الخميس، 18 أبريل 2024

على العرب أن يتصدّوا للتهديدات الإيرانية بحزم

بقلم خلف أحمد الحبتور

Shutterstock ©

يتفق الجميع تقريباً على أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعمل بشكل نشط في توسيع قدرتها العسكرية، وتطوير برنامجها النووي، وتسليح الأقليات الشيعية وتمويلها ونشر أيديولوجيتها في مختلف أنحاء المنطقة. وبمرور الوقت، تصبح إيران أكثر نفوذاً وتأثيراً. قد نستيقظ ذات يوم لنجد أنها تحوّلت إلى دولة مسلّحة نووياً على عتبة بابنا على الرغم من أن آيات الله ينكرون هذا الأمر. عندما يحدث ذلك، سوف تصبح إيران في موقع يخوّلها فرض شروطها، وسوف يُخيّم العلم الشيعي نفسه الذي يرفرف الآن فوق العراق ولبنان وسوريا، على الخليج إلا إذا كان المجتمع الدولي مستعدّاً للمجازفة بوقوع هرمجدون نووية.

لقد امتدت المخالب الإيرانية بعيداً جداً. ففي الشهر الماضي، أوقِف عميلان إيرانيان في كينيا بعدما قُبِض عليهما وهما يراقبان السفارة الإسرائيلية والمفوّضية العليا البريطانية وملعب غولف بغية استهدافها في إطار مخطّط تفجيري. تحاول إيران التودّد إلى الجزائر، وتسعى حالياً إلى اقامة علاقات سياسية واقتصادية مع الحكومة المصرية الجديدة على غرار علاقاتها مع السودان وإريتريا.وفي المغرب، يقوم آيات الله بتمويل معاهد التشييع بهدف دفع السنّة إلى اعتناق المذهب الشيعي؛ وفي اليمن يعمدون إلى تسليح المتمرّدين الحوثيين. ويهيمن فريق من خارج الدولة تابع لإيران على الحياة السياسة اللبنانية فيما شهدت سوريا زيادة ملحوظة في أعداد «الحجّاج» الإيرانيين الذين يصادف أيضاً أنهم مستشارون عسكريون أو عناصر من الحرس الإيراني يتوغّلون إلى البلاد لدعم جرائم الأسد ضد الإنسانية.

فضلاً عن ذلك، بحسب رضا خليلي، مؤلّف A Time to Betray (وقت للخيانة)، وهو عميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) نجح في التسلّل إلى داخل الحرس الثوري الإيراني، «وسّعت إيران شبكتها الإرهابية ولديها الآن عشرات الآلاف من العملاء في أمريكا اللاتينية». ينقل خليلي عن عضو في المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران قوله عبر التلفزيون الرسمي الإيراني «علينا الاستعداد لتنفيذ عمليات على الصعيد العالمي... مقاتلونا موجودون في القارات الخمس... يجب الدفع نحو جهاد دولي؛ يجب ألا نخاف أحداً».

عند جمع أجزاء الأحجية الإيرانية، يظهر مشهد عام مقلق. الخطر الذي تجسّده إيران لهذه المنطقة من العالم واضح بالنسبة إلي منذ سنوات. لقد كتبت مقالات عدّة أحذّر فيها قادة دول مجلس التعاون الخليجي والحكومات العربية من التهديد الإيراني، لكن يبدو لي أنه لم يتم أخذ هذا التحذير على محمل الجد. وأعربت أيضاً عن شكوكي بدعم من بعض الوقائع التي تشير إلى أن إسرائيل وإيران تتعاونان في مجالات عدّة تحت مظلّة أمريكية. لكن مجدداً، لم يصدر أي رد فعل عن السلطات الغربية ولم تبذل أي محاولة لدحض نظريتي.

في الظاهر على الأقل، ان الولايات المتحدة وحليفتها الأساسية في الشرق الأوسط، إسرائيل، هما عدوتان لدودتان لإيران. لقد أدانت كل من واشنطن وتل أبيب بأشدّ العبارات الانشطة الإرهابية لإيران وإصرارها على تخصيب اليورانيوم. وإذا صدّقنا الإعلام الإسرائيلي، تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والتي تبدوا ظاهريا جدية في قصف المواقع النووية الإيرانية خلال العام الجاري، لكن كلامه يبدو وكأنه مجرد تهويل فارغ.
في الواقع، بذلت إدارة أوباما جهوداً دؤوبة لفرض عقوبات على المصارف والقطاع النفطي في إيران، على الرغم من أنها تعلم تماماً أن تأثيرها سيبقى محدوداً جداً ما دامت قوى كبرى مثل روسيا والصين والهند تقف إلى جانب الشركاء التجاريين الأساسيين لإيران الذين يجدون طرقاً للتحايل عليها. حتى إن أوروبا تفكّر في رفع بعض العقوبات التي فرضتها على إيران، وذلك على ضوء المفاوضات التي وُصِفت بـ»المثمرة» بين مجموعة «الأعضاء الخمسة الدائمين زائد واحد» وطهران حول المسألة النووية. ومن المعروف أن المصارف والشركات الغربية تتعامل مع إيران من خلال وسطاء لتسويق النفط الإيراني وتبييض عائداته.
الولايات المتحدة وأوروبا بارعتان في الكلام إزاء الفظائع التي ترتكبها الحكومة السورية بحق مواطنيها. لقد نظّموا مؤتمرات تحت شعار «أصدقاء الشعب السوري»، وحاولوا إدانة نظام الأسد في مجلس الأمن الدولي، وأمّنوا مساعدات إنسانية للاجئين السوريين. لكن عندما يحين الأوان لترجمة الأقوال إلى أفعال، ينكفئون باستمرار.

أشعر بالهول أمام تقاعسهم عن التحرّك، لا سيما وأنهم لم يتردّدوا مطلقاً في تجاوز الأمم المتحدة واجتياح العراق انطلاقاً من ذرائع زائفة ليُقدّموا تلك الأرض العربية العريقة التي هي مهد الحضارات، هديّة للملالي. إذا كان «القرن الأمريكي الجديد» على هذه الشاكلة، فهو ليس بالتأكيد كما تصوّره المحافظون الجدد في عهد جورج دبليو بوش. لم يعد بالإمكان اعتبار الولايات المتحدة قوة عظمى في حين أنها تخضع بسهولة كبيرة لتهديدات دول مثل روسيا وشريكتَيها في الإجرام، إيران وسوريا. أوباما بدأ يفقد مصداقيته شيئاً فشيئاً، إذ انه يصفّق للانتفاضات الشعبية في الجمهوريات العربية في حين يتجاهل نضالات الشعب الإيراني الذي يسعى أيضاً إلى التحرّر من القمع والفقر الذي يقضي على أحلام 85 في المئة من الإيرانيين الذين يعيشون دون خط الفقر.

بالطبع، توحي وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأنها لا تألو جهداً للسعي في هذا الإطار. وقد كان اكتشافها «المذهل» الأخير مثيراً جداً للإعجاب إلى درجة أنني لم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك. تقول إن «حزب الله» متورّط في مساعدة نظام الأسد داخل الأراضي السورية. وكأن مصادرها الاستخباراتية اكتشفت شيئاً عظيماً! كان بوسعي أنا أن أخبرها بذلك. آمل أن أكون على خطأ، لكن تقاعس الولايات المتحدة عن التحرّك يجعلني أشكّ في أنها تنسّق مع روسيا وإيران في الشأن السوري.

لقد ضاق كوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ذرعاً بشلل مجلس الأمن فقدّم استقالته. وتفيد المعلومات بأنه سوف يُستبدَل بوزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الابراهيمي، 78 عاماً، الذي ذكّاه أمين عام الأمم المتحدة، بان كي-مون، للمنصب. إنه خيار غريب نظراً إلى أنه للابراهيمي نظرة قاتمة إلى آفاق السلام؛ والأغرب هو أن مساعد أمين عام الأمم المتحدة للشؤون السياسية، جيفري فيلتمان، استدعى السفير السوري لدى الأمم المتحدة للتشاور معه بشأن تعيين الابراهيمي.

كنّا لنتسلّى بهذا التوزيع العقيم للمناصب الذي يُستخدَم بديلاً عن التحرّك لولا الاستمرار في إراقة دماء الأبرياء في سوريا. والمؤسف هو أن الجامعة العربية ليست أفضل حالاً. هناك بين أعضائها دولٌ خليجية ذات نوايا حسنة تريد اتّخاذ خطوات ملموسة لكنها تتعرّض للعرقلة من بلدان تحرّكها إيران على هواها، أو أن دول بعض مجلس التعاون الخليجي منهمكة جداً بشؤونها الداخلية وليست مستعدّة للمجازفة وتكبّد العناء من أجل الشعب السوري.

ماذا حلّ بشجاعتنا التي يُضرَب بها المثل؟ ماذا حلّ بعزتنا وبكرامتنا؟ لماذا أصبحنا متقاعسين إلى هذه الدرجة فلا ندافع عن أنفسنا ضد طموحات الهيمنة الإيرانية ناهيك عن حماية إخوتنا وأخواتنا في سوريا؟ كان أسلافنا، من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم)، بالاضافة الى أحد أعظم القادة خالد ابن الوليد (رضي الله عنه)، رجالاً شجعاناً صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولا يخافون في الله لومة لائم ولم يتردّدوا قط في القتال إلى جانب الحق ، ولذلك كان النصر دائماً حليفهم بمعونه الله عزّ وجل. لم يتهرّبوا قط من واجب نجدة من يطلب مساعدتهم، فلبّوا النداء حتى ولو كان قادماً من اقصى البلاد، من بلاد الشام أو شبه الجزيرة الإيبيرية أو أجزاء من آسيا. لا شك في أنهم يخجلون من أحفادهم الذين يجلسون إلى مقاعدهم ولا يحرّكون ساكناً، بل يكتفون بهزّ رؤوسهم عاجزين أمام مشهد جثث النساء والأطفال السوريين التي تتكدّس أمامهم على شاشات التلفزة.

كفى اجتماعات ومؤتمرات ووفوداً ومبعوثين! كفى التظاهر بأن التهديد الإيراني لمنطقتنا سيختفي بسحر ساحر! كفى تلكّؤاً!
يجب أن نتحرّك !

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم