السبت، 20 أبريل 2024

التواصل بين الأديان

بقلم جوانا أندروز

© Shutterstock

كانت الأديان سبب لكثير من الصراعات والحروب عبر القرون، سواء الدين المسيحي، اليهودي أو الإسلامي. على مر التاريخ تم استخدام الدين كقوة دافعة أو عذر لبعض من ارتكبو أسوأ الفظائع في العالم. وفي السنوات الأخيرة، تم القيام بأعمال إرهابية بإسم الدين مما أدى إلى إرتفاع خطاب كراهية الإسلام. إذاً فما هو المفتاح للتعايش السلمي؟ جوانا أندروز إلتقت د. إدوارد كيسلر، وهو اكاديمي متخصص في شكل أساسي في اليهودية المعاصرية والعلاقات بين اليهودية والمسيحية واليهودية والإسلام.

خوف من الإيمان الدكتور إدوارد كيسلر الذي تلقى تحصيلا علمياً في جامعتي هارفارد وكامبريدج من مؤسّسي معهد وولف (سُمّي تيمناً باللورد هاري وولف، راعي المعهد) ومديره التنفيذي. المعهد عبارة عن مؤسسة خيرية تسعى إلى تعزيز اللقاء بين الأديان عن طريق التدريس والبحوث والتعليم العام حول الالتقاء بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. هو أيضا زميل في كلية سانت إدموندز، كامبريدج.

 وضع الدكتور كيسلر كتباً عدة آخرها "اليهود والمسيحيون والمسلمون" الذي . صدر عام 2013

يقول الدكتور كيسلر الذي يُعتبرَ من الشخصيات الأغزر إنتاجاً عن التواصل بين الأديان في المجتمع الأكاديمي البريطاني اليوم، إن المسائل الاجتماعية والسياسية والدينية تثير الآن الكثير من المخاوف في العالم، مضيفاً "لا تقتصر هذه الظاهرة على الغرب، بل إنها ظاهرة عالمية. إنه خوف جوهري من ‘الآخر’". لكن من هو أو ما هو الآخر؟ يجيب "الآخر قد يكون أياً كان، قد يكون ديناً آخر، أو جنسية أخرى، أو ثقافة أخرى، أو طبقة اجتماعية واقتصادية أخرى".

يعتر الدكتور كيسلر أن الخوف بلغ ذروته في الغرب منذ الركود، أما عالميا فقد تعاظم الخوف بعد أحداث 11 سبتمبر، مشيراً إلى أن الحل يكمن في بناء مستوى من الثقة والتفاهم والاحترام لدى الأشخاص عندما يكون في إطارٍ الحوار بن الأديان. إلا أنه يحذّر "لا يكفي التوقّف عند هذا الحد".

رهاب #الأسلام

نعيش في عالم يسكنه هاجس الدين. غالباً ما تطلق وسائل الإعلام الأساسية توصيفات غير دقيقة على الإسلام، ما يساهم في تأجيج الأحكام المسبقة والأفكار النمطية. تركّز معظم النقاشات العامة عن المسلمين في بريطانيا، على التطرّف والعنف فيما تتجاهل مساهمة المسلمين المهمّة في الحوار بين الأديان. تتهافت وسائل الإعلام باستمرار على نشر العناوين الرئيسة المعادية للإسلام والمستفزّة للمشاعر.

يلفت الدكتور كيسلر إلى أن ارهاب الإسلام أو الإسلاموفوبيا هو بد ا شك من التحدّيات الأساسية التي يواجهها الغرب اليوم، مضيفاً أن المجتمع يُظهر معاداة لأمور كثيرة حالياً، لكن الخطاب المعادي للإسلام يطغى أكثر من سواه: "إنه الموقف الذي ينم عن كره للآخر الغريب، سواء اتّخذ شكل العنصرية، أم كره المثلين الجنسيين، أم كره اليهود، أم كره الآخر، أم كره التحرّكات في شكل عام، لكن ارهاب الإسلام هو على الأرجح الأكثر تفشّيا، ويجب معالجته بجرأة".

يتابع "في حالة ارهاب الإسلام، تتحقّق نتائج أكثر فعالية بكثير إذا انتفض اليهود والمسيحيون وقالوا ‘هذا خطأ’؛ وفي حالة معاداة السامية السبيل الأكثر فعالية هو أن ينتفض المسيحيون والمسلمون ويقولوا ‘هذا خطأ’، لأن كل واحد منّا يعتبر الأمر خطأ عندما يكون هو مستهدفاً لا الآخر، عندما يطاله الهجوم. هنا يرتدي التعاون ومدّ اليد إلى الآخرين وللعلاقات أهمية حيوية للغاية، سواءً على مستوى المسؤولين الكبار أم القواعد الشعبية". يقول الدكتور كيسلر إن الأصوات الأعلى هي لسوء الحظ الأصوات الأكثر حدّة وصخباً، وتمثّل عادةً اتّجاهات متشدّدة في المعتقدات الدينية المختلفة: "ينطبق هذا على العالم اليهودي من خلال بعض المستوطنات في الضفة الغربية، وينطبق على العالم المسيحي من خلال بعض الأجزاء الجنوبية في الولايات المتحدة، وكذلك على العالم الإسلامي من خلال بعض المتطرّفين. لسوء الحظ صوتهم أعلى بكثير، ويُسمعون أصواتهم أثكر من الغالبية الساحقة من المواطنين الذين يريدون أن يعيشوا حياتهم بهناء ويتواصلوا مع الآخرين. وهذه مشكلة".

شباب شراك ال قال ابراهيم النعيمي، رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، في مؤتمر عن الأديان في الدوحة عُقِد في مارس الماضي، إن الشباب عنصر أساسي في تقدّم الدول، وناشدهم الانخراط في الحوار حول التنوّع الديني في مختلف أنحاء العالم.

يوافق الدكتور كيسلر على أن التعليم مكوِّن أساسي من أجل قيام مجتمع سليم، "لكنه ليس كافياً لوحده"، مضيفا "كانت ألمانيا المجتمع الأكثر تعليما في تاريخ العالم في القرن العشرين، وانظروا ما حدث في الحرب العالمية الثانية! التعليم ليس كافياً، لكنه شرط مسبق".

يعتبر الدكتور كيسلر أن التغير يجب أن يبدأ من المنزل: "إذا قال البابا شيئاً فهذا لا يعني أن 1.2 مليار كاثوليي يوافقونه الرأي، والأمر نفسه ينطبق على رئيس أساقفة كانتربري أو القادة اليهود أو سواهم من القادة الدينين. غالباً ما تكون القيادة الفعلية محلية الطابع، أي إنها تتمثّل في رجل الدين المسلم أو الحاخام أو القس المحلي الذين يمارسون تأثراً أكثر على تفكير الأشخاص بالمقارنة مع ‘الحصن’ أو الفاتيكان أو غير ذلك من السلطات الدينية".

ألألتقاء بين الأشخاص

يتمحور جزء كبير من العمل الذي يقوم به الدكتور كيسلر على النظر في النصوص المقدّسة، واستكشاف الأهمية التي يرتديها تشارُك نص مقدّس بالنسبة إلى العلاقات اليهودية-المسيحية. وقد حدّد تقليداً شائعاً لتفسير النصوص الدينية، لا سيما في القرون التأسيسية. وركّز عدد كبير من كتاباته على اللقاء مع الإسلام والعلاقات المعاصرة بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة. يقترح الدكتور كيسلر مقاربات لإدارة الاختلاف يعتبرها حيوية من أجل تكوين هوية إيجابية فضلا عن الحفاظ على المجتمعات المحلية: "من المهم أن نتعامل مع الاختلاف باعتباره أمراً إيجابياً لا تهديد". يضيف "أياً تكن منظومة المعتقدات التي ينتمي إليها الشخص، سواء كان يتبع تعاليم المسيح أم بوذا أم النبي محمد، لا شك في أنها تدرك أثراً دائما في فكره". يسعى الدكتور كيسلر، من خلال معهد وولف، إلى كبر الحواجز بن الأشخاص الذين ينتمون إلى معتقدات دينية مختلفة وتعزيز العلاقات بن الأديان.

يقول "اكتشفت من خلال عملي على دراسة الحوار بن الأديان والمشاركة فيه على امتداد عشرين عاماً، أنه يتعلّق في شكل أساسي بالالتقاء بن الأشخاص".

يتابع "من الصعب جداً أن تتفاعل مع شخص آخر إذا لم تكن تفهم معتقده، وطريقة تفكيره، والمحطات المهمة في حياته وتاريخه وثقافته، لذلك التعليم ضروري جداً لكن يجب أن يترافق مع الممارسة. ما فائدة أن يكون الإنسان رائعاً إذا كان شرّيراً؟" في أحلك الزوايا في التاريخ البري، ثمة أمثلة كثيرة عن مآسٍ يصعب فهمها اليوم، حين تكبّدت مجموعة من الأشخاص معاناة كارثية على أيدي مجموعة أخرى - مثل العبودية وا لمحرقة .

ليست تلك المآسي منطبعة في الذاكرة الحية لشباب اليوم، لكنها تذكّرنا بقسوة بالخطر الذي يمكن أن تحمله اللامبالاة الدينية أو الاجتماعية. لعل قبول الآخر هو شرط مسبق من أجل عالم ينعم بالسلام. هل يصعب على الأشخاص من مختلف الأديان تطبيق القيم الأساسية الضرورية من أجل مجتمع عادل؟ ربما! ليتنا نضع خلافاتنا جانباً، ونكرّس وقتنا وطاقتنا للعمل من أجل خير البشرية كي نتمكّن من التعايش بسلام في عالمنا.

قال مارتن لوثر كينغ "الإيمان هو أن تقوم بالخطوة الأولى حتى عندما لا ترى السلالم بكاملها".

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم