الثلاثاء، 23 أبريل 2024

أوباما و"الكلام القاسي" المليء بالمغالطات عن الإرهاب

بقلم خلف أحمد الحبتور

© Shutterstock

لا يُخفى على أحد أنه لدى دول #الخليج مخاوف شديدة بشأن اتفاق الإطار الذي يهدف إلى الحد من قدرات التخصيب #النووي لدى #إيران، والذي تعتبر تلك الدول أنه يمنح تمكيناً لإيران، عدوتهم الجيوسياسية اللدودة التي تسعى وراء تحقيق أطماعها التوسّعية. واقع الحال هو أنه لم يتم إطلاع بلدان #الخليج، ولا سواها من الدول الفاعلة في المنطقة، على مسار المفاوضات السرية بين #الولايات_المتحدة وإيران، والتي أدّت إلى انطلاق المحادثات في سويسرا، ومن ثم جرى تهميش تلك الدول. وقد سعى أوباما إلى طمأنة قادة الدول الخليجية بأن واشنطن تقف إلى جانبهم، لكنه فجّر قنبلة من العيار الثقيل خلال مقابلة مع توماس فريدمان من صحيفة "نيويورك تايمز".

ففي حين أقرّ بأن "حلفاء أمريكا العرب السنّة، على غرار #السعودية" يواجهون تهديدات خارجية، ركّز في شكل أساسي على التهديدات الداخلية، مثل "الشعوب التي تشعر بالنفور في بعض الحالات، والشباب الذين يعانون من البطالة، والأيديولوجيا المدمّرة والعدمية، وفي بعض الحالات، الاعتقاد بأنه ليست هناك منافذ سياسية مشروعة للتعبير عن المظالم".

أضاف: "إذاً جزء من مهمتنا هو أن نعمل مع هذه الدول ونقول لها، ‘كيف يمكننا بناء قدراتنا الدفاعية في مواجهة التهديدات الخارجية، إنما أيضاً، كيف يمكننا تعزيز الكيان السياسي في هذه البلدان ليشعر الشباب السنّة بأنّ لديهم خيارات أخرى غير الدولة الإسلامية...".

وأعقب كلامه هذا بتعليق غير مطمئن على الإطلاق:

"أظن أن التهديدات الأكبر التي يواجهونها لا تأتي ربما من الغزو الإيراني. بل مصدرها هو التململ داخل بلدانهم... إنه كلام قاسٍ، لكن لا بد من قوله".

أولاً، ليس من شأنه ولا من "مهمته" إلقاء المحاضرات على الدول السيادية أو محاولة التدخّل في شؤونها الداخلية.

ثانياً، لقد سبق أن استخدمت #إيران القيادات والميليشيات والمجموعات المسلّحة التابعة لها للسيطرة على أربعة بلدان عربية - العراق وسوريا ولبنان واليمن.

ثالثاً، والأهم، تأكيده بأن شعوب #الخليج تشعر بـ"النفور" وتعاني من "العمالة الناقصة"، وأنها مستاءة لعدم وجود "منافذ سياسي مشروعة للتعبير عن المظالم"، ليس سخيفاً جداً وحسب بل مضحك أيضاً.

تختلف أساليب الحكم بين بلد وآخر في #الخليج، ولا تدّعي دول #الخليج أنها انعكاس للديمقراطيات الغربية (ولمَ يجدر بها أن تكون ذلك؟). وباستثناء البحرين حيث تعمل طهران على تأجيج المعارضة في صفوف السكان الشيعة، المؤشرات عن وجود تململ ضئيلة جداً. في الواقع، ليس هناك ما يتسبّب بالاستياء للسكان. وخير دليل على ذلك أن حفنة قليلة تسعى إلى الهجرة. كما أن العمّال الأجانب يتهافتون للحصول على تأشيرات سفر إلى دول #الخليج.

انتفض الإيرانيون في مناسبات عدة ضد نظامهم الديكتاتوري الذي يدّعي الديمقراطية، فكان نصيبهم التعامل معهم بقبضة من حديد. صحيح أن الإيرانيين يصوّتون لانتخاب رئيس، لكنه مجرد منصب صوري أكثر مما هو صانع قرارات حقيقي، فالقرار النهائي في مختلف المسائل المهمة يعود إلى المرشد الأعلى الإيراني.

يتمتّع مواطنو بلدان مجلس التعاون الخليجي ببعض من أعلى معايير العيش في مختلف أنحاء العالم، ولديهم بنى تحتية عالمية الطراز ومنافع اجتماعية، مثل التعليم العالي المجاني والعلاج الطبي المجاني. معدلات البطالة في مختلف بلدان #الخليج، باستثناء سلطنة عمان، أدنى منها في #الولايات_المتحدة - كما أنها أدنى بكثير من نسبة البطالة في #إيران التي تبلغ حالياً 12.4 في المئة.

وفي حين أن نسبة السكّان الذين يعيشون دون خطر الفقر في بلدان مجلس التعاون الخليجي هي صفر في المئة، يُصنَّف 18.4 في المئة من الإيرانيين رسمياً في خانة الفقراء. وقد بلغ إجمالي الناتج المحلي للفرد في #إيران 12800 دولار أمريكي فقط عام 2013، فيما ناهز 26000 دولار في #السعودية في العام نفسه.

إذا كان أوباما يهتم فعلاً بالدوافع التي تُلقي بالشباب في أحضان المتطرّفين ذوي "الأيديولوجيات العدمية"، عليه أن يتمعّن جيداً في السياسة الخارجية لبلاده على امتداد عقود طويلة. فالدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل ينضح بازدواجية المعايير. لقد أدّى اجتياح العراق بقيادة #الولايات_المتحدة بالاستناد إلى حجج واهية، إلى تقسيم البلاد على أسس مذهبية. وحوّل تدخّل #الولايات_المتحدة مع حلفائها الغربيين في ليبيا، هذا البلد الذي كان مستقراً من قبل إلى مستنقع للإرهابيين. كلما أقحمت واشنطن نفسها في الشرق الأوسط، تقع الفوضى وحمامات الدماء والانقسامات المذهبية.

علاوةً على ذلك، الأيديولوجيات العدمية التي تحدّث عنها أوباما مستمدة من عقيدة سيد قطب، أحد مؤسّسي "الإخوان #المسلمين" الذي كانت أعماله مصدر إلهام لتنظيم "القاعدة" والمجموعات التكفيرية. كان قطب يعتبر أن #المسلمين وغير #المسلمين الذين يرفضون أفكاره المتشدّدة هم جميعاً كفّار يجب القضاء عليهم. لكن عام 2013، دعم أوباما "الإخوان #المسلمين" رغماً عن إرادة الشعب المصري الذي نزل إلى الشارع مطالباً بعزل #محمد_مرسي - ولا يزال أوباما حتى يومنا هذا يطالب بالإفراج عن مرسي وسواه من قياديي الإخوان الذين نفّذ أتباعهم هجمات في مختلف المدن المصرية.

أخيراً، إذا كانت المظالم السياسية والاستياء من البطالة هي المحفّزات الأساسية خلف تشدّد الشباب #المسلمين، كما يقول، فكيف يفسّر أن أعداداً كبيرة من الشباب والشابات المولودين في الغرب توجّهت إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"؟ لقد تدفّق المقاتلون والعرائس المجاهدات، بحسب التسمية التي تُطلَق عليهن، من #الولايات_المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا والنرويج وفنلندا والسويد وهولندا، إلى سوريا عن طريق تركيا. هل علينا أن نفترض أنه ليس للمواطنين في تلك الدول الغربية منفذ سياسي مشروع للتعبير عن مظالمهم؟

بحسب ألكس سمبسون من "مؤسسة كويليام" للأبحاث والدراسات حول مكافحة الإرهاب ومقرها المملكة المتحدة، "المفهوم القائل بأن المسائل الاقتصادية والاجتماعية هي قوة محفّزة خلف التشدّد أشبه بذر الرماد في العيون...". ينقل سمبسون عن الصحافية البريطانية مريم فرانسوا-سيراه، قولها: "يأتون من بورتسماوث وكارديف؛ ومن أبردين. ليسوا مصرفيين متخصصين في الاستثمار من شلسيا. فلنواجه الأمر". ويردّ عليها قائلاً: "بما أن معدل التوظيف في أبردين هو حالياً في المرتبة الثانية بين أعلى المعدلات في المملكة المتحدة، كما أن إجمالي ناتجها المحلي للفرد يُصنَّف بين أول عشرين مدينة في الاتحاد الأوروبي، تُضعِف فرانسوا-سيراه حجتها عن غير قصد منها".

لنأخذ على سبيل المثال أحد "المطلوبين الأوائل" في العالم، محمد أموازي (المعروف بـ"الجهادي جون") - البريطاني الذي أصبح الذبّاح الأشهر في تنظيم "الدولة الإسلامية". يقال إنه ولد في أسرة ميسورة وكان طالباً متفوّقاً. كما أنه حائز على شهادة في برمجة الكمبيوتر من جامعة وستمنستر، وكان يعمل عام 2010 في شركة كويتية لتكنولوجيا المعلومات، وقد وصفه رئيسها بأنه "أفضل موظف مرّ على الشركة". وكذلك يتحدّر منفّذ الاعتداء في قاعدة فورت هود العسكرية الأمريكية، المايجور نضال حسن، وهو طبيب نفسي، من أسرة ميسورة تنتمي إلى الطبقة الوسطى.

درس الطبيب النفسي مارك سايجمان الذي كان يعمل سابقاً لدى "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي أيه)، خلفيات 172 إرهابياً، فوجد أن نحو 50 في المئة منهم مهنيون، وأن 75 في المئة يتحدّرون من الطبقة الوسطى أو العليا؛ وعدد كبير منهم حائز على شهادات جامعية، كما أن بعضهم من حاملي شهادات الدكتوراه. ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن الإرهابي الأشهر على الإطلاق، أسامة بن لادن، كان مليونيراً من عائلة محترمة.

إما أن الرئيس أوباما غير مطّلع إلى درجة كبيرة، وإما أنه - وهذا الاحتمال أكثر ترجيحاً - يلفّق استنتاجات عن الإرهاب بهدف إرغام دول #الخليج على القبول بالاتفاق #النووي مع #إيران. لسوء حظه، يتصرّف مثل رجل يستخدم مطرقة لقتل ذبابة حطّت على رأس صديقه. فعندما يتهجّم كلامياً على قادة دول #الخليج عبر توجيه اتهامات مغلوطة، يقضي شيئاً فشيئا إنما بخطى ثابتة، على ثقتهم.
 

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم