الخميس، 18 أبريل 2024

المسلمون في الغرب وتأثير الإرهاب الاستقطاب

بقلم خلف أحمد الحبتور

© Shutterstock

تكشف تصريحات دونالد ترامب الذي يستغل مشاعر القلق والخوف لدى الناس، عن تجاهل تام لواقع أساسي وهو أن الغالبية الساحقة من الاعتداءات بالسلاح المتفشّية في الولايات المتحدة يرتكبها غير المسلمين. لقد أثار موقف ترامب انتقادات حادة بسب وصمه الجالية الإسلامية المسالمة والمنتجة في الجزء الأكبر منها وتشويه صورتها، في حين تعمّد تحويل مسار النقاش عن المسألة الجوهرية: القوانين الأمريكية المثيرة للجدل حول حيازة السلاح، والمنصوص عليها في الدستور الأمريكي.

يحذّر الحاخام مارك شناير، رئيس "مؤسسة التفاهم الإثني"، من مغبّة اللجوء إلى إدانة شاملة للمسلمين انطلاقاً من ممارسات حفنة قليلة تدّعي أنها تمثّل الديانة الإسلامية، قائلاً: "نعم، التطرف الإسلامي تهديد حقيقي للسلام العالمي. لكن من يضعون جميع المسلمين في السلة نفسها، ويستخفّون بالموقف الشجاع للأكثرية المعتدلة المناهضة للتطرف، لا يساعدون على الفوز في تلك المعركة. على العكس، إنهم يتسبّبون بتعزيز التطرف عبر المساهمة في ترويج الرواية المضللة عن الصراع الأزلي بين #الإسلام والغرب. علينا أن نحارب ذلك بكل ما أوتينا من قوة".

ويشدّد شمسي علي، عميد مسجد الحكمة في الولايات المتحدة، على خطر استعداء الجاليات الإسلامية، محذراً من مغبة إقصاء الأصوات المسلمة، الأمر الذي يساهم في تعاظم الشعور بالعزلة وسوء التمثيل، فيؤدّي بالتالي إلى تفاقم الانقسامات وانهيار النسيج الاجتماعي. يشرح علي: "... غالباً ما يجد المسلمون أنفسهم في مأزق حيث يصبحون موضع شك عميق من الأجهزة الأمنية والمجتمع، فقط بسبب معتقدهم الديني. وإذ يعجزون عن مشاركة أبناء وطنهم الحداد والمعافاة، يجد كثرٌ أنفسهم مستبعَدين من الحوار الوطني، ثم يتعرّضون للانتقادات لاحقاً لأنهم لم يتبنّوا موقفاً قوياً بما يكفي في استنكارهم للهجمات، أو لأنهم التزموا الصمت في أعقاب أعمال العنف".

دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في خطابه للأمة في السادس من ديسمبر الجاري، المسلمين إلى إجراء عملية استبطان ذاتي لاستئصال التطرف، لكنه شدّد أيضاً على الحاجة إلى التسامح والتعاطف والإنسانية: "مثلما تترتب على المسلمين حول العالم مسؤولية اجتثاث الأفكار المضللة التي تقود إلى التشدد، تترتب على جميع #الأمريكيين - من مختلف الأديان - مسؤولية رفض التمييز... لأنه عندما نسلك ذك المسار، نخسر. فهذا النوع من الانقسام والخيانة لقيمنا يصب في مصلحة مجموعات على غرار داعش".

وصف ترامب بعض المناطق في لندن بأنها "متطرفة جداً إلى درجة أن عناصر الشرطة يخشون فيها على حياتهم"، ليرفع إلى مستوى خطير منسوب التحريض في خطابه ضد المسلمين في أوروبا. قال متحدّث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إنه يختلف تماماً في الرأي مع ترامب، في حين انتقد عمدة لندن، بوريس جونسون، كلام ترامب معتبراً أنه "يستند إلى معلومات مغلوطة" وواصفاً إياه بـ"الهراء الشديد والمطلق".
بيد أن خطاب ترامب المقلق يجد صدى مشؤوماً في #فرنسا حيث حققت الجبهة الوطنية المنتمية إلى أقصى اليمين تقدّماً غير مسبوق في استطلاعات الرأي، إبان اعتداءات باريس الدموية. قد تكون لهذا التطور تداعيات مهمة على المهاجرين في البلاد، نظراً إلى أنه يُعرَف عن الجبهة تأجيجها الانقسامات المجتمعية من خلال مواقفها السلطوية وخطابها الذي ينم عن كراهية للأجانب.

ساد القلق الشديد والذعر في أوروبا في أعقاب هجمات باريس التي أسفرت عن مقتل 130 شخصاً في 13 نوفمبر الماضي. وكانت التداعيات عميقة جداً. وبما أن عبد الحميد أبا عود، 28 عاماً، الذي يُشتبَه بأنه العقل المدبّر للهجمات، هو مواطن بلجيكي من أصول مغربية، تجد الجالية الإسلامية الكبيرة في أوروبا نفسها أمام مزيد من التحديات.
لقد أعرب المسلمون في مختلف أنحاء العالم عن اشمئزازهم من همجية "داعش"، وأقبلوا بكثافة على نشر رسائل التعزية والتعبير عن سخطهم الشديد من وحشية "داعش"، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكذلك استنكر رجال الدين بطريقة لا لبس فيها العنف في باريس. وأعلن دليل بوبكر، عميد المسجد الكبير في باريس، أنه من المهم للمسلمين الفرنسيين "التعبير عن هويتهم الفرنسية، وذوقهم الفرنسي، وقيمهم الفرنسية، و[رفضهم] الفرنسي لما يهددّهم ويهدد #فرنسا وديننا أيضاً"، مشدداً على التضامن مع #فرنسا ورسم مسار نحو الأمام للمسلمين في البلاد.

يسلّط عبد الحكيم مراد، الباحث الذائع الصيت دولياً ومحاضِر كرسي #الشيخ_زايد للدراسات الإسلامية في جامعة كامبريدج، الضوء في مقابلة مع "الشندغة"، على هشاشة المسلمين الأوروبيين في مناخ يعاني فيه #الإسلام من سوء الفهم إلى حد كبير: "لقد ساهمت اعتداءات باريس في تعزيز مكانة أعداء المسلمين في أوروبا، ومنحت ذخيرة كلامية لمن يهاجمون مبدأ التوحيد. لقد أعطت الهجمات اندفاعة للعلمانية والشكوك في بلدٍ حيث الدين ضعيف".
أدّت هذه الهجمات إلى صعود خطير في العنف ضد المسلمين في أوروبا الغربية. فعلى سبيل المثال، كشفت الأرقام الصادرة عن شرطة لندن عن ارتفاع بنسبة 47 في المئة تقريباً من جرائم الكراهية ضد المسلمين إبان اعتداءات باريس. وهذا الصعود في العداء تجاه المسلمين مؤشر عن نزعة معمّمة على أوروبا بأسرها.

على الرغم من أن الغالبية الساحقة من المسلمين تدين الإرهاب، يبقى السؤال الصعب: لماذا ينجذب بعض الشباب المسلمين الأوروبيين إلى تنظيمات متشدّدة على غرار "داعش"؟ اعتبر العديد من الباحثين الأكاديميين أن الأسباب تتمثل في التهميش الاقتصادي، والشعور بالعزلة والإقصاء الاجتماعي، والتي تجعل من الشباب فرائس سهلة تتحكّم بها المجموعات الإرهابية.

يبذل المسلمون مساعي لتعزيز الاندماج والتمكين الاقتصادي. يقول عبد الحكيم مراد: "يبدو أن التطورات ولّدت لدى المسلمين تصميماً أقوى على الاندماج في المجتمع الأوسع، باعتباره الضمانة الأفضل ضد الإقصاء والوصم. تشعر المجموعات السلفية أنها في موقف دفاعي، وتتعرّض لضغوط كبيرة، في حين أن المجموعات السنّية الأكثر اعتدالاً بدأت تأخذ زمام المبادرة بفاعلية أكبر".

في هذه المرحلة التي تحتدم فيها التشنّجات، عمدت الحكومات الأوروبية إلى التشدّد في إجراءاتها الأمنية وتدابير المراقبة. وتعمل الحكومات أيضاً على تطبيق برامج لمكافحة التشدد من أجل الحؤول دون تجنيد الشباب الذين يعانون من الهشاشة، في التنظيمات الإرهابية. في أكتوبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن تطبيق إجراءات جديدة منها خطوات لحظر نشر مواد تروّج لأفكار متشدّدة، عبر الإنترنت، ومنع كل من يعبّر عن تأييده للجرائم الإرهابية أو الأنشطة المتطرفة، من العمل مع الأطفال، قائلاً: "نعلم أن التطرف هو عارِض؛ والأيديولوجيا هي السبب الأساسي خلفه. لكن الرهانات تزداد، ما يستدعي اعتماد مقاربة جديدة".

وقد أطلق العديد من البلدان الأوروبية الأخرى برامج لمكافحة التشدد، مع تحقيق مستويات مختلفة من النجاح. لكن #فرنسا الشديدة العلمانية كانت في البداية بطيئة في معالجة تفشّي العقيدة الإرهابية، لأن الدولة تمنع عادةً أيّ تدخّل في الشؤون الدينية للمواطنين. إلا أنها أطلقت مؤخراً برنامجها الخاص لمكافحة التشدد بالاستناد إلى إعادة التأهيل والدمج. وكذلك أنشأت الحكومة الفرنسية خطاً هاتفياً مخصّصاً للأهالي القلقين على أولادهم المعرّضين لخطر الجنوح نحو التشدد، وفرضت إجراءات صارمة لمنع القاصرين من مغادرة البلاد للانضمام إلى المجموعات الإرهابية.

كان برنامج "#إكزيت" الذي اعتمدته ألمانيا بالاستناد إلى استراتيجياتها الهادفة إلى إعادة تأهيل النازيين الجدد ودمجهم في المجتمع، موضع ثناء نظراً إلى فاعليته. كما أن برنامج "#آرهوس" الدنماركي الذي يجمع بين المساعدة النفسية والمشورة والإرشاد، كان محط إشادة لأنه يمنح المواطنين فرصاً لإعادة الاندماج بدلاً من مواجهة العقاب.

لا يمكن معالجة التأثير المؤذي للإرهاب على المسلمين في الغرب إلا من خلال تعاون الجماعات المختلفة للحؤول دون خضوع العقول الشابة السريعة التأثر للتلقين العقائدي الإرهابي، وكذلك من خلال سياسات تقودها الحكومة لتعزيز التعليم والحركية الاجتماعية والاقتصادية والاندماج والمشاركة.

بيد أن سياسة الكراهية والخوف التي ظهرت في الأيام الأخيرة لن تؤدّي سوى إلى تفاقم الانقسامات عبر الجماعات المختلفة، ما يعيدنا بالذاكرة إلى أحلك الفصول في التاريخ: التفرقة العنصرية، الفاشية، المكارثية. في هذه الأزمنة المشحونة، ينبغي على القادة والمجتمع المدني العمل من أجل إطلاق مسار قوامه السلام والانسجام بين الأديان والاحتفاء بالتنوّع في عالم يزداد عولمة.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم