدّم أد نى دليل على ذلك. كان التوقيت مناسباً جداً. لن يفاجئني إذا تبيّن أنها عملية وهمية من تدبير الحرس الثوري الإيرا ني لخداع المجتمع الدولي ودفعه نحو التصديق بأن إيران مستهَدفة، وليست دولة تموّل مجموعة كبيرة من التنظيمات الإرهابية، ومنها "داعش" و"القاعدة"، أو تسلّحها أو تتعاون معها. ينكب المحللون دائماً على النقاش حول مصدر كل هذه الكراهية. هذا لا يجدي نفعاً في هذه المرحلة، ونتيجته الوحيدة إرهاق تفكيرهم من دون فائدة. عندما يكون الشخص مصاباً بالسرطان، لا يمضي أطباؤه أشهراً أو سنوات في النقاش حول أسباب المرض، بل يعملون على استئصاله كي يتمكّن من الشفاء. ينبغي على القيادة البريطانية التخلص من الأساليب القديمة في التفكير. على المملكة المتحدة أن تواجه الواقع المؤلم بأن البلاد تمرّ في أسوأ حالات الطوارئ التي عرفتها منذ الحرب العالمية الثانية. فعلى الأقل كان النازيون في المقلب الآخر من القناة، ولم يكونوا يختبئون في كل بلدة ومدينة متحيّنين الفرصة للانقضاض على فريستهم. أحيّي أبناء مانشستر ولندن على روح التحدّي والوحدة التي يتحلون بها. وأحيي شرطة لندن على استجابتها السريعة إزاء المأساة التي تنكشف فصولاً، والمسعفين الذين جازفوا بحياتهم لمساعدة المصابين، وأنظر بإعجاب شديد إلى المآثر البطولية لعدد كبير من الأشخاص العاديين الذين أرادوا بالطبع الابتعاد عن دائرة الخطر، لكنهم توقفوا من أجل مساعدة المحتضِرين. هؤلاء هم الأبطال، ويستحقون تحركاً حاسماً من حكومتهم رداً على الهجمات، كي لا يعانوا هم وأبناء وطنهم من صدمة مماثلة من جديد. يجب تغيير السلوكيات، والتخلص من ثقافة الصوابية السياسية، وإعادة النظر في قوانين حقوق الإنسان. ما لم يصبح العلاج جذرياً بقدر الوباء، ستكون هناك مزيد من رسائل التعزية، ومن دقائق الصمت حداداً على الضحايا، ومن القبور المثقلة بالزهور.

RkJQdWJsaXNoZXIy NDU3MzA=