السبت، 20 أبريل 2024

نقص في النوايا الطيبة

بقلم بول فيندلي

© Shutterstock

يوجه الموقر بول فيندلي تحية إلى روبرت شتراوس - الذي توفّ مؤخراً عن عمر يناهز 95 عاماً - والمعروف بأنه "حلّل مشاكل" من الطراز الأول في واشنطن. كان شتراوس - طوال عقود - مقصداً في واشنطن لكل من يريد إنجاز أمر ما. كان محامياً وسفيراً ورئيس اللجنة الديمقراطية الوطنية الذي ساعد على إحياء الحزب الديمقراطي من جديد في سبعينيات القرن العشرين.

في العام 1979 ، كانت علاقتي مع روبرت ش راوس، مبعوث الرئيس كارتر الخاص إلى الشرق الأوسط الذي توفّى الشهر الماضي، ودّية، ووثيقة لبعض الوقت. كان سياسياً ساحراً ورئيساً سابقاً للجنة الديمقراطية الوطنية معروفاً بقدرته على التوصّل إلى تسويات. كان الموظفون العاملون لدي والذين يتألّفون جميعاً من الجمهورين مولعن جداً به إلى درجة أنهم قاموا ببادرة ودّية تجاهه. فقد حضروا فطوراً فاخراً في منازلهم ذات صباح، وقدّموه لش راوس - ولي - في مكتبي في كابيتول هيل.

تأثّر ش راوس كثيرا، لكن سحره لم يُقنع الرئيس جيمي كارتر بموضوع التكلّم مباشرة مع ياسر عرفات، زعيم "منظمة التحرير الفسطينية". أخبرني ش راوس أنه يعارض بشدّة السياسة السائدة التي يمتنع السياسيون الأمريكيون بموجبها عن التكلّم مع قادة "منظمة التحرير الفلسطينية". وقال إنه كان ليباشر على الفور نقاشات مفتوحة مع عرفات لو أن الرئيس كارتر وافق على ذلك، مضيفاً "أعلم أنه بإمكاني أن أذلّل، من خلال المحادثات المباشرة، معظم الصعوبات التي نواجهها مع منظمة التحرير الفلسطينية". أنا على يقين من أن الرئيس كارتر يشعر بالأسف الآن لأنه أصرّ على اتباع سياسة عدم الكلام مع القادة الفلسطينيين، تماماً كما أندم على التصويت على تقديم المساعدات لإسرائيل عندما كنت عضوا في الكونغرس. كانت المسألة الفلسطينية مهمة جداً، بحيث كان يجب أن أصوّت دائماً برفض إرسال المساعدات إلى إسرائيل مع الأسباب. كانت سياسة اللاحوار دليلا على التأثر الهائل الذي لطالما مارسه اللوبي الإسرائيي في الولايات المتحدة على الكونغرس والسلطة التنفيذية. فبحلول ذلك الوقت، كانت إسرائيل قد بدأت تنتهك المعاهدات والاتفاقات عبر إنشاء مستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها بقوّة السلاح.

 وبالكاد ارتفع صوتٌ معارِض في #واشنطن. في الأعوام الأخيرة، ينتقد كارتر سوء معاملة إسرائيل للفلسطينيين، وقد ميّز نفسه كرجل دولة من خلال مساعٍ كثيرة يقوم بها. إنه بطل في نظري. في العام 1979 ، وبما أنني كنت على معرفة بعرفات، شعرت أن ش راوس، اليهودي، هو الشخصية الأمثل التي يمكن أن تتفاوض للتوصّل إلى اتفاق مرضٍ لفلسطين وإسرائيل على السواء. فقد اعتبرت آنذاك أنه إذا تحوّلت توصياته بشأن الشرق الأوسط سياسة فعلية، من شأن انتمائه الديني أن يشكّل عام اً مساعِداً في الحصول على موافقة إسرائيل. كنت في ذلك الوقت أؤدّي دور جمع المعلومات بين وزارة الخارجية الأمريكية وعرفات. كنت أكتفي بنقل الرسائل من دون المشاركة في وضع السياسات. في نوفمر 1978 ، عقدت اجتماعاً استمرّ لمدة ساعتَين مع عرفات في دمشق. خلال النقاش، سمح لي بأن أنقل إلى البيت الأبيض الشروط التي تقبل بها "منظمة التحرير الفلسطينية" من أجل قيام فلسطين جديدة تعيش بسلام مع إسرائيل. أمى عرفات موقفه علي، فدوّنته كتابةً وقرأته على مسامعه ثلاث مرات ببطء للتأكّد من أن ما كُتِب ينقل موقفه بدقّة. وكرّرت السؤال "هل أنت واثق من أن هذا ما ترغب في قوله؟" إليكم النص الذي وافق عليه: "تقبل منظمة التحرير الفلسطينية بدولة فلسطينية تتألف من الضفة الغربية وغزة، مع ممرّ يربط بينهما، وفي تلك الحالة، ستتخلا عن أي شكل من أشكال العنف لتوسيع أراضي تلك الدولة. أحتفظ بالطبع بحق استخدام الوسائل غير العنفية، أي الوسائل الدبلوماسية والديمقراطية، من أجل توحيد فلسطين بكاملها. سنمنح دولة إسرائيل اعترافاً بحكم الأمر الواقع. سنعيش ." بسلام مع جميع جيراننا. 30 نوفمر 1978 كان كلامه هذا تاريخياً بالنسبة إلي، واعترت أنه يقطع شوطاً كبيراً نحو الأمام بالمقارنة مع المواقف التي اتّخذتها "منظمة التحرير الفلسطينية" في مناسبات عامة سابقة. أُعجِبت كثيراً بهذا الكلام ورأيت فيه أساساً راسخاً للتفاوض بنيّة حسنة.

وإذا قبلته إسرائيل، يمكن أن يقود إلى السلام مع توقّف العنف. واعتبرت أنه من شأن أي مراقب موضوعي أن يرى فيه خطوة كبيرة في الاتجاه المناسب. لدى عودتي إلى #واشنطن، نقلت الشروط التي وضعها عرفات لإحلال السلام إلى زبيغنيو بريجنسي، مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر، خلال اجتماع لي معه في البيت الأبيض. كنت على معرفة ببريجنسي من خلال قيامنا بالعديد من مبادرات السلام المشتركة أثناء حرب فيتنام. أصغى بتهذيب إلى التقرير الذي قدّمته من دون التعليق عليه.

ولم يُبدِ أي إشارة بأنه ينظر بعين الأهمّية إلى تعهّد عرفات. لم يصدر أي ردّ عن البيت الأبيض. أما المسؤولون الإسرائيليون فتجاهلوا كلام عرفات معتبرين أنه لا قيمة له. عندما التقيت رئيس "حزب العمال" الإسرائيلي، شيمون بيريز، الذي أصبح الآن رئيس إسرائيل، بعد بضعة أيام، قال إن Meet عرفات نقض، في مقابلة مع برنامج عبر قناة "إن بي سي"، تفاصيل the Press التعهّد الذي نقلتُه إلى المسؤولين في #واشنطن. كنت قد تابعت المقابلة بدقّة شديدة، وكنت أعلم أن بيريز مخطئ. بعد بضعة أيام، قال مسؤول في "منظمة التحرير الفلسطينية" في باريس للمراسلين إن تفسري لتعهّد عرفات صحيح. لاحقاً، بدأ مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية طلب عدم ذكر اسمه التواصل عن طريقي مع عرفات. وقد دفع هذا التواصل غير المباشر بعرفات إلى النزول مرّتين عند طلب المسؤول.

لكن لم يُعطَ تعاونه هذا الأهمية التي يستحقّها. كان وزير الخارجية الأمريكي سايروس فانس يدعوني من حين لآخر لإطلاعه على المستجدّات بشأن موقف عرفات، وذات يوم أحد، دعاني عرفاًت إلى مكتبه للتناقش في هذه المسألة. هل كان ش راوس ليُحدث فرقاً لو حصل على موافقة الرئيس؟ جوابي: ربما كان ليُحقّق نتائج أفضل من سواه.

بعد أكثر من ثلاثة عقود مما يُسمّى المفاوضات الإسرائيلية حول فلسطين، لا يزال الجمود مستمراً. لم تُظهر الحكومة الإسرائيلية حسن نية تجاه الفلسطينيين سوى خلال الفترة القصيرة التي تولّ فيها موشيه شاريت رئاسة الوزراء. فجميع الباقين استخدموا هذه المحادثات المطوّلة غطاءً مع استمرار إسرائيل في بناء مزيد من المستوطنات غير الشرعية. خلال تلك الأعوام، وحدها إدارة جيمي كارتر أظهرت حسن نيّة تجاه الفلسطينيين.

من التذكارات التي أحتفظ بها من عرفات تمثال جميل من خشب الصندل لامرأة فلسطينية تحمل جرّة. وقّع زعيم "منظمة التحرير الفلسطينية" على قاعدة التمثال، وطلب منّي إعطاءه إلى ش راوس. عندما اتّصلت بهذا الأخر لأسلّمه التمثال، ردّ بأنه يعتذر عن قبول الهدية. لم يُغضبني قراره.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم